يا تارك الصلاة، صلّ قبل أن يُصلى عليك (3)
ترك الصلاة هدم لركن من أهم أركان الإسلام، وهو من المعاصي العظيمة، ومن أكبر الكبائر، وذمّ الله سبحانه وتعالى من أضاعها، أو تهاون بها، وتوعّده بأشد العقوبات
كتب الأستاذ : زهير رزق الله
عقوبات تارك الصلاة الثابتة في الكتاب والسنة
أبوعبد الرحمان زهير رزق الله
الحمد لله الهادي من استهداه، الواقِي من اتَّقاه، الكافِي من تحرَّى رِضاه، حمدًا بالِغًا أمدَ التمام ومُنتهاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجُو بها الفوز والنجاة، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه ونبيُّه وصفيُّه ونجِيُّه ووليُّه ورضِيُّه ومُجتباه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ ما رجَا راجٍ عفوَ ربِّه ورُحماه
ترك الصلاة هدم لركن من أهم أركان الإسلام، وهو من المعاصي العظيمة، ومن أكبر الكبائر، وذمّ الله سبحانه وتعالى من أضاعها، أو تهاون بها، وتوعّده بأشد العقوبات، وذهبت طائفة من العلماء للتشكيك في صحة إيمانه، وقد جاء في القرآن الكريم، وفي السّنّة المطهرة، التحذير الشديد من إضاعتها، أو التهاون في أدائها، فلا تجعل الدنيا تشغلك وتلهيك، وتحرمك من جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، ومن ضيع صلاته فقد ضيع نفسه، فهو الخاسر، ولن يبقى له غدا إلا الندم والحسرة {﴿ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ﴾} [1]
عقوبات تارك الصلاة في الدنيا
1 - من عقوبات تارك الصلاة في الدنيا كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «أنها تنسي العبد نفسه،: فإذا نسي نفسه، أهملها، وأفسدها...ومن عقوباتها: أنها تزيل النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فإن نعم الله ما حفظ موجودها بمثل طاعته، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته»[2] «ومن عقوباتها أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة، وبالجملة أنها تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق»[3]
2 - يحبط عمله فقد جاء الوعيد الشديد لمن يترك صلاة العصر متعمداً من غير عذر حتى يخرج وقتها ، لحديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ ««مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ مُتَعَمِّدًا ، حَتَّى تَفُوتَهُ ، فَقَدْ أُحْبِطَ عَمَلُهُ»» [4] جاء في شرح الحديث: ««مَن تَرَكَ صَلاةَ العَصرِ فتَعَمَّدَ تأخيرَها عن وَقتِها، لِغَيرِ عُذرٍ؛ فقد حَبِطَ عَمَلُه، وبَطَلَ أجْرُه، وضاعَ ثَوابُه؛ فلا يَكونُ له أجْرٌ ولا ثَوابٌ»» [5] فإذا كان ترك صلاة العصر يحبط العمل، فتارك الصلاة بالكلية، الذي لا يصلي أصلا، أشد عقوبة، وأولى أن يحبط عمله. قال ابن القيم: «ولأن قبول سائر الأعمال موقوف على فعلها (الصلاة) فلا يقبل الله من تاركها صوما ولا حجا ولا صدقة، ولا شيئا من الأعمال، قال عون بن عبد الله: إن العبد إذا دخل قبره سئل عن صلاته أول شيء يسأل عنه، فإن جازت له نظر فيما سوى ذلك من عمله، وإن لم تجز لم ينظر في شيء من عمله بعد» [6]
3 - لا يقبل دعاؤه فالمعاصي من موانع إجابة الدعاء. وقد جاءت النصوص تبين ذلك، فلا يقبل الله دعاء آكل الحرام كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ ««ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ»» [7] ولا يقبل الله الدعاء حال ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في حديث حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: ««والَّذي نفسي بيدِه لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتنهَوُنَّ عن المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللهُ أن يبعثُ عليكم عذابًا منه ثمَّ تدعونه فلا يستجيبُ لكم» »[8] فإذا كان أكل الحرام، والظلم، والذنوب، والغفلة، والشهوة واللهو، تمنع إجابة الدعاء كما ثبت ذلك في النصوص الصحيحة، فتارك الصلاة أولى ولا شك بهذه العقوبة، و تارك الصلاة غافل قلبه، لاه بالدنيا وشهواتها وقد قال النبي ﷺ: ««..وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ»» [9]
4 - يتبرأ الله منه لحديث أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: ««أَوْصَانِي خَلِيلِي ﷺ أَنْ: لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلَا تَشْرَبِ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ»» [10] قال الفيومي: «تفسر الذمة بالعهد، وبالأمان، وبالضمان»[11] أي تارك الصلاة ليس له عهد ولا أمان عند الله.
