أسباب السعادة الشرعية

منذ 2024-08-13

بعض أسباب السعادة: الرضا بالقضاء والقدر - الابتسام في وجوه الناس - السلام - صنع المعروف - صلة الرحم - صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة - المداومة على ذكر الله -

أخي الحبيب، اعلم قبل كل شيء أن السعادة أمرٌ داخليٌّ، لا يمكن لأحد أن يراه، ولا أن يُمسكه، وهو لا يُباع ولا يُشترى، وإنما هو هبة من الله يَهَبُها لمن يشاء من عباده، ولكنه جعل لذلك أسبابًا يجتهد الإنسان في تحصيلها، وأعظم هذه الأسباب في نظري أن يقتنع الإنسان بأنه لا يمكن لأحد أن يعطيه السعادة، بل هي شعور ذاتي، واعتقاد داخلي، لكن مع ذلك لا بد أن يسعى في البحث عن أسبابها.

 

وانظر إلى هذين الشخصين لتتعرف على الفارق بينهما؛ فهذا شخص إذا سألته عن مشاعره أجاب: أنا سعيد في حياتي، وأنا والحمد لله منسجم مع من حولي، أما الآخر فإذا سألته عن حاله، أدخلك في متاهة وكآبة، وأجابك: إني تعيس ومسكين، ولا يمكن أن أشعر بالسعادة، وأخذ ينعى على القدر؛ حيث جعله تعيسًا، وأخذ يلوم الناس؛ إذ لم يهتموا بمشاعره، ويراعوا حاله، ويتلطفوا معه، بل هم في كل يوم يزيدونه تعاسة، ويُحبطون مشاعره، لا شكَّ أن شعور هذا التعس قد أصابك بظلاله، ولكن لا بأس عليك، ما دمتَ تشعر شعور صاحبك الأول.

 

وهذه بعض أسباب السعادة الكثيرة التي استقرأتُها:

الرضا بالقضاء والقدر؛ لِما يُورِثه ذلك من طمأنينة وراحةِ بالٍ؛ حيث يُوقِن الإنسان بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وهذا الرضا هو أعظم علاج يمكن أن يعالج الإنسان به نفسَه ليحصل على السعادة؛ لأنه يمثل القاسم المشترك بين السعداء؛ حيث يرضَون بما هم فيه ويستمتعون به كما هو دون تفكر في غيره، وليتنا نتعلم الرضا من الأطفال الصغار الذين يتكيفون مع أي وضع يوجدون فيه، ويرضَون، فيشعرون تبعًا لذلك بالسعادة.

 

• الابتسام في وجوه الناس: إن الابتسام خُلُقٌ فاضل، وهو صدقة؛ لِما جاء في الحديث: «وتبسمك في وجه أخيك صدقة»، وفائدته ما يُدخله في قلب صاحبه من شعور بالسعادة ونفع الناس؛ إذ إن أكثر الناس مهموم حزين شاكٍ من حاله وحياته، فإذا رأوا من يتبسم في وجوههم، استبشروا، واستروحوا، ودخلت بشائر السعادة في نفوسهم، وصاحب الابتسام ينعكس عليه هذا، حين يردون على ابتسامه بالمثل، فتدخل السعادة قلبه، وهو السبب الأصلي لها، فما زال الناس في شوق للقائه وانبساط إليه، وما ظنك بإنسان يجد الحفاوة أينما حلَّ؟ هل تظنه يكتئب أم هو في بِشْرٍ دائم؟ وهذا جزاؤه العاجل وما عند الله خير وأبقى، ومن عجائب الابتسام أن يفطَن إليه الغربيُّون من خلال التجرِبة والعادة، ويغفُل عنه المسلمون رغم أنه من دينهم.

 

• السلام: وهو اسم على مسمًّى، وهو دعاء لأخيك ولمن تسلِّم عليه بالسلامة، وهو سبيل إلى السعادة؛ لِما يُحدِثه في المجتمع؛ حيث يأمن الناس بعضهم بعضًا لأنه لا يفعله إلا مؤمن قد استحكم الإيمان في قلبه؛ عملًا بهَدْيِ النبي صلى الله عليه وسلم حين أمرنا بالسلام في قوله: «والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أَوَلَا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحابَبْتُم؟ أفشوا السلام بينكم»، فخُلُق السلام داعية للأمن في المجتمع، وإذا أمِن الناس، فقد حصَّلوا شطر السعادة بإذن الله؛ لأن السعادة تنقسم إلى سعادة فردية، وسعادة اجتماعية.

