دلالات التحالف الصوفي ـ العلماني

منذ 2012-01-17

الصوفية.. لم أندهش للحظة من التحالف الصوفي العلماني الذي بدأ يتشكل في مصر مؤخرا في مواجهة التيار السلفي وبقية التيارات الإسلامية بعد جمعة الإرادة الشعبية ووحدة الصف التي احتشد فيها عدة ملايين ...


الصوفية.. لم أندهش للحظة من التحالف الصوفي العلماني الذي بدأ يتشكل في مصر مؤخرا في مواجهة التيار السلفي وبقية التيارات الإسلامية بعد جمعة الإرادة الشعبية ووحدة الصف التي احتشد فيها عدة ملايين وأظهرت بما لا يدع مجالا للشك القوة الشعبية للإسلاميين في البلاد وتأثيرهم الضخم, كما أكدت أن التيار السلفي على وجه الخصوص كان من أكثر التيارات التي تعرضت للقمع والاضطهاد والتهميش في عهد النظام السابق الذي منع مجرد ذكر اسمه في الإعلام وكان إذا أراد الإشارة إليه سماه "المتطرف" أو "الإرهابي" وأصبحت اللحية والنقاب أدوات للسخرية من أصحابها في الإعلام والأعمال الفنية, واستغل النظام في ذلك بعض التيارات الإسلامية المختلفة مع السلفيين وكثير من الكتاب والمثقفين اليساريين تحديدا والذين يعادون الدين بشكل عام..

قد يبدو للبعض أن هذا التحالف بين العلمانيين والصوفية غير منطقي لاعتبارات كثيرة؛ ولكن في الحقيقة أن ما يجمعهم لا يخفى على أحد رغم بعض التناقضات التي تثير الريبة أحيانا؛ فمثلا هناك أمر شديد الوضوح على الساحة الثقافية, وهو أن كثيرا من العلمانيين إذا أرادوا التوبة والرجوع إلى الله في أواخر حياتهم يتجهون إلى التصوف, وذلك لأسباب عديدة من أهمها: إن التصوف قاصر على مجموعة من الأذكار والأوراد التي تعطي لأصحابها نوعا من الراحة والهدوء دون الاهتمام الحقيقي ببقية التكاليف الشرعية من أوامر ونواهي, كما أنه يعزل الدين تماما عن واقع الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهو ما يريده العلمانيون ويصب في أهم مرتكزات عقيدتهم التي يعادون بسببها التيارات الإسلامية السنية..
العلمانيون نظروا لبعضهم بعضا بعد الثورة فوجدوا شعبيتهم محدودة, وجلسوا معا بعد جمعة الإرادة الشعبية فوجدوا أن جماعة الإخوان ليست الخطر الوحيد كما كانوا يظنون بل هناك أيضا السلفيين؛ فبحثوا عن ألد أعدائهم فلم يجدوا سوى الصوفية, ورغم أن الصوفية لا تشارك في الحياة السياسية بشكل مباشر وتوالي جميع الأنظمة المستبدة وغير المستبدة ولا تفرق بين ذلك ولا تهتم, إلا أن الإعلام المأجور والمعادي للإسلاميين قام بحملة تحريضية مفادها أن التيارات السلفية تخطط لنسف وتفجير جميع المقابر والأضرحة والمزارات الصوفية في مصر, وهو ما استفز بعض الطرق الصوفية وألقاها في أحضان العلمانيين الذين يحتاجون لمسحة دينية أمام الشعب تزيد من أسهمهم قبل الانتخابات القادمة..

المجلس الأعلى الصوفي الذي يضم مختلف الطرق وجد حملة شديدة من عدة تيارات إسلامية ووطنية أدانت محاولات قفز بعض الاتجهات الليبرالية على الصوفية للاستفادة منهم, كما حذرت من حجم الشقاق الذي سيصيب المد الثوري في البلاد وتأثير ذلك على الاستقرار المطلوب في المرحلة القادمة؛ لذا فضل المجلس أن ينأى بنفسه عن هذا التحالف لكن بعض الطرق أصرت على الاستمرار..

العجيب في ذلك أن كثيرا من العلمانيين ينتقدون التدين بصفة عامة ويعتبرونه نوعا من "الدروشة" كما أنهم دائما ما ينتقدون "الخزعبلات" وما يسمى بـ "صكوك الغفران" وهو أمر ينتشر بقوة بين الصوفية, كما يسعى هؤلاء العلمانيون لتحكيم عقولهم في كل أمر حتى الأمور الغيبية وهو ما يتنافى مع كثير من عقائد الصوفية التي تركز على المنامات والأحلام والأساطير التي تبثها عن "أوليائها", ورغم كل ذلك اتحدوا معهم من أجل الإطاحة بالسلفيين والتيارات الإسلامية الأخرى في وقت كانوا يلومون بعض الأحزاب على تحالفها مع جماعة الإخوان لوجود اختلافات جوهرية في المنهج, كما شنت بعض الاتجاهات العلمانية حملة على الإسلاميين بدعوى أنهم لم يشاركوا في الثورة من بدايتها وأنهم يريدون سرقتها الآن, فما بالكم بمن لم يشارك أصلا وكان دائما في ذيل نظام مبارك مثل الصوفية..

إن العلمانيين يتخبطون بشدة منذ الاستفتاء على التعديلات الدستورية ويسعون بشتى الطرق للشارع ولكن بأساليب مزيفة يغلب عليها الانتهازية وهو ما سيؤدي لكارثة إلا إذا تحرك بعض العقلاء منهم وانصاعوا لما يريده الشعب حتى لا تعود البلاد إلى استبداد جديد.

خالد مصطفى | 13/9/1432 هـ
 

المصدر: موقع المسلم