5 - إساءة الظن به وبدينه لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ»» [12] قال ابن رجب: «وقد دلَّ هذا الحديث على أنَّ الدَّم لا يُعصَم بمجرَّد الشهادتين، حتى يقوم بحقوقهما، وآكد حقوقهما الصَّلاة؛ فلذلك خصَّها بالذِّكر»[13]
وعَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ««صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِىِّ ﷺ الْفَجْرَ بِمِنًى، فَجَاءَ رَجُلاَنِ حَتَّى وَقَفَا عَلَى رَوَاحِلِهِمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا النَّبِىُّ ﷺ فَجِىءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَ النَّاسِ؟ أَلَسْتُمَا مُسْلِمَيْنِ؟ قَالاَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا صَلَّيْنَا فِى رِحَالِنَا. فَقَالَ لَهُمَا:" إِذَا صَلَّيْتُمَا فِى رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا الإِمَامَ فَصَلِّيَا مَعَهُ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَة»» [14]
6 - الشك في إيمانه لقوله تعالى: {﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾} [15] فنفى الله سبحانه الإيمان عن الذي يستكبر فلا يسجد له ولا يصلي، وقال الله تعالى: {﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾} [16] فاشترط الله على هؤلاء الذين أضاعوا الصلاة، أن يتوبوا، ويعودوا لصلاتهم، لينجوا من الغي، ومن عذابه سبحانه وتعالى.
- قال الإمام القرطبي : « إلا من تاب : أي من تضييع الصلاة واتباع الشهوات فرجع إلى طاعة ربه و آمن به وعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة »[17]
7 - نفي أخوة الإسلام عنه لقوله تعالى {﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾} [18] قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «فعلق أخوة المؤمنين بفعل الصلاة: فإذا لم يفعلوا، لم يكونوا إخوة للمؤمنين، فلا يكونوا مؤمنين، لقوله تعالى: إنما المؤمنون إخوة»[19]
8 - يأخذه الله سبحانه بالتدرج، فكلما أذنب زاده الله من نعمه وأنساه التوبة، فيدنيه من العذاب قليلا قليلا، ثم يصبه عليه صبا فلا ينجو. فانتبه ولا تغتر بما ترى من نعم الله عليك في الدنيا، وأنت تارك للصلاة، ولا تظنن أن ذلك من محبة الله لك، فتكون مغرورا، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : ««إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا، عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّهُ اسْتِدْرَاجٌ ثُمَّ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿فَلَمّا نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ فَتَحنا عَلَيهِم أَبوابَ كُلِّ شَيءٍ حَتّى إِذا فَرِحوا بِما أوتوا أَخَذناهُم بَغتَةً فَإِذا هُم مُبلِسونَ﴾» [20]
فلا تحسبن أن السعادة تكون في الانغماس في الملذات والشهوات، فليس مقياس السعادة التنعم في الدنيا وترك ما أمر الله به، ماذا لو زال عنك كل ذلك في طرفة عين بسبب الموت؟ وبماذا يا ترى تجيب مولاك إذا سألك لماذا لم تصل؟ وأنا أعطيتك الصحة، وأعطيتك المال، ويسرت لك العمل، والرزق...؟ ألا تعلم أن الموت آتٍ وأن كل آتٍ قريب، وكما يقال في المثل: «جاك الموت يا تارك الصلاة»
9 - المعيشة الضنك وسوء الخاتمة فتارك الصلاة مُعرِض عن ذكر الله، قال تعالى { ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾} [21] قال الإمام القرطبي: «وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله: فاسعوا إلى ذكر الله»[22] وقد توعد الله من أعرض عن ذكره بضيق العيش، ثم أن يحشر يوم القيامة أعمى والعياذ بالله. قال تعالى {﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾} [23] قال الحافظ ابن كثير : «ومن أعرض عن ذكري أي : خالف أمري ، وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه»[24] وقال السعدي: «معيشة ضنكا: أي فإن جزاءه، أن نجعل معيشته ضيقة مشقة، ولا يكون ذلك إلا عذابا» [25]
عقوبات تارك الصلاة في الآخرة
10 - الخسارة والندامة لتارك الصلاة لأن قبول الأعمال متوقف على الصلاة : لحديث أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ : « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبدُ يَومَ القِيَامَةِ مِن عَمَلِهِ صَلاتُهُ، فَإِن صَلَحَت فَقَد أَفلَحَ وَأَنجَحَ، وَإِن فَسَدَت فَقَد خَابَ وَخَسِرَ» [26] قال يحيى بن سعيد : « بلَغَنِي أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ العَبْدِ الصَّلاَةُ، فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ، نُظِرَ فيما بقي من عمله، وإن لم تقبل منه، لم ينظر في شيء من عمله»[27] وقال علي القارئ : « وَإِنْ فَسَدَتْ : بِأَنْ لَمْ تُؤَدَّ، أَوْ أُدِّيَتْ غَيْرَ صَحِيحَةٍ، أَوْ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ، فَقَدْ خَابَ : بِحِرْمَانِ الْمَثُوبَةِ، وَخَسِرَ: بِوُقُوعِ الْعُقُوبَةِ»[28]
11 - لا يستطيع السجود في الآخرة إذا أمر بذلك قال الله تعالى: { ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾} [29]
12 - الويل للمتهاونين بالصلاة قال الله تعالى: {﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾} [30] أي: غافلون عنها متهاونون بها، فسماهم مصلين لكنهم لما تهاونوا وأخروها عن وقتها وعدهم الويل.