 

• صنع المعروف: جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يحقرن أحدكم من المعروف شيئًا»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن»، وصنع المعروف من أهم خصال السعادة التي يغفُل عنها الناس، وينطبق هنا ما ذكرناه في الابتسام، ونزيد عليه بألَّا يحقر الإنسان شيئًا من المعروف والخير، فيساعد المحتاج، ويُغيث الملهوف، ويعود المريض، ويُرشد السائل، ويصنع الأخرق، ويُسمِع الأصم، ويتصدق على المحتاج، ويبذل كل معروف يستطيعه، وفوائد هذه الأعمال أنها تعود على صاحبها بالسعادة؛ لأنه يشعر بقيمته في الحياة، ويُحِسُّ أن له دورًا يؤديه وواجبًا يقوم به، وأنه ليس هملًا ولا متاعًا زائدًا عن الحاجة؛ لأن الشعور بانعدام القيمة وعدم الأهمية سببٌ من أعظم أسباب الأمراض النفسية، وخاصة الاكتئاب؛ حيث ينغلق الإنسان على نفسه ثم ينطوي على مآسيه، ولا يزال يجترُّ أحزانه، والشيطان عن يمينه وشماله، ومن فوقه وتحته، يحزِّنه ويقنِّطه، حتى يقع مريضًا لا فائدة فيه، أو منتحرًا خسر دنياه وآخرته.

 

صلة الرحم: لا شكَّ ولا مرية أن صلة الرحم من أعظم المعروف الذي ذكرناه في السبب السابق، ولكنها تزيد عليه في أنها واجب، وهي سبب في الغِنى وطول العمر؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يُبسَطَ له في رزقه، وأن يُنسَأَ له في أثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَه».

 

ولا شكَّ أن بسطَ الرزق من أعظم الأشياء التي يسعى لها الإنسان، بل لو قلنا: إن أعظم أسباب التعاسة في أيامنا هذه هو الخوف من الحاجة والفقر، لكُنَّا مُحِقِّين، فهلا وصلت رحمك، وقمتَ بحقِّهم، حتى تُدخِلَ السرور عليهم، وتسعد نفسك، فوالله لريال تنفقه في صلة رحمك، أرجى في أرباحه من ريال تاجرت به ابتغاء الربح.

 

ومع ذلك، فإن صلة الرحم تؤدي بك إلى أمور أخرى من أسباب السعادة؛ مثل: الابتسام، وقضاء الحاجات، وإفشاء السلام، وغير ذلك من أمور لا تحصل إلا بالاجتماع مع الأقارب والأرحام.

 

• صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة: جاء في الحديث أنَّ من صلى الفجر في جماعة، كان في ذمة الله حتى يمسي، فما ظنك بإنسان في حماية الله ورعايته؟ وجاء في حديث آخر أن من أصبح والآخرة همُّه، جمع الله عليه شمله، وأتَتْهُ الدنيا وهي راغمة، ولا شكَّ أن من قام لصلاة الفجر ممن أهمته آخرته، وسعى لها، ومع كل ما سبق، فإن قرآن الفجر كان مشهودًا، فقل لي بربك: كيف تكون حال من أدرك هذا؟

 

• المداومة على ذكر اللهوخاصة أذكار الخروج من البيت؛ لأن أكثر أسباب الهم والقلق والضيق من الشيطان، فإذا بدأ الإنسان يومه بذكر الله، وكان أول ما يقوله عند خروجه من البيت؛ كما جاء في الحديث: «بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال المَلَكُ: كُفيتَ، وهُديتَ، ووُقيتَ، فإذا سمع الشيطان ذلك تنحَّى، وقال لصاحبه: كيف لك برجل كُفِيَ وهُدِيَ ووُقِيَ».

 

وذكر الله عز وجل دواء للقلوب؛ قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، وأعظم ذلك القرآن، فهو شفاء لِما في الصدور، وهو رحمة للمؤمنين وشفاء لأمراضهم النفسية والبدنية، إذا كانوا ممن آمن به واتبعه، وأنت واجدٌ أن أكثر المصابين بالأمراض النفسية ممن لا يرفع بالقرآن رأسًا.

 

الاستغفار والتسبيح وكثرة ذكر الله تعالى؛ وذلك أن كثرة الاستغفار تحُطُّ الخطايا التي هي أكبر أسباب الشقاء وضيق الصدر.

