منهج عائشة رضي الله عنها في التعليم

منذ 2024-08-20

كانت مرجعًا لهم ليتلقَّوا منها علومهم، ويسألونها عما أشكَل عليهم، فتبثُّ عليهم الأحاديث النبوية، وتشرح لهم الآياتِ القرآنية

 

كان للسيدة عائشةَ رضي الله عنها مكانتها المرموقة بين الصحابة والتابعين، وكانت مرجعًا لهم ليتلقَّوا منها علومهم، ويسألونها عما أشكَل عليهم، فتبثُّ عليهم الأحاديث النبوية، وتشرح لهم الآياتِ القرآنية، وتبيِّن لهم الأحكام الفقهية، وقد تميزت مدرستها ومنهجها في التعليم بعدة مزايا:

اولاً: التأني وعدم الإسراع:

فعن عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت مستنكرةً: ألا يُعجبكَ أبو هريرة؛ جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسمِعني ذلك، وكنت أسبِّح، فقام قبل أن أقضي سُبحَتي! ولو أدركتُه لرددتُ عليه؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يَسرُد الحديث كسَردِكم[1].

ومعنى "أسبِّح" أي: أصلِّي.

ثانيًا: التعليم بالأسلوب العمَلي:

وذلك زيادةً في توضيح الأحكام؛ وذلك كتعليمها الوضوءَ لمن سألها عنه.

عن أبي سلمة قال: دخلتُ أنا وأخو عائشة على عائشة، فسألها أخوها عن غُسل النبي صلى الله عليه وسلم فدعَت بإناء، نحوًا من صاع، فاغتسلَت وأفاضت على رأسها، وبيننا وبينها حجاب.

أي: أبو سلمة عبدالله بن عبدالرحمن بن عوف، وهو ابنُ أختها من الرضاع، أرضعَته أمُّ كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنهم.

(أخو عائشة)، قيل: هو عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما، وقيل: هو عبدالله بن يزيد أخوها من الرضاع.

(عن غُسل) كيفيَّته ومقدار ما يَغتسل به.

(نحوًا من صاع) قريبًا من الصاع، يَزيد قليلاً أو يَنقص.

(حجاب)؛ أي: يَحجب عنَّا ما يَحرم رؤيته علينا.

ثالثًا: إيراد الدليل:

ويتَّضح ذلك في هذه الرواية؛ فعن مسروقٍ قال: كنتُ متكئًا عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة، ثلاثٌ مَن تكلَّم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفِرية، قلتُ: وما هن؟

قالت: مَن زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنتُ متكئًا فجلستُ، فقلتُ: يا أم المؤمنين، أنظِريني ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل: { ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ ﴾ } [التكوير: 22]، {﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾} [النجم: 13]؟! فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:  «إنما هو جبريل؛ لم أره على صورتِه التي خُلق عليها غير هاتين المرَّتين؛ رأيتُه منهبطًا من السماء، سادًّا عِظَمُ خَلْقه ما بين السماء والأرض»  فقالت: أولم تسمع أن الله يقول: { ﴿ لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ } [الأنعام: 103]؟! أو لم تسمع أن الله يقول: {﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾} [الشورى: 51]؟!

قالت: ومَن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من كتاب الله فقد أعظمَ على الله الفرية، والله يقول: {﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾} [المائدة: 67].

قالت: ومن زعم أنه يُخبِر بما يكون في غدٍ فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: {﴿ قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾} [النمل: 65][2].

ومعنى (أعظمَ على الله الفريةَ): هي الكذب؛ يُقال: فرى الشيء إذا اختَلقَه.

(أنظريني) من الإنظار، وهو التأخير والإمهال.

وبذلك يتَّضح لنا أنَّ السيدة عائشة رضي الله عنها كانت معقلاً للفكر الإسلامي، وسراجًا يضيء على طلاب العلم، ولذكائها وحبِّها للعلم؛ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحبها ويؤثِرُها؛ حيث قال: (( «وإن فضل عائشة على سائر النساء كفضل الثَّريد على سائر الطعام» )).


[1]البخاري (3375)، ومسلم (3493)، وأبو داود (3655).

[2]مسلم (177).

عادل يوسف العزازي

من طلبة الشيخ الألباني وأحد الدعاة بمصر