إن الله تعالى يحب المؤمن القوي

منذ 2024-08-22

قوة المؤمن التي يحبها الله سبحانه وتعالى هي القوة بمعناها الواسع، القوة بمفهومها المنضبط ، هي القوة الحكيمة

 

أما بعد : فيقول رب العالمين سبحانه وتعالى { ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلْغَيْبِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ ﴾}

أيها الإخوة الكرام: إن أحد أحب الناس إلى الله تعالى ( المؤمن القوي)

وقوة المؤمن التي يحبها الله سبحانه وتعالى هي القوة بمعناها الواسع، القوة بمفهومها المنضبط ، هي القوة الحكيمة، القوة الرشيدة، القوة التي تفرض المهابة، القوة التي تسخر في خدمة الحق، القوة التي تقلم أظفار المعتدي، القوة التي ترد للمظلوم حقه..

عنوان لقاءنا اليوم أيها المؤمنون هو : ( إن الله تعالى يحب المؤمن القوي)

والأصل في هذا الموضوع حديث النبي عليه الصلاة والسلام ««الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»» .

الله سبحانه وتعالى يحب المؤمن القوي أكثر من حبه تعالى للمؤمن الضعيف لأسباب منها:-

أن المؤمن القوي : له في الدنيا آثار طيبة نافعة أكثر من آثار المؤمن الضعيف..

أنِ آلَمًؤمًنِ آلَقُوٌيَ: يستطيع أن يخدم دينه ويحفظه أكثر مما يستطيعه المؤمن الضعيف..

المؤمن القوي : فاعل لا مفعول به..

المؤمن القوي: هو ذلك الذي سخر قوته لنصرة الحق..

المؤمن القوي: هو ذلك الذي يأخذ بالأسباب، ويكل أموره بعد ذلك إلى مسبب الأسباب ..

المؤمن القوي: هو الغيور على دينه وعرضه وكرامته..

أيها الإخوة الكرام:-

ما كان لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينشر الإسلام في العالم أجمع بمفرده، وما كان لنبي آخر أن يفعل ذلك بمفرده ..

من هنا كانت حكمة الله تعالى أن يجعل للرسل عليهم الصلاة والسلام حواريين، وأصحاباً، وأعواناً، وأنصاراً، أشداء، أقوياء، يؤمنون بالأنبياء وينصرون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويسافرون بدعواتهم إلى أصقاع الأرض..

من هنا كان الوصف الأبرز لأصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلّم أنهم في الحق (أشداء) قال الله تعالى : {﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ ۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ۖ}}

أحد أشهر الصحابة أعلام الصحابة الذين عرفوا بالقوة في الحق (عمر بن الخطاب رضي الله عنه)

قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام «أَشَدُّ أُمَّتِي فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ».

ظهرت قوة عمر في الحق مع أول يوم من إسلامه رضي الله عنه كان المسلمون قبل إسلام عمر يصلون في البيوت وفي الشعاب مستخفين خوفاً من أذية قريش ..

فلما أسلم عمر قام فقال للنبي ﷺ:

“يا رسول الله، ألسنا على الحق؟“، فأجابه النبي: “نعم”، قال عمر: “أليسوا على الباطل؟“، فأجابه النبي: “نعم”، فقال عمر بن الخطاب: “ففيمَ الخفية؟“، قال النبي ﷺ: “فما ترى يا عمر؟”، قال عمر: “نخرج فنطوف بالكعبة“، فقال له النبي: “نعم يا عمر”.

فخرج المسلمون لأول مرة يكبرون ويهللون في صفين، صف يرأسه عمر بن الخطاب، والآخر يرأسه حمزة بن عبد المطلب وبينهما النبي ﷺ، حتى دخلوا وصلّوا عند الكعبة، ونظرت قريش إلى عمر وإلى حمزة وهما يتقدمان المسلمين، فَعَلتْ وجوهَهُم كآبة شديدة، يقول عمر: (فسماني رسول الله ﷺ الفاروق يومئذٍ).

أما بركة قوة عمر من منظور الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فعبر عنها عبد الله بن مسعود بقوله : (ما زلنا أعِزَّة منذ أسلم عمر).

كان الخليفة الأول أبو بكر رجلاً رقيقاً سهلاً لينًا، كان الصبيان يسعون إليه يقولون لأبي بكر : يا أبتي، فيمسح ابو بكر على رؤوسهم..