- قال الإمام الذهبي : « الويل : قيل هو شدة العذاب، وقيل هو وادٍ في جهنم لو سُيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حرّه، وهو مسكن من يتهاون بالصلاة ويؤخرها عن وقتها إلا أن يتوب إلى الله تعالى ويندم على ما فرّط » [31] فإذا كان هذا حال من تساهل فيها، فما حال من ضيعها وتركها بالكلية؟
13 - الغي عقاب إضاعة الصلاة فبعد أن مدح الله سبحانه الأنبياء عليهم السلام والصالحين، لإطاعتهم ربهم، وأدائهم لفرائضه في سورة مريم، قال تعالى: {﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾} [32] قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : « فسوف يلقون غيا : واد في جهنم ، بعيد القعر ، خبيث الطعم» [33] وقال الإمام القرطبي : «والأظهر أن الغي اسم للوادي، سمي به لأن الغاوين يصيرون إليه» [34] وقال الحافظ ابن كثير : « إِلَّا مَن تَابَ... أي : إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات ، فإن الله يقبل توبته، ويحسن عاقبته، ويجعله من ورثة جنة النعيم»[35]
تأخير الصلاة عن وقتها إضاعة لها قال تعالى: {﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾} [36] قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية ولكن أخروها عن أوقاتها» [37]
- قال كعب الأحبار : « والله إني لأجد صفة المنافقين في كتاب الله عز وجل : شرابين للقهوات تراكين للصلوات ، لعابين بالكعبات ، رقادين عن العتمات ، مفرطين في الغدوات ، تراكين للجمعات قال : ثم تلا هذه الآية : فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا » [38]
وهذا حال كثير من الناس اليوم، والله المستعان.
14 - عقاب الذي يتعمد النوم عن الصلاة مخيف ؛ فالذي يسمع الأذان ولا يقوم للصلاة، عقابه أليم: كما في حديث الإسراء والمعراج ؛ فعن سمرة بن جندب قال قال رسول الله ﷺ : «« أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُن فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى، قَالَ قُلْتُ لَهُمَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ...إِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة»» [39]
- قال الحافظ ابن حجر : « وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ : فَمَرَرْتُ عَلَى مَلَكٍ وَأَمَامَهُ آدَمِيٌّ وَبِيَدِ الْمَلَكِ صَخْرَةٌ يَضْرِبُ بِهَا هَامَةَ الْآدَمِيِّ » [40] فالذي يتعمد النوم عن الصلاة المكتوبة يعاقب، بأن يهوى عليه ملك بصخره فيُشدخ (يكسر) رأسه، ولا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، هذا عذابه في القبر إلى قيام الساعة.
15 - غضب الله ومقتُه على تارك الصلاة لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ : « « مَن تركَ الصَّلاةَ لقِيَ اللهَ وهو عليهِ غضبانُ» »[41] قال الطيبي : « ترك الفريضة أو تفويتها بلا عذر كبيرة، فإن لازم تركها ومات على ذلك، فهو من الأشقياء الخاسرين إلا أن يدركه عفو الله » [42]
16 - الحشر مع المجرمين في سقر فيوم يكون أهل الجنة في جناتهم يتنعمون، ويسألون أهل النار عن سبب دخولهم سقر، يأتيهم الجواب كما ذكره الله تعالى في القرآن الكريم: {﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾} [43]
17 - الحشر يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف، والعذاب معهم لأنه مثلهم، والدليل حديث عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا عَنِ النَّبيِّ ﷺ: أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاةَ يَومًا فَقَالَ: « « مَن حَافَظَ عَلَيهَا كَانَت لَهُ نُورًا وَبُرهَانًا وَنَجَاةً يَومَ القِيَامَةِ، وَمَن لم يُحَافِظٍ عَلَيهَا لم يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلا بُرهَانٌ وَلا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَومَ القِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرعَونَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بنِ خَلَف »» [44] نقل الإمام الذهبي قول بعض العلماء رحمهم الله تعالى: «وإنما يحشر تارك الصلاة مع هؤلاء الأربعة لأنه إنما يشتغل عن الصلاة بماله، أو بملكه، أو بوزارته، أو بتجارته، فإن اشتغل بماله حشر مع قارون، وإن اشتغل بملكه حشر مع فرعون، وإن اشتغل بوزارته حشر مع هامان، وإن اشتغل بتجارته حشر مع أبي بن خلف تاجر الكفار بمكة» [45]
فيا تارك الصلاة؛ آن لك أن تحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وأن تصلي قبل أن يصلى عليك، واعلم أن من العلماء من يقول أن تارك الصلاة لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين[46] ؛ وإياك أن تكون من الذين يقبض الله أرواحهم وهو عليهم غضبان، فتندم وتقول يا رب أرجعني إلى الدنيا وسأتوب، وسأصلي، ... فيقال لك: كلا... فات الأوان، انتهى وقتك؛ {﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾} [47]
والحمد لله رب العالمين.
