يا تارك الصلاة صلّ قبل أن يُصلى عليك (4)

منذ 4 ساعات

وإنه ليحزنني كثرة المتهاونين بالصلاة، والتاركين لها، وأعجب من الأعذار الواهية، والحجج البالية التي يجيبون بها

 

أبو عبد الرحمان زهير رزق الله

احذر مداخل الشيطان للصد عن الصلاة

الحمد لله الهادي من استهداه، الواقِي من اتَّقاه، الكافِي من تحرَّى رِضاه، حمدًا بالِغًا أمدَ التمام ومُنتهاه، 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجُوبها الفوز والنجاة، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا 

عبدُه ورسولُه ونبيُّه وصفيُّه ونجِيُّه ووليُّه ورضِيُّه ومُجتباه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ ما رجَا راجٍ عفوَ ربِّه ورُحماه،

اعلم يا مؤمن، أن الشيطان عدو لنا، وأنه يسعى لغوايتنا، ولإضلالنا، وصدنا عن ذكر الله وعن الصلاة،

قال الله تعالى: {﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾} [1] قال الإمام البغوي رحمه الله: «أي لا تسلكوا الطُّرُقَ التي يدعوكم إليها الشيطان، فإنه يُورِدُكُم موارِدَ العَطَبِ» [2] فعلينا أن نتفطن له حتى لا نقع في مصايده،

وإنه ليحزنني كثرة المتهاونين بالصلاة، والتاركين لها، وأعجب من الأعذار الواهية، والحجج البالية التي يجيبون بها، كلما سألت أحدهم عن سبب تضييعه للصلاة، فهذا يقول لك: أنا أعمل ألا تدري أن العمل عبادة؟ وهذا يقول: المهم القلب وليس الصلاة، وقائل: لن يدخل أحد الجنة بعمله، تصلي أو لا تصلي، وقائل: ما زلت صغيرا. وسأصلي عندما أترك المعاصي، وأخاف أن أبدأ الصلاة ثم أتوقف عنها...

ماذا حل بنا؟ ألهذا الحد وصلنا؟ ألهذا الحد هانت علينا أنفسنا؟ ألهذا الحد استحوذ علينا الشيطان؟

فإلى متى تأبى الصلاة وتهجرها، ألا تخشى أن تنام فلا تستيقظ، أو أن يأتيك الموت بغتة؟ فبأي وجه تلقى الله؟ وماذا ستقول له؟

كلُّ ابنِ أُنْثى وإنْ طالَتْ سَلامَتُهُ   يوماً على آلَةٍ حَدْباءَ مَحْمولُ [3]

وحتما سيدركك يوما هادم اللذات ومفرق الجماعات، وسيسأل عنك: أين فلان؟ ألم تره؟ فيقال: أما دريت، لقد توفي منذ كذا وكذا ... فإياك ثم إياك أن تقول:

1 - العمل عبادة...أنا مشغول كثيرا...ليس عندي وقت الآن ...: الجواب: نعم على المؤمن أن يعمل، ويجتهد، ويتخذ كل الأسباب، لكسب رزقه، والنجاح في عمله، لكن لا ينسى أن الله هو الرزاق، فقد أمرنا الله أن نعبده ووعدنا أن يرزقنا، قال تعالى: { ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [4] ونهانا سبحانه أن نغتر بالدنيا، حتى تنسينا حق الله علينا:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُور﴾} [5]

وحذرنا النبي عبادة المال: ««تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ...»» [6] وتعال معي نحسب: لو أن كل صلاة تأخذ منك (5) خمس دقائق، فالصلوات الخمس لا تتعدى نصف ساعة كامل اليوم، أليس بخيلا هذا الذي يبخل على نفسه، أن يجعل لربه وخالقه نصف ساعة في اليوم؟ أما الذي يقول أن العمل عبادة فليس هذا قرآنا ولا حديثا نبويا، لو كان عملك هذا عبادة لدرجة أنه يشغلك أن تعطي ربك خمس دقائق، فأنت غارق في العبادة: عبادة الدنيا، عبادة الشيطان، عبادة المال؛

لماذا أهمل كثير من الناس الصلاة وعدوها عبئا ثقيلا عليهم وإذا ما ذكرهم أحد بها التمسوا لأنفسهم ألف عذر وعذرا، وتأولوا وأوجدوا لأنفسهم كل المخارج، لماذا يغضب أحدهم عندما يسمع من يقول أن تارك الصلاة كافر، مع أنه يبخل أن يعطي من خلقه، ورزقه، وأعطاه، ونعمه خمس دقائق من وقته.