فلما ولي عمر الخلافة، حضرت هيبته فتفرق الرجال وتركوا مجالسهم في الطرقات هيبة منه، فلما بلغه ذلك، نادى بـين الناس أن “الصلاة جامعة”

ثم صعد منبر رسول الله ﷺ ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال(بلغني أن الناس خافوا شدتي وهابوا غلظتي، وقالوا: لقد اشتد عمر ورسول الله ﷺ بين أظهرنا، واشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف وقد صارت الأمور إليه؟!

ألا فاعلموا أيها الناس أن هذه الشدة قد أضعفت (أي تضاعفت وصارت أشد من حالتها الأولى ) ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، أما أهل السلامة والدين والقصد، فأنا ألين إليهم من بعضهم لبعض، ولست أدع أحدًا يظلم أحدًا أو يعتدى عليه، حتى أضع خده على الأرض وأضع قدمي على خده الآخر؛ حتى يذعن للحق، وإني بعد شدتي تلك لأضع خدي أنا على الأرض لأهل الكفاف وأهل العفاف).

قوة عمر كانت في نصرة الحق لا في نصرة الباطل، قوة عمر كانت لإقامة العدل، ولم تكن لحماية الباطل..

هذه القوة العمرية التي غلفت بالعدل جعلته وهو رأس المسلمين وخليفتهم يمشي بين الناس ويأتي الأسواق ويعتاد المساجد يصلي بالناس ويخطب فيهم بل وينام في زاوية من المسجد بلا حارس حاله كحال المسلمين لا يميزه شيء، ذلك أن القوة الحكيمة القوة الرشيدة القوة العادلة أمان وسلام ..

فُتحت ناحية من بلاد الفرس فأرسل المسلمون قائدها إلى المدينة ليفاوض عمراً..

فأتي الفارسي المدينة فقال أين قصر عمر؟

قيل ليس له قصر وإنما له دار قال وأين داره؟

قالوا هنالك بهذا الطريق فأتاها فقال أين عمر؟

قيل بالمسجد قال وأين المسجد ؟

قيل هو هنالك بهذا الطريق..

فأتى الفارسي المسجد فنظر في وجوه الناس فخرج وهو يقول ليس فيهم عمر !!

فقيل بل هو بالمسجد قال وأين هو؟

قيل هو ذلك الذي ينام في تلك الزاوية فأتاه فأيقظه فكلمه وكان من أعظم ما وصف الفارسي به عمر قوله: (حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر)..

الشاهد مما سمعتم:

ان تعلنوا أن الله يحب المؤمن القوي لأن قوة المؤمن نافعة، ومنتجة، وحكيمة، ورشيدة، ورحيمة..

القوة أن تكون قويا في الحق، ألا تأخذك في الحق لومة لائم، القوة عدل، ورحمة، وأمان، وسلام..

القوة المؤمنة يحبها الله تعالى لأنها منصفة ليس بها غشم، وليس فيها قهر للناس.

قوة المؤمن حكمة ورزانة وحلم وأناة قال النبي ﷺ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعز الإسلام والمسلمين إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير..

الخطبة الثانية

بقي لنا في ختام الحديث عن حب الله تعالى للمؤمن القوي الذي سخر قوته الحكيمة الرشيدة لنصرة الحق وخدمة الناس.. بقي لنا أن نقول:

كما يحب الله المؤمن القوي فالله تعالى أيضاً يحب المؤمن الضعيف قال النبي عليه الصلاة والسلام «الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ»

الله تعالى يحب المؤمن الضعيف لا لأنه ضعيف وإنما يحبه لأنه مؤمن لا لأنه ضعيف..

الله تعالى يحب المؤمن القوي ويحب المؤمن الضعيف لأنهم مؤمنون والمؤمن فيه الخير سواء كان قوياً أو ضعيفاً ..

لكن اعلموا يرحمكم الله أنه : لا يحب الله من عبده أن يستسلم لضعفه وعجزه، لأن الضعيف يؤكل حقه، لأن الضعيف لا يهاب..

لا يحب الله من عبده أن يستسلم لضعفه وعجزه لأن الضعيف لا يسمع له، ولا يحسب له حساباً..

لا يحب الله من عبده أن يستسلم لضعفه وعجزه لأننا لا نعيش في المدينة الفاضلة وإنما نعيش في دنيا لا تعرف ولا تقدر ولا تسمع ولا تحسب حساباً إلا للأقوياء، ولا تدوس إلا على وجوه الضعفاء..

وما الواقع الذي نحن فيه اليوم إلا مثل من الأمثلة..

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يؤثرنا، وأن يكرمنا، وأن ينصرنا على أعدائنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير..

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.