سنن متعلقة بالطعام والشراب والعطاس

منذ 2024-07-12

(السنن المتعلقة بالطعام والشراب - السنن المتعلقة بالعطاس)

أولا: تمهيد:

خلق الله تعالى لابن آدم حاجةً إلى ‌الطعام ‌والشراب، وهما رزق البدن الذي لا قوام له بدونهما، فجعل ‌الطعام سبباً للشبع والماء سبباً للري، وهما من النعم التي أودعهما الله في الدنيا ينال منهما المؤمن والكافر والبر والفاجر، ولكنه حرمهما يوم القيامة على الكافرين، فأبدلهم مكان ‌الطعام ‌والشراب زقوما وحميما؛ لتركهم شكر نعم اللَّه تعالى.

 

‌وأما العُطَاسُ فهو مأخوذ من ‌العُطَاس الذي هو الصُّبْحُ، أو من الانتباه من النوم: لأن عُطَاس الإنسان إنما هو تخلص من بخار مُسْتَكِنِّ في الرأس والخياشيم، وانفساح من ضيق وغم، فهو في ذلك بمنزلة الصبح الخارج من الظلمة أو الانتباه من الرقدة، من العَطْسة، ‌وسببه محمود وهو خفّة الجسم التي تكون لقلة الأخلاط وتخفيف الغذاء، والله عز وجل يحب ‌العطاس[1]‏.

 

وسنعرض في هذا المطلب إلى بعض السنن المتعلقة بالطعام والشراب والعطاس.

 

ثانيا: السنن المتعلقة بالطعام والشراب:

المضمضة بعد شرب اللبن وما فيه دسَم:

عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ وَقَالَ:  «إِنَّ لَهُ دَسَمًا»[2]‏.

 

التنفس خارج الإناء ثلاثًا:

عن أنس رضي الله عنه، قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ:  «إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ»[3]‏.

 

صنع طعام النقيعة[4]:

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، نَحَرَ جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً»[5]‏.

 

قال ابن بطال رحمه الله: «فيه: إطعام الإمام والرئيس أصحابه عند القدوم من السفر، وهو مستحب ومن فعل السلف»[6]‏.

 

مسح اللقمة الساقطة وأكلها وَلَعْقُ الأصابع:

عن جابر رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَاكَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لَايَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ»[7].

 

قال النوويرحمه الله: «في هذه الأحاديث أنواع من سنن الأكل، منها:

استحباب لعق اليد؛ محافظةً على بركة الطعام، وتنظيفًا لها.

 

واستحباب أكل اللقمة الساقطة بعد مسح الأذى الذي بها، هذا إذا لم تقع على موضع نجس، فإن وقعت على موضع نجس تنجست، ولابد من غسلها إن أمكن، فإن تعذر أطعمها حيوانًا، ولا يتركها للشيطان»[8].

 

ثالثا: السنن المتعلقة بالعطاس:

استحباب خفض الصوت بالعطاس:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ، وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ»[9].

 

وخفض الصوت بالعطاس مشروع، سواء كان منفردًا أو بجواره غيره، والحكمة في ذلك: أن رفع الصوت بالعطاس فيه إزعاج للأعضاء[10].

 

ترك التشميت بعد العطسة الثالثة:

عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ ثَلَاثًا، فَمَا زَادَ فَهُوَ مَزْكُومٌ»[11].

 

والحكمة من ترك التشميت بعد الثالثة: أنه حينها يكون مريضًا، فيدعى له كما يُدعى للمريض ومن به داءٌ ووجعٌ. وأمَّا سنَّة العطاس الذي يحبُّه الله، وهو نعمةٌ، ويدلُّ على خفَّة البدن وخروجِ الأبخرة المحتقنة: فإنَّما يكون إلى تمام الثَّلاث، وما زاد عليها: يُدعى لصاحبه بالعافية[12].

 


[1] انظر: اللبلي، تحفة المجد الصريح في شرح كتاب الفصيح (ص93)، بدون طبعة، تاريخ النشر: 1418 هـ - 1997م، محمد حسين يعقوب، الأنس بذكر الله، بدون طبعة، بدون تاريخ، الناشر: دار التقوى للنشر والتوزيع، جمهورية مصر العربية

[2] صحيح البخاري (5/ 2168) حديث رقم (211)، كتاب الأشربة، باب: شرب اللبن، صحيح مسلم (1/ 274) حديث رقم (358)، كتاب الطهارة، باب نسخ الوضوء مما مست النار.

[3] صحيح مسلم (6/ 111) حديث رقم (2028)، كتاب الأشربة، ‌‌باب كراهة التنفس في نفس الإناء واستحباب التنفس ثلاثا خارج الإناء.

[4] النقيعة: صنعة الطعام عند القدوم من السفر. انظر: غريب الحديث (3/ 274)، النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 109).

[5] صحيح البخاري (4/ 77) حديث رقم (3089)، كتاب الجهاد، باب: الطعام عند القدوم.

[6] ابن بطال، شرح صحيح البخاري (5/ 243)، الطبعة: الثانية، 1423 هـ - 2003 م، دار النشر: مكتبة الرشد - السعودية، الرياض.

[7] صحيح مسلم (6/ 114) حديث رقم (2033)، كتاب الأشربة، ‌‌باب استحباب لعق الأصابع والقصعة وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى وكراهة مسح اليد قبل لعقها.

[8] النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (13/ 205)، الطبعة: الثانية، 1392، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.

[9] سنن أبي داود (4/ 307) حديث رقم (5029)، كتاب الأدب، ‌‌باب في العطاس، سنن الترمذي (5/ 86) حديث رقم (2745)، كتاب الأدب، ‌‌باب ما جاء في خفض الصوت وتخمير الوجه عند العطاس، وقال: «هذا حديث حسن صحيح».

[10] انظر: ابن حجر: فتح الباري (10/ 602)، الطبعة: الأولى 1380 - 1390 هـ الناشر: المكتبة السلفية – مصر.

[11] أخرجه ابن ماجه (2/ 1223) حديث رقم: (3714)، كتاب الأدب، باب تشميت العاطس، وجود إسناده العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (3/ 1201)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1345).

[12] انظر: ابن القيم، زاد المعاد (2/ 515)، الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م، الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض).

____________________________________________________
الكاتب: مشاري بن عبدالرحمن بن سعد العثمان