2 - لن يدخل أحد الجنة بعمله، تصلي أو لا تصلي...: الجواب: قد يقولها لك بعضهم، للدفاع عن تارك الصلاة، وهذه طريقة أعداء الدين، لصد الناس، وإبعادهم عن الصلاة، وإليك الشرح: نعم ثبت هذا الحديث ونصه: ««لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ، قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لا، وَلا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ»» [7] وهذا الحديث يفيد عدم الاغترار بالأعمال، والاعتماد عليها والرُّكونِ إليها، والطمع في عفوِ الله ورحمته، كما قال أهل العلم، وهو لا يتعارض مع الآيات الدالة على دخول الجنة بالأعمال: قال الإمام النووي رحمه الله: «وأما قوله تعالى {﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾} [8] و {﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾} [9] ونحوهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يُدخَل بها الجنة، فلا يُعارِض هذه الأحاديثَ، بل معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال، والهداية للإخلاص فيها، وقَبُولها برحمة الله تعالى وفضله» [10] وقال ابن باز رحمه الله : « والحديث يبين أن دخولهم الجنة ليس بمجرد العمل، بل لا بد من عفو الله ورحمته سبحانه وتعالى، فهم دخلوها بأسباب أعمالهم، ولكن الذي أوجب ذلك رحمته سبحانه، وعفوه ومغفرته» [11]

3 - المهم القلب.. صحيح أنا لا أصلي ولكني لا أكذب ولا أخادع، فلن أكون كالذين يصلون ويعصون، يصلون ولا أخلاق لهم؟ الجواب: هذا من مداخل الشيطان، وليس هذا سببا يجيز لك ترك الصلاة، فهؤلاء ليسوا قدوة لنا، ولا مثلا؛ صحيح أن من أعظم المشكلات التي يعاني منها المسلمين في هذا الزمن، أن العبادات أصبحت تؤدى عند بعض الناس شكلية، لا آثار لها في القلوب ولا في النفوس، وأن الصلاة الصحيحة، هي الصلاة التي تثمر ثمرتها التي ذكرها الله تعالى في قوله { ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾} [12]

وقد جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ فقالَ: « «إنَّ فلانًا يصلِّي باللَّيلِ، فإذا أصبحَ سرقَ قالَ: إنَّهُ سيَنهاهُ ما يقولُ» وفي رواية قال: «ستمنعه صلاته»» [13]

فمن زعم أن قلبه عامرا بالإيمان، أو أن قلبه نظيف، وهو تارك للصلاة، فهو يكذب نفسه، فقد أجمع علماء الإسلام أن الإيمان بالقلب دون عمل لا يكفي؛ قال الإمام أحمد ابن حَنْبَل رحمه الله: «الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وإذا عملت الحسن زاد، وإذا ضيعت نقص، والإيمان لا يكون إلا بعمل» [14]

فمن كان قلبه عامرا بالإيمان حقا، لا بد أن يظهر ذلك في عمله؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «من الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح» [15] 

وهل خلق الله سبحانه الموت والحياة إلا ليمتحن الناس في أعمالهم؛ { ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ } [16]

ثم عليك أن تكون منصفا، وتسأل نفسك؛ هؤلاء المصلون المقصرون، هل أنت المسؤول عن أعمالهم؟ اعلم أنك ستحشر وحدك، وستحاسب وحدك، قال الله تعالى: {﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾} [17] وهل سترمي نفسك في النار، إذا رموا أنفسهم في النار؟ وإذا كان الكذب والسرقة والغش والخيانة والزنا من كبائر الذنوب، فإن ترك الصلاة أعظم ذنبا وأكبر وزرا عند الله، من فعل هذه المعاصي، لأن الصلاة هي ما يميزنا عن غير المسلمين، قال : ««إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ» » [18] فهل تلوم الذي يكذب والذي يسرق، ولا تلوم نفسك على ترك الصلاة، فلا تنه عن خلق وتأتي مثله، ابدأ بنفسك، صل، أعن نفسك والزمها بالصلاة، لا تتركها تقودك للتهلكة، ولا تترك الشيطان يحتال عليك، ويبرر لك أعظم معصية بعد الشرك، وهي تركك للصلاة.

 وأما من رأيته يصل ويعص، فعليك أن تنصحه وأن تبين له، فان لم يستجب فقد أديت ما عليك أمام الله، ولكن إياك أن تفعل مثله، وإياك ثم إياك ان تحتج به لتترك الصلاة.

4 - سأصلي عندما أترك المعاصي، عندي أخطاء كثيرة وذنوب... سأصلي عندما أترك المعاصي، فمن النفاق أن أصلي وأعصي الله. في نفس الوقت...: الجواب: إن الله تعالى يقول: { ﴿إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾} [19] و { ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾} [20]  إن الصلاة هي التي ستعينك وتعطيك القوة الكافية لترك المنكرات، فيجب القيام بها لترك الذنوب وليس العكس، فلا تقل الصلاة تأتي بعد ترك المعاصي.

والله تعالى يقول: { ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ } [21] فالصلاة هي التي تمحو الذنوب والخطايا. والنبي يقول: ««أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِه شَيْءٌ»» [22] فإذا كانت الصلاة هي التي تمحو الذنوب والخطايا فهل من المعقول القول: أنا لا أصلي حتى أدع الذنوب، فمثل الذي يقول هذا: كمثل الذي يقول: أنا لا اغتسل لأنني متسخ، كثير الوسخ، هذا الكلام لا يقبله العقل، ترك الصلاة في ذاته معصية عظيمة أعظم من هذه الأخطاء الأخرى التي صعب عليك تركها.

5 - أخاف أن أبدأ الصلاة ثم أتوقف عنها، لأن الذي يصلي ثم يتوقف ذنبه أعظم من الذي لا يصلي..: الجواب: كيف يمكن أن يكون الذي يطيع الله والذي يجتهد ليطيع ربه، كالذي لا يعبد ربه ولا يجتهد ليعبد ربه، أبدا لا تصدق، والدليل قوله تعالى: {﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾} [23]  فلا تصدق هذه الحيلة الشيطانية: أن الذي يصلي ثم يتوقف، كالذي لا يصلي، أو أعظم منه ذنبا. ماذا نفعل لو أن رضيعا بدأ يتعلم المشي، هل نمنعه، هل نقول له توقف عن المشي ستسقط؛ لا أبدا، بل علينا أن نشجعه، فمن الحمق أن نمنع الرضيع المشي لأننا نخاف عليه أن يسقط مرة أخرى، كما هو حمق ألا تصلي لأنك تخاف أن تتوقف عن الصلاة.

وقد ذهبت طائفة من العلماء إلى الحكم بالكفر على تارك الصلاة تركا كليا، أي الذي لا يصلي أبدا، وعدم تكفير من تركها أحيانا تكاسلًا مع اعترافه بتقصيره وذنبه؛ قال الشيخ العثيمين رحمه الله: «تارك الصلاة إنما يكفر إن تركها تركًا كليًّا، وأما إن كان يصلي، ويخلي، فإنه لا يكفر» [24] 

6 - فات الأوان ذنوبي كثيرة، لقد أسرفت وتعديت كل الحدود، لن يغفر الله لي...: الجواب: إن الله تعالى يقول : {﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ } [25] و في الحديث القدسي « «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا»» [26] فإذا كان الله سبحانه يقول لك، ورسوله يقول: إن الوقت لم يفت بعد، والفرصة لم تنته، بشرط أن تتوب وتعود....فقم الآن، تب الى الله، وعد إلى ربك، ليغفر لك ذنبك، ويدخلك جنات تجري من تحتها الأنهار.

قال ابن باز رحمه الله تعالى: «الواجب على المسلم ألا يقنط ولا يأمن، ويكون بين الرجاء والخوف، لأن الله ذم الآمنين، وذم القانطين، فقال سبحانه: أفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ، وقال سبحانه: لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. فالواجب على المكلف ذكرا كان أو أنثى ألا ييأس، ولا يقنط ويدع العمل، بل يكون بين الرجاء والخوف، يخاف الله، ويحذر المعاصي، ويسارع في التوبة، ويسأل الله العفو، ولا يأمن من مكر الله ويقيم على المعاصي ويتساهل» [27]