[1] - سورة طه 125 و126
[2] - الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ابن قيم الجوزية ص 143
[3] - كتاب الداء والدواء ابن القيم الجوزية ص 199
[5] - الدرر السنية شرح الحديث 84230.
[6] - كتاب الصلاة وحكم تاركها لابن قيم الجوزية ص 9.
[7] - رَوَاهُ مُسْلِمٌ 1015
[8] - رواه الترمذي وحسنه 2169
[9] - رواه الترمذي 3479 والحاكم 1817 وغيرهما
[10] - رواه ابن ماجة 4034 وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة 3275.
[11] - المصباح المنير 1 241/1
[13] - فتح الباري لابن رجب كتاب الصلاة باب فضل استقبال القبلة 283/2
[14] - رواه أبو داود 575، والترمذي 219، والنسائي 2/112 والطبراني في المعجم الأوسط: 8/284، والبيهقي في السنن الكبرى للبيهقي 3787وغيرهم
[15] - سورة السجدة الآية 1
[16] - سورة مريم الآيتين 59و60
[17] - تفسير القرطبي سورة مريم الآية 60
[18] - سورة التوبة: الآية 11
[19] - سورة الحجرات الآية 10: كتاب الصلاة وأحكام تاركها لابن قيم الجوزية ص 14.
[20] - سورة الانعام الآية 44 رواه الإمام أحمد 17311 والألباني فى الصحيحة 423
[21] - سورة طه الآية 14
[22] - تفسير القرطبي سورة طه الآية 14
[23] - سورة طه الآية 124
[24] - تفسير ابن كثير طه 124
[25] - تفسير السعدي طه 124
[26] - سبق تخريجه ص
[27] - سبق تخريجه ص: اول ما يحاسب
[28] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 3/889
[29] - سورة القلم الآيتين42 و 43
[30] - سورة الماعون الآيتين 4 و 5
[31] - كتاب الكبائر للإمام الذهبي: ترك الصلاة ص 16
[32] - سورة مريم الآيتين 59-60
[33] - تفسير ابن كثير سورة مريم الآيتين 59-60
[34] - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي84
[35] - تفسير ابن كثير: سورة مريم الآية 59
[36] - سورة مريم الآية 59
[37] - كتاب الكبائر لذهبي في ترك الصلاة ص 16
[38] - سبق تخريجه وشرحه، انظر ص
[39] - رواه البخاري 7047 و 1386 ومسلم، وأحمد 20106
[40] - فتح الباري شرح صحيح البخاري 457/12
[41] - سبق تخريجه ص
[42] - فيض القدير شرح الجامع الصغير: المناوي شرح الحديث 8585
[43] - سورة المدثر الآيات 38 إلى43
[44] - رواه أحمد في المسند: 6576، وصحيح ابن حبان: 1467 سبق تخريجه ص
[45] - كتاب الكبائر للحافظ شمس الدين الذهبي ص 19
[46] - ذهب أكثر أهل العلم أن تارك الصلاة تهاونا يصلى عليه: قال ابن قدامه في المغني ج2 ص157: « لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين» وقالت طائفة من أهل العلم : لا يصلى عليه: قال الشيخ محمد صالح العثيمين «نعم الصلاة على العصاة جائزة، بل هم أحق من غيرهم؛ لأن الصلاة على الميت شفاعة له...وأما تارك الصلاة؛ فالقول الراجح من أقوال أهل العلم أنه كافر مرتد خارج عن الملة، ولا يجوز أن يصلي عليه أحد من المسلمين، وهو أعلم بحاله؛ لأن الله تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وسلم في المنافقين ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾. ولأن الصلاة على الميت دعاء واستغفار له وقد قال الله عز وجل: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ سورة التوبة الآية 113 فتاوى نور على الدرب الشريط 255.
[47] - سورة المؤمنون الآيتين 99 و100
- التصنيف: