من دروس الهجرة ( جبر خاطر الأنصار)

منذ 2024-07-18

لا يمكن بحال من الأحوال أن نتحدث عن هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ويحضر الحديث وبقوة عن الأنصار رضوان الله تعالى عليهم..

أيها الإخوة الكرام:  لا يمكن بحال من الأحوال أن نتحدث عن هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ويحضر الحديث وبقوة عن الأنصار رضوان الله تعالى عليهم.. 

الأنصار:  هم المؤمنون الصادقون من أهل المدينة الذين أحسنوا استقبال الإسلام والمسلمين، هم الذين آووا ونصروا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ،  صدقوه حين كذبه الناس،  وآمنوا به حين كفر به الناس،  وواسوه بأموالهم حين منعه الناس.. 

 وفي مناقبهم أنزل الله هذه الآية: 
{﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَٰهَدُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَوا۟ وَّنَصَرُوٓا۟ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ } شهد الله عز وجل للأنصار من فوق سبع سموات بقوة الإيمان،  شهد لهم بحسن الأخلاق، شهد لهم بحسن النوايا ونقاء السرائر وحب الخير للناس ... 

قال الله تعالى {﴿ وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلْإِيمَٰنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُوا۟ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾}

أحب الأنصارُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بصدق،  وأخلصوا المحبة للمهاجرين،  حتى أنهم اقتسموا معهم الأموال والديار..
وإلى العام الخامس من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام كان المهاجرون يرثون من إخوانهم الأنصار كما يرث الوالد والولد، في بيان واضح العنوان أن أخوة الإيمان تعدل أخوة النسب وربما تزيد عليها.. 

لم يخذل الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام،  لم يتخلوا عنه أبداً،  لم يمنعوه من شيء أبداً  .. 

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثمانية وستين بعثاً يقاتل في سبيل الله،  معظمهم من الأنصار...

 خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ثمانية وعشرين غزوة معظم قوام هذه الغزوات من الأنصار،  قتل في سبيل الله عز وجل من المسلمين شهداء أغلبهم من الأنصار.. 

في يوم بدر قتل من المسلمين أربعة عشر شهيداً ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار... 

وفي يوم أحد قتل من المسلمين (سبعين) 
(أربعة) من المهاجرين و(واحد) من اليهود وكان قد أسلم و(خمسة وستون) شهيداً من الأنصار  .. 

وفي يوم مؤتة قتل من المسلمين اثنى عشر رجلاً أربعة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.. 

وفي يوم حنين قتل من المسلمين أربعة واحد منهم من الأنصار.. 

وفي يوم الطائف قتل من المسلمين اثنى عشر رجلاً منهم أربعة من الأنصار.. 

ما خرج الأنصار يومًا مع رسول الله في سفر أو في غزو إلا طمأنوه وقالوا بلسان الحال وبلسان المقال يا رسول الله ( قد آمنا بك وصدقناك،  وشهدنا أن ما جئت به هو الحق،  وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة  ،  فامض يا رسول الله لما أردت،  فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد،  وما نكره أن  تلقى بنا عدونا،  إنا لصُبُرٌ في الحرب،  صُدُقٌ عند اللقاء،  ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر يا رسول الله بنا على بركة الله.. 

لم يكن الأنصار يخشون نفقة في سبيل الله أو بذلاً للروح في سبيل الله ،  وإنما كانوا يخشون أمراً واحداً.. 

كانوا يخشون أن يظهر الإسلام،  ويشتد ساعد المسلمين، ويبسط رسول الله يديه على جزيرة العرب، فيصالح رسول الله قريشأ ويرجع إليهم وينسى الأنصار وأيام الأنصار،  هذا الذي كانوا يخافونه ويحذرون منه  ... 