7 - ما زلت صغيرا، سأستمتع بالدنيا قليلا، ثم أتوقف بعد ذلك..: الجواب: قال الله تعالى: َ {﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾} [28]  ويقول : « «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً. أَوْ مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً. يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا»» [29] وأقول لك هل أنت ضامن أنك ستعيش، كل هذه المدة حتى تتوب؟ وإن عشت وتمتعت وفعلت ما أردت في شبابك، هل أنت متأكد أنك ستعود يوما ما، وأنت كبير؟ ألا تظن أنك تكذب على نفسك، وأنك تسوف، وتأجل العمل دائماً إلى الغد؟ وهل سيأتي هذا الغد؟ تظل تقول بعد سأعمل، بعد سأتوب، بعد سأصلي، فإذا جاءك ملك الموت، فليس هناك لبعد بعد؛

ثم اعلم أن الذي نشأ في طاعة الله أجره عند الله عظيم، وأنه في ظل الله، يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ««سبعةٌ يُظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: ...وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى..»» [30] فاغتنم الفرصة فان الموت يأتي بغتة، وإن الصحة لا تدوم، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ««اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ : شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ» » [31]

8 - أنا مريض، أريد أن أصلي، ولكني لا أستطيع..: الجواب: اعلم شفاك الله، أن الإسلام دين يسر وخير، وقد جعل الله في كل عبادة يسرا ورحمة؛ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [32] و {﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج﴾ } [33] فمن كان فقيرا سقط عنه واجب الزكاة، ومن كان مريضا عاجزا سقط عنه الصوم، ويسقط الحج على من لم يستطع إليه سبيلا..، وكذلك الصلاة، يسرها الله لنا،  فجعل للمسافر صلاة، وللمريض صلاة، وللعاجز صلاة، ولكنها العبادة الوحيدة التي لا تسقط عن المكلَّف بأي حال من الأحوال، فقد أوجبها الله على كل حال، ولم يعذر بها مريضا، و لا مسافرا، و لا خائفا: فلم يجعل لأحد عذرا في ترك الصلاة، قال ««صَلِّ قَائِمًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ » » [34] 

- قال ابن تيمية: «وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ وَاجِبَاتِهَا كَالْقِيَامِ، أَوْ الْقِرَاءَةِ، أَوْ الرُّكُوعِ، أَوْ السُّجُودِ، أَوْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، أَوْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ»  [35]   

9 - لا أعرف كيف أصلي، ولا حتى كيف أتوضأ، فماذا أفعل..: الجواب: إن كنت لا تعرف كيف تتوضَّأ، أو لا تعرِف كيف تصلي، فهذا عذرٌ أقبح مِن الذنب نفسه؛ وليس هذا عذرا لترك الصلاة، لأن الصلاة من المعلوم من الدين بالضرورة؛ أي يجب على كل مسلم أن يتعلمها ويحسنها، ولا يعذر للجهل بها أحد.

ثم ألا تعلم أن الله تعالى حثَّ على العِلم: {﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِين لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ } [36] و { ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾} [37] 

وعن ابي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ««مَن سلَك طريقًا يلتمس فيه عِلمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجَنَّة»» [38] 

ثم عليك أن تسأل نفسك؛ هل الذين يصلون أحسن مني؟  هل هم أذكى مني؟ هل يزيدون علي بشيء؟  وإذا كان هذا عُذر مَن يجهل القِراءة والكتابة، وليس هذا بعذر، فليس من شروط الصلاة القراءة والكتابة، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يصلون ومعظمهم لا يعرف القراءة ولا الكتابة، فما هو عذر حمَلَة المؤهلات العليا من الأطبّاء والمهندسين وغيرهم!؟! ما عُذرهم؟ وما حجتهم في ترْك الصلاة؟ هل هو الجهلُ أيضًا؟! أم إنَّه الكِبْر وحب الدُّنيا، واتباع الهوى؟!

 لا شك أنَّنا نعيش فقرًا دينيًّا وأخلاقيا في زمننا هذا، فقد صارتِ الصلاةُ عندَ الكثير ثقيلة على القلوب، فإذا مات أحدهم علم أنه كان من الغافلين.

10 - تخلف وجهل وكلام من العصور الوسطى...: الجواب: قد يقول بعضهم حين يسمع من يتحدث عن الصلاة، أو عن أمر من أمور الدين: هذا تخلف وجهل..: فلا تأبه لهم، فهذا كلام أعداء الإسلام، من الهمج والرعاع، ومن لف لفهم من الملحدين،  خرجوا في هذا الزمن يزحفون من جحورهم كالحيات والثعابين ؛ يبثون الشبهات، ويشنون الحملات على الدين وأهله، يدّعون الحداثة والتقدمية ، ويحسبون أنهم مثقفون، وإنما هم صُم بكم عمي، كما  وصفهم الله سبحانه، لأنهم لا يبصرون النور، ولا يهتدون السبيل، بسبب جهلهم، ورفضهم للحق، وبغضهم للإسلام والمسلمين، {﴿ومَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾} [39] ما أكثرهم في هذا الزمن، يظهرون الحق في صورة الباطل، ويقلبون الباطل ليظهروه حقا ؛ همهم الوحيد إفساد الشباب المسلم ، ونشر الإلحاد والانحلال، والانحرافات والمعاصي، وكل ما يخالف الشرع والدين ؛ فلا تأبه لهم، ولا تنصت لما يقولون، إنما هذه حيلهم، ليحرجوك، وليحبطوك، وليجعلوك تتخلف وتستحي، وتبعد عن الصلاة، فلا يهمك إن قالوا عنك متطرف، أو قالوا متعصب، أو متخلف، أو رجعي...فقد قالوا عن النبي أكثر من ذلك ، واعلم أن صاحبك هذا الذي يبعدك عن الصلاة، بكذبه، وفلسفته الساقطة، سيكون غدا أول من يتبرأ منك، إذا كان الشيطان نفسه يتبرأ غدا من أوليائه، قال الله تعالى: وَ {﴿قَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم﴾} [40]   فإياك أن تصاحب من يبعدك عن الله وعن الدين فتندم، فغدا حين تكون بين يدي ربك، لن ينفعك إلا إيمانك وصلاتك وأعمالك الصالحة.

ونقول لهؤلاء المستهزئين بالدين، احذروا من التمادي في الغفلة، وتضييع طاعة الله سبحانه، والضحك، والسخرية بعباده المتقين، فإن الحسرة والندم لن تنفعكم، إذا جاء أمر الله، قال تعالى: { ﴿أَن تَقُولَ نَفۡسࣱ یَـٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِی جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِینَ  أَوۡ تَقُولَ لَوۡ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَىٰنِی لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِینَ  أَوۡ تَقُولَ حِینَ تَرَى ٱلۡعَذَابَ لَوۡ أَنَّ لِی كَرَّةࣰ فَأَكُونَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾} [41] قال قتادة: «فلم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى جعل يسخر بأهل طاعته»[42] فتنبهوا وأفيقوا وارجعوا الى ربكم قبل أن تندموا وتتحسروا، ولن تفيدكم يومئذ ضحكاتكم، ولن ينفعكم الندم.

11 - ولدي لا يريد أن يصلي، احترت معه، لا أدري ماذا أفعل..: الجواب: فقد يقول الرجل أو تقول المرأة: ولدي لا يصلي، حاولت معه بكل الطرق دون فائدة؛ اعلم يرحمك الله أنه يجب علينا تعليم أبنائنا الصلاة منذ الصغر، وتعويدهم إياها، وتأديبهم على المحافظة على أدائها، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال قال رسول الله : « «مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ واضربوهُم عليها وهمْ أبناءُ عشرٍ وفرِّقوا بينهُم في المضاجعِ»»   [43]

فالطفل الصغير كالشجرة الصغيرة إن قومتها وعدلتها نمت معتدلة مستقيمة، وإن أهملتها كبرت معوجة مائلة، وصعب عليك بعد ذلك تقويمها، كما قال الشاعر:

 

         قد ينفع الأدب الأطفال في صغرٍ         وليس ينفعهُم من بعدِه أدبُ

        إن الغُصُونَ إِذا قَوَّمْتَها اعتدلْت           ولا يلينُ إِذا قَوَّمْتَهُ الخَشَبُ [44]

- قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «والعناية بأهل البيت، لا تغفل عنهم يا عبد الله، عليك أن تجتهد في صلاحهم، وأن تأمر بنيك وبناتك بالصلاة لسبع، وتضربهم عليها لعشر، ضربا خفيفا يعينهم على طاعة الله، ويعودهم أداء الصلاة في وقتها، حتى يستقيموا على دين الله ويعرفوا الحق، كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» [45]

- قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «الأمر للوجوب، لكن يقيد بما إذا كان الضرب نافعاً؛ لأنه أحياناً  تضرب الصبي ولكن ما ينتفع بالضرب ، ما يزداد إلا صياحاً وعويلاً ولا يستفيد ، ثم إن المراد بالضرب الضرب غير المبرح ، الضرب السهل الذي يحصل به الإصلاح ولا يحصل به الضرر» [46]

أما إن كبر الطفل فقد بين أهل العلم: أنه لا بد من نصيحته، واستعمال الطرق التربوية معه، كدعوته بالموعظة الحسنة، وبالمناقشة والإقناع، ودفعه نحو الصاحب الصالح المستقيم، والاستعانة بالكبار كأبيه وأخيه وعمه، ليبينوا له، فإذا أصر جاز عقابه بحرمانه بعض الأشياء التي يحبها، وجاز بعد ذلك هجره للتأديب.