 

• الاغتسال بالماء البارد في أيام الصيف؛ ولذلك أثَرٌ عجيب في حصول السعادة مؤقتًا وبشكل عاجل؛ فالاغتسال مثل المسكِّن المؤقت سريع المفعول (البنادول).

 

الصدقة ولو بالقليل، كلما تيسر ذلك، ولو بإخراج ريال كل يوم، واحرص على أن يكون ذلك في الصباح الباكر، وفي أول المساء؛ لتوافق دعاء الملائكة للمنفقين: «اللهم أعطِ منفقًا خَلَفًا».

 

• المسح على رأس اليتيم؛ ولذلك أثر عجيب، خاصة إذا صاحبَهُ مداعبة لليتيم، وتطييب لخاطره، وجلوس وأكل معه، وكذلك الضعفاء والمساكين، ونتيجة ذلك إضافة إلى ما سبق ذكره (في فقرة 4) شعور بالسعادة العاجلة، مع كسب ثناء هؤلاء الضعفاء ودعائهم، ويلحق بهذا السعي على الأرملة والمسكين، وكل محتاج متعفِّف لا يُفطَن له.

 

• حضور حِلَقِ الذكر ومجالس العلم، وتدارُس القرآن؛ حيث تتنزل على أصحابها الملائكة، وتغشاهم رحمة الله، وتُغفر ذنوبهم، ويذكرهم الجليل تبارك وتعالى فيمن عنده، وتدعو لهم الكائنات مع الملائكة؛ رضًا بما يصنعون من طلب للعلم ومشي في سبيله.

 

• النصح للمسلمين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في لين ورفق وتُؤَدَةٍ، ورحمة المقصرين والدعاء لهم بالهداية؛ وذلك أن المنكرات تؤثِّر في نفس من يراها، فيضيق صدره إذا لم ينكرها، وذلك من شؤم المعاصي، وأقل المراتب الإنكار بالقلب.

 

•النظر في أحوال الناس من حولك؛ لتعرف أن هناك من هو أشد بلاء منك، فإذا قارنت حالتك بحالة أهل البلاء والفقراء، فستسكن عند ذلك نفسك، ويذهب عنك الضيق، وتتجه للاستفادة مما آتاك الله وتشكره؛ إذ عافاك مما ابتلاهم به.

 

• التقليل من متابعة مجريات الحياة، والتقليل من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قدر الإمكان، فكثرة متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، وكثرة متابعة الأخبار تُورِث القلب غمًّا وهمًّا؛ حيث يرى ما يضره ولا يسره، وحيث يضيع جهده ووقته في متابعة كذبات الآخرين من المشاهير وغيرهم، الذين يظهرون أمام الشاشات بشكل مغاير عن واقعهم الحقيقي، تذكَّر أن الله نهانا عن قيل وقال، كما نهانا عن الجلوس والسماع لمن يصدنا عن طاعة الله ومرضاته، وينشغل بمتاع الحياة الدنيا عن الآخرة.

 

• المحافظة على صلاة قيام الليل، ولو بأقل عدد من الركعات؛ ففيها بركة، وهي من أسباب انشراح الصدر، وتخفيف التوتر، وحين يخلو الإنسان بربه في قيام الليل يكسوه ذلك بسكينة وخشوع تُورِث راحة نفسية لا يجد مثلها في أي مكان، لا سيما حين يتعلق قلبه بقوة الله العظمى.

 

• الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والمداومة عليها في كل وقت وعلى كل حال؛ فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من جعلها في دعائه «غُفِر ذنبه، وكُفِيَ همُّه»، ومن جرَّب عرَف، وكلما زدتَ في الصلاة والسلام على نبينا صلى الله عليه وسلم، انشرحت نفسك، وفرجت همومك.

 

أخي الكريم، كانت تلك بعض أسباب السعادة التي حثَّنا عليها القرآن الكريم، ودلَّنا عليها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، فحاوِل أن تمرِّن نفسك على فعلها شيئًا فشيئًا، وابدأ بما تحبه وتميل إليه نفسك، حتى يصبح جزءًا من حياتك اليومية، ثم زِدْ عليه آخر حتى تستكمل كل ما تستطيع عليه.

 

وستجد أثر ذلك في نفسك، وفي وقتك، وفقنا الله وإياك لكل خير.

________________________________________________________
الكاتب: د. خالد بن محمد الشهري