وتمر الأيام وينتصر المسلمين على قريش بسواعد الأنصار في بدر وفي بداية أحد وفي الأحزاب وفي يوم الفتح ويوم حنين..
وتسلم قريش، ويبسط رسول الله يده على جزيرة العرب، ويسيطر الإسلام على مفاصل أم القرى ومن حولها، ويهزم رسول الله القاصي والداني، ويغنم رسول الله من هوازن وبني سعد يوم حنين غنائم لا حصر لها.. 

ويقف رسول الله ينادي على رجالات قريش فيعطي صفوان بن أمية واد من الإبل والبقر والغنم،  وينادي على أبي سفيان فيعطيه مائة من الإبل وجعل يعطي هنا وهناك، ويبسط  رسول الله يده في عطاء رجالات قريش،  من غير أن يعط الأنصار شيئاً،  وعندئذ تجددت المخاوف،  ويقع المحظور .. 

 قال أبو سعيد الخدري «لمَّا أصابَ رسولُ اللهِ الغنائمَ يَومَ حُنَينٍ ، وقسمَ للمُتألَّفينَ مِن قُرَيشٍ وسائرِ العربِ ما قسمَ ، ولَم يكُن في الأنصارِ شيءٌ مِنها ، قليلٌ ولا كثيرٌ ، وجدَ هذا الحَيُّ مِن الأنصارِ في أنفسِهِم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتَّى قال قائلُهُم : لَقيَ – واللهِ – رسولُ اللهِ قَومَهُ . فمشَى سعدُ بنُ عُبادةَ إلى رسولِ اللهِ فقالَ : يا رسولَ اللهِ إنَّ هذا الحَيَّ مِن الأنصارِ وَجدوا علَيكَ في أنفسِهِم ؟ قالَ : فيمَ ؟ قالَ : فيما كانَ مِن قَسمِكَ هذهِ الغنائمِ في قَومِكَ وفي سائرِ العربِ ، ولَم يكُن للأنصار مِن ذلكَ شيءٌ . قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ : فأينَ أنتَ مِن ذلكَ يا سعدُ ؟ قالَ : ما أنا إلَّا امرؤٌ مِن قَومي» .. 

هنا أدرك النبي صلى الله عليه وسلّم أن عليه أن يراضيهم،  وأن يجبر بخاطرهم،  وأن يُذهب الحزن عن نفوسهم.. 

فقالَ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ : يا سعد اجمَعْ لي قَومَكَ، فإذا اجتمَعوا فأعلِمني ، فخرجَ سعدُ فصرخَ فيهِم فجمعَهم، حتَّى إذا لَم يبقْ مِن الأنصارِ أحدٌ إلَّا اجتمعَ لهُ أتاهُ ، فقالَ : يا رسولَ اللهِ اجتمعَ لكَ هذا الحَيُّ مِن الأنصارِ حَيثُ أمرتَني أن أجمعَهُم . فخرجَ النبي عليه الصلاة والسلام ، فقامَ فيهِم خطيبًا ليطيب خاطرهم..

