شرح أدعية الركوع والرفع منه
قوله: (سبحان ربي العظيم) أي: أنزهه وأقدسه عن كل النقائص. قوله: (ثلاث مرات) أي: يقولها ثلاث مرات.
دُعَاءُ الرُّكُوعِ
«(سُبْحَانَ رَبِّي العَظِيمِ)» « ثَلاثَ مَرَّاتٍ»
صحابي الحديث هو حذيفة بن اليمان
قوله: (سبحان ربي العظيم) أي: أنزهه وأقدسه عن كل النقائص.
قوله: (ثلاث مرات) أي: يقولها ثلاث مرات.
ويستحب أهل العلم ألا ينقص الإنسان في الركوع والسجود من ثلاث تسبيحات.
«(سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لـِي)»
صحابية الحديث هي عائشة رَضِيَ اللهُ عَنهَا.
بَوَّب البخاري رحمه الله على هذا الحديث: باب الدعاء في الركوع.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله معلقاً على تبويب البخاري: (فقيل: الحكمة في تخصيص الركوع بالدعاء دون التسبيح – مع أن الحديث واحد – أنه قصد الإشارة إلى الرد على مَن كره الدعاء في الركوع كمالك رحمه الله، وأما التسبيح فلا خلاف فيه، فاهتم هنا بذكر الدعاء لذلك.
وحجة المخالف؛ الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا مرفوعاً، وفيه: (فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم)؛ لكنه لا مفهوم له؛ فلا يمتنع الدعاء في الركوع كما لا يمتنع التعظيم في السجود)
«(سُبُّوحٌ، قُدُّوسٌ، رَبُّ الـمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ)»
صحابية الحديث هي عائشة رَضِيَ اللهُ عَنهَا.
قوله: (سُبُّوح) أي: المنزه عن كل عيب، من سبحت الله تعالى؛ أي: نزهته.
قوله: (القُدوس) الطاهر من كل عيب، العظيم في النزاهة عن كل ما يستقبح.
قوله: (والروح) قيل: جبريل عليه السلام، خص بالذكر تفضيلاً على سائر الملائكة؛ كما في قوله تعالى: âتَنَزَّلُ الـْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ، وقيل: الروح صنف من الملائكة، كما في قوله تعالى: âيَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالـْمَلَائِكَةُ صَفًّا، ويحتمل أن يراد به الروح الذي به قوام كل حي؛ أي: رب الملائكة، ورب الروح، والله أعلم.
«(اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، ولَكَ أسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وعَصَبِي، [وَمَا اسْتَقَلَّت بهِ قَدَمي])»
صحابي الحديث هو علي بن أبي طالب
قوله: (لك ركعت) تأخير الفعل للاختصاص؛ والركوع؛ هو الميلان والخرور، وقد يُذكر ويُراد به الصلاة.
قوله: (خشع لك سمعي..) والمراد بالخشوع من هذه الأشياء هو الانقياد والطاعة؛ فيكون هذا من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم.
أما تخصيص السمع والبصر من بين الحواس؛ فلأنهما أعظم الحواس، وأكثرها فعلاً، وأقواها عملاً، وأمسها حاجة؛ ولأن أكثر الآفات بهما، فإذا خشعتا قَلَّت الوساوس.
وأما تخصيص المخ والعظم والعصب من بين سائر أجزاء البدن؛ فلأن ما في أقصى قعر البدن المخ، ثم العظم، ثم العصب؛ لأن المخ يمسكه العظم، والعظم يمسكه العصب، وسائر أجزاء البدن مركبة عليها، فإذا حصل الانقياد والطاعة، فهذه عمدة بنية الحيوان، وأيضاً العصب خزانة الأرواح النفسانية، واللحم والشحم غادٍ ورائح، فإذا حصل الانقياد والطاعة من هذه فمن الذي يتركب عليهما بطريق الأولى.
ومعنى انقياد السمع: قبول سماع الحق، والإعراض عن سماع الباطل، وأما انقياد البصر: النظر إلى كل ما ليس فيه حرمة، وأما انقياد المخ والعظم والعصب: انقياد باطنه كانقياد ظاهره؛ لأن الباطن إذا لم يوافق الظاهر لا يكون انقياد الظاهر مفيداً معتبراً، وانقياد الباطن عبارة عن تصفيته عن دنس الشرك والنفاق، وتزيينه بالإخلاص والعلم والحكمة.
قوله: (وما استقلت به قدمي) أي: جميع بدنه؛ فهو من عطف العام على الخاص.
«(سُبْحَانَ ذِي الجَبَرُوتِ، والـمَلَكُوتِ، والكِبْرِيَاءِ، والعَظَمَةِ)»
صحابي الحديث هو عوف بن مالك الأشجعي
قوله: (ذي الجبروت) الجبروت: من الجبر، وهو القهر، وهو من صفات الله تعالى ومنه الجابر؛ ومعناه: الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي.
قوله: (الملكوت) من الملك؛ ومعنى ذي الملكوت: صاحب ملاك كل شيء.
وصيغة الفعلوت للمبالغة.