 

الخاتمة:

لا تحزن يا مؤمن.. ولا تقلق.. ولا تعط الدنيا أكبر من حجمها، فلن تنال منها إلا ما كتبه الله لك.

فإلى متى تضيع الصلاة، وهي عماد الدين، وأساس الإسلام، وأساس النجاح والفلاح، وعهد الله على المسلمين.

هيا قم، اقرع الباب، باب الله، وقل له قد جئتك يا رب نادما تائبا، وستجد الصلاة سهلة طيبة، وستحس بحلاوتها، وسترى أبواب الدنيا تفتح أمامك.

صَل صلاتك في أوقاتها، حافظ عليها في المسجد مع المؤمنين، أكثر من ذكر الله، ومن تلاوة كتابه، اعمل صالحا، تتزود به في طريقك للدار الاخرة، فالموت مفترق هذا الطريق، إما الى نعيم، وإما الى جحيم، فاختر لنفسك أي الاتجاهين تريد... 

قال تعالى: {﴿كلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ } [47]

 

والله من وراء القصد، والحمد لله رب العالمين.

 

 

[1] - سورة المائدة الآية 91 

[2] - شرح السنة للبغوي 404/14

[3] - قصيدة البردة، بانت سعاد، لكعب بن زهير رضي الله عته.

 

 

[4]  - سورة الذاريات الآيات 56-58

[5] - سورة فاطر الآية 5    

[6] - رواه البخاري عن أبي هريرة  2887

[7] - رواه البخاري 5673 ومسلم 2816

[8] - سورة النحل الآية 32

[9] - الزخرف: 72 

[10] - شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 116

[11] - فتاوى نور على الدرب 115

[12] - سورة العنكبوت الآية 45

[13] - أخرجه أحمد 9777 والبزار 9217 وابن حبان 2560 والألباني في الصحيحة 3482

[14] - كتاب الإيمان لأبي يعلى ص 153

[15] - من مجموع الفتاوى 7/616

[16] - سورة الملك الآية2    

[17] - سورة المدثر الآية 38 

[18] - سبق تخريجه ص

[19] - سورة العنكبوت الآية 45

[20] - سورة البقرة الآية 45

[21] - سورة هود الآية 114

[22] - سبق تخريجه ص

[23] - سورة الزلزلة الآية 7

[24] - انظر الفتاوى: 212992 و310264

[25] - سورة الزمر الآية 53

[26] - رواه مسلم عن ابي موسى الأشعري 2759

[27] - فتاوى نور على الدرب لابن باز 38/4

[28] - سورة آلِ عمران الآية 133

[29] - رواه مسلم عن ابي هريرة 118

[30] - حديث متفق عليه: البخاري 660 ومسلم 2427

[31] - أخرجه الحاكم 7846 والبيهقي 10248 والألباني في صحيح الترغيب والترهيب 3355

[32] - سورة البقرة الآية 185

[33] - سورة الحج الآية 78

[34] - أخرجه البخاري عن عمران بن حصين 1117

[35] - مجموع الفتاوى 437/8

[36] - سورة الزمر الآية 9

[37] - سورة المجادلة الآية11    

[38] - رواه أبو داود 3641، والترمذي 2682، وابن ماجه 223، وأحمد 21715

[39] - سورة النور الآية 40

[40] - سورة ابراهيم الآية 22 

[41] - سورة الزمر57-58

[42] - جامع البيان في تفسير القرآن للإمام الطبري سورة الزمر58

[43] - أخرجه أبو داود 495 وأحمد 6756 وصححه الحاكم في المستدرك 1/ 197

[44] - البيتان لصالح عبد القدوس: جامع بيان العلم ج 1 ص 83 لسابق البربري

[45] - مجموع فتاوى ابن باز 6/46

[46] - لقاء الباب المفتوح 95/18