 فحمِدَ اللهَ وأثنَى علَيهِ بما هوَ أهلُهُ ، ثمَّ قالَ : يا معشرَ الأنصارِ ألَم آتِكُم ضُلَّالًا فهداكُم اللهُ ، وعالةً فأغناكُم اللهُ ، وأعداءً فألَّفَ اللهُ بينَ قلوبِكُم ؟ 
 قالوا : بلَى ! 
قالَ : ألا تجيبونَ يا معشرَ الأنصارِ ؟ 
قالوا : وما نقولُ يا رسولَ اللهِ وبماذا نُجيبُكَ ؟ المَنُّ للهِ ورسولِهِ.. 
قالَ : واللهِ لَو شِئتُم لقُلتُم فصدَقتُم وصُدِّقتُم : قولوا جئتَنا طريدًا فآوَيناكَ ، وعائلًا فآسَيناكَ ، وخائفًا فأمَّنَّاكَ ، ومَخذولًا فنصَرناكَ،  فقالوا : المَّنُ للهِ ورسولِهِ .. 
فقال صلى الله عليه وسلّم : «أوَجَدتُم في نُفوسِكُم يا مَعشرَ الأنصارِ في لُعاعَةٍ مِن الدُّنيا تألَّفتُ بِها قَومًا أسلَموا ، ووَكَلتُكُم إلى ما قسمَ اللهُ لكُم مِن الإسلامِ ! ! أفَلا تَرضَونَ يا مَعشرَ الأنصارِ أن يذهبَ النَّاسُ إلى رِحالِهِم بالشَّاءِ والبَعيرِ وتذهَبونَ أنتم برسولِ اللهِ إلى رِحالِكُم ؟ »
«وَالَّذي نَفسي بيدِهِ ، لَو أنَّ النَّاسَ سَلَكوا شِعبًا وسَلَكتِ الأنصارُ شِعبًا ، لسَلَكتُ شِعبَ الأنصارِ ، ولَولا الهجرةُ لكُنتُ امْرَأً مِن الأنصارِ . اللَّهمَّ ارحَمْ الأنصارَ ، وأبناءَ الأنصارِ ، وأبناءَ أبناءِ الأنصارِ .» فبكَى القَومُ حتَّى أخضَبوا لِحاهُم . وقالوا : رَضينا باللهِ رَبًّا ، ورسولِهِ قسمًا ، ثمَّ انصرفَ  وتفرَقوا قد جبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم خاطرهم.. 

أيها الإخوة الكرام:  هذا الذي سمعتموه،  إنما الغرض منه أن تعلموا أن من قيم الإسلام العظيمة جبر خواطر الناس،  وإدخال الفرح على قلوبهم،  والأنس على نفوسهم.. 

نسأل الله العظيم أن يقر أعيننا،  وأن يسعد نفوسنا بنصرة الإسلام والمسلمين إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير

الخطبة الثانية 
بقي لنا أن نقول:  إن من دلائل المروءة ومن كمال العقل والدين أن نعرف الفضل لأهل الفضل.. 

وأن من أسدى إلينا معروفاً،  أو نصح لنا في يوم من الأيام بنصيحة،  أن نعرف ذلك ،  فلا نجحد معروف والد، ولا معلم، ولا نتنكر لجميل جار ولا صديق ولا حبيب قال النبي عليه الصلاة والسلام  [ من أسدى إليكم معروفاً فكافؤه،  فإن لم تجدوا فادعو له] 
لو أتينا فأسقطنا هذا الحديث على الأنصار سنرى أن رسول الله كافئهم على ما قدموه للإسلام والمسلمين فأحبهم وأمرنا بحبهم..  حتى جعل رسول الله أن حب الأنصار علامة الإيمان فقال عليه الصلاة والسلام في الأنْصارِ: لا يُحِبُّهُمْ إلَّا مُؤْمِنٌ، ولا يُبْغِضُهُمْ إلَّا مُنافِق..

وعن يزيد بن جارية أنه كان جالسا في نفر من الأنصار فمر عليهم معاوية فسألهم عن حديثهم ، فقالوا : كنا في حديث من حديث الأنصار ، فقال معاوية : أفلا أزيدكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أحب الأنصار أحبه الله ، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله .. 

الأنصار  : كافئهم رسول الله على ما قدموه للإسلام والمسلمين فأوصى المسلمين أن يحسنوا إلى الأنصار عن ابن عباس قال : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على المنبر عليه ملحفة متوشحا بها عاصبا رأسه بعصابة دسماء ، قال : فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس تكثرون ويقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام ، فمن ولي من أمرهم شيئا فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم .. 

ثم إن كتب السنن حفلت بدعوات النبي صلى اله عليه وسلم للأنصار وأولادهم وأحفادهم قال النبي عليه الصلاة والسلام «اللهم صل على الأنصار وعلى ذرية الأنصار وعلى ذرية ذرية الأنصار » 
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال «.. « ثم رفع رسول الله يديه حتى أني لأرى بياض إبطيه ما تحت منكبيه فقال : اللهم ، اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار» .. 

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحبب إلينا الإيمان وأن يزينه في قلوبنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير..

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.