قوله: (والكبرياء) أي: سبحان ذي الكبرياء؛ أي: العظمة والملك، وقيل: هي عبارة عن كمال الذات، وكمال الوجود، ولا يوصف بها إلا الله
دُعَاءُ الرَّفْع مِنَ الرُّكُوعِ
«(سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)»
صحابي الحديث هو أبو هريرة
«(رَبَّنا وَلَكَ الحَمْدُ، حَمْداً كَثيراً طَيِّباً مُبَاركاً فيهِ)»
صحابي الحديث هو رِفَاعة بن رافع الزُّرقي
وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث، على أن التسميع والتحميد يجمع بينهما الإمام والمأموم على السواء.
وأما قوله: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد)؛ فإنه لم يُسق لبيان ما يقول الإمام والمأموم في هذا الركن، بل لبيان أن تحميد المأموم إنما يكون بعد تسميع الإمام.
وقال النووي في (شرح مسلم): (وأنَّه يُستحب لكل مصلٍّ من إمام ومأموم ومنفرد؛ أن يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، ويجمع بينهما فيكون قوله: سمع الله لمن حمده في حال ارتفاعه، وقوله: ربنا ولك الحمد في حال اعتداله؛ لقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي)
قال المصحح: والصواب أن المأموم لا يجمع بين التسميع والتحميد، فإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده؛ فإن المأموم يقول: (ربنا ولك الحمد) قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في ترجيحه، لعدم قول المأموم سمع الله لمن حمده: ( فإذا قال قائل: ما الجواب عن قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقد كان يقول: (سمع الله لمن حمده) فالجواب على هذا سهل، وهو: أن قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) عام، وأما قوله: (وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)
فهذا خاص، والخاص يقضي على العام، فيكون المأموم مستثنى من هذا العموم؛ بالنسبة لقوله: (سمع الله لمن حمده)؛ فإنه يقول: (ربنا ولك الحمد) فقط
قوله: (سمع الله لمن حمده) أي: تقبل الله منه حمده. [واستجاب له].
وَضَع السمعَ موضع القَبولِ والإجابة للاشتراك بين القبول والسمع، والغرض من الدعاء القبول والإجابة.
قوله: (ربنا ولك الحمد) وفي رواية بلا (واو)، والأكثر على أنه بـ(واو) وكلاهما حسن، ثم قيل: هذه(الواو) زائدة، وقيل: عاطفة؛ تقديره: ربنا حمدناك ولك الحمد.
قال المصحح: قد ثبت عن النبي في الذكر بعد الرفع من الركوع أربعة أنواع على النحو الآتي:
النوع الأول: (ربنا لك الحمد)
النوع الثاني: (ربنا ولك الحمد)
النوع الثالث: (اللهم ربنا لك الحمد)
النوع الرابع: (اللهم ربنا ولك الحمد)
والأفضل أن يقول كل نوع، فينوِّع: يقول: هذا تارة، وهذا تارة، وهذا تارة، وهذا تارة
قوله: (ربنا ولك الحمد) الحمد: وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم
قوله: (طيباً) أي: خالصاً.
قوله: (مباركاً) أي: متزايداً.
«(مِلْءَ السَّمَوَات ومِلءَ الأرضِ ومَا بَيْنَهُما، ومِلْء ما شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّناءِ والـمَجْدِ، أحَقُّ ما قَالَ العَبْدُ، وكُلُّنا لَكَ عَبْدٌ، اللهُمَّ لا مَانِعَ لِـمَا أعْطَيتَ، ولا مُعْطِي لِـمَا مَنَعْتَ، ولا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ)»
صحابي الحديث هو أبو سعيد الخدري
قوله: (ملء السموات وملء الأرض وما بينهما) إشارة إلى الاعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استفراغ المجهود فيه.
قال الخطابي – رحمه الله -: (هذا الكلام تمثيل وتقريب، والكلام لا يقدر بالمكاييل، ولا تسعه الأوعية، وإنما المراد منه تكثير العدد، حتى لو يقدر أن تكون تلك الكلمات أجساماً تملأ الأماكن، لبلغت من كثرتها ما يملأ السموات والأرض).
قوله: (وملء ما شئت من شيء بعد) هذه إشارة إلى أن حمد الله أعز من أن يدخل فيه الحسبان، أو يكتنفه الزمان والمكان؛ فأحال الأمر فيه على المشيئة، وليس وراء ذلك للحمد منتهى، ولم ينته أحد من خلق الله في الحمد مبلغه ومنتهاه، وبهذه الرتبة استحق نبينا أن يسمى أحمد؛ لأنه كان أحمد ممن سواه.
قوله: (أهل الثناء) والثناء: هو الوصف الجميل والمدح.
قوله: (والمجد) أي: العظمة، ونهاية الشرف، يقال: رجلٌ ماجدٌ، منضال كثيرُ الخيرِ شريفٌ، والمجيد: فعيل، للمبالغة، ومنه سُمي الله مجيداً.
وقوله: (وكلنا لك عبد) اعتراف بالعبودية لله تعالى وأنه المالك لنا.
وكون هذا أحق ما يقوله العبد