نظرات في الحروب الإعلامية - استلاب المفاهيم بين الماضي والحاضر(1)..

منذ 2012-01-26

يظل الوحي نوراً تتبدد به ظلمات الشبهات، وتُرى به الحقائق، ويُفهم به الواقع، فسبحان الله تعالى القائل في محكم كتابه: {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام :55].



إن المتدبر لكتاب الله والمتأمل لمجريات الأحداث وواقع الحياة يجد تطابقاً ظاهراً بين أساليب المجرمين على مر الزمان واختلاف المكان في حربهم للإسلام والمسلمين.
وتأتي الحرب الإعلامية لتمثل أحد أخطر أدوات الصراع بين الفريقين، ويبرز أسلوب استلاب المفاهيم كأحد أبرز أساليب هذه الحرب الإعلامية، إذ يحمل أهل الإيمان مفاهيم صحيحة وصفات حسنة كالصلاح والاستقامة والعدل والعزة والكرامة وحب الخير بينما يحمل المجرمون مفاهيم باطلة وصفات خبيثة كالظلم والبغي والدونية والتخلف الفكري والوحشية والدموية والإفساد في الأرض، وأثناء التدافع بين الفريقين يلجأ المجرمون لاستعمال أسلوب استلاب المفاهيم فينسبون لأنفسهم المفاهيم الصحيحة والصفات الحسنة التي يحملها المؤمنون في ذات الوقت الذي ينسبون فيه للمؤمنين المفاهيم الباطلة والصفات الخبيثة التي يحملوها هم.

بين الماضي والحاضر:
فهاهو فرعون بالتعاون مع ملئه المجرمين يدشن حملة شعواء لتجريد موسى وهارون عليهما السلام من مفهوم الصلاح وصفة الإصلاح ويتهمونهما بالإفساد في الأرض وفساد المعتقد {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف:127].
هاهم الملأ الضُلال من قوم نوح يسعون لهدم دعوته وتشويه صورته، فيجيبوا دعوته للتوحيد قائلين {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأعراف:60]. وهذا التشويه أدى دوره في صرف الناس عن الاستماع لنوح عليه السلام {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح:7]. وبالتالي لم يؤمن به إلا القليل من الناس {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40].

هاهي قريش تحاول أن تظهر بمظهر الحريصة على وحدة المجتمع وسلامته وشيوع روح المودة والوئام بين أفراده فتتهم النبي صلى الله عليه وسلم بإثارة الفتنة والفرقة والفوضى، حيث جاء في قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي يا طفيل، إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل و أبيه، وبين الرجل و أخيه، وبين الرجل و زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنَّه ولا تسمعنّ منه شيئا فمازالوا به حتى حشي أذنيه كرسفا "قطناً" فَرقا من أن يبلغه شيء من قوله".

وهاهم المجرمون في الوقت الحاضر يستلهمون خطى أسلافهم الغابرين في استعمال أسلوب استلاب المفاهيم لتشويه المؤمنين، فنجد تحريف الحقائق وتلبيس الأحداث في ثنائيات عكسية متوالية تزداد وتيرتها بمرور الزمن لحديث «بين يدي الساعة سنوات خداعة، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة، قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟! قال: الرجل التافه» (ابن ماجه (4036) وأحمد ( 7899)).

فنجد الليبراليين الخائنيين لليبراليتهم يتغنون بالديموقراطية، فإذا أتت بالإسلاميين انقلبوا عليها واتهموا الإسلاميين بالاستبداد والتخلف والرجعية.
ويُتهم من يسعى لحفظ الدماء وعصمتها بالتسبب في إراقتها، ومن يسعى لاستقرار الوطن ونهضته وحريته بالتسبب في تدميره وتخلفه وتبعيته، ومن يسعى للم شمل الصف وتجميع المتفرق بالتسبب في فرقة الصف وتفريق المجتمع.

ختاماً : يظل الوحي نوراً تتبدد به ظلمات الشبهات، وتُرى به الحقائق، ويُفهم به الواقع، فسبحان الله تعالى القائل في محكم كتابه: {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام :55].


م. أحمد مولانا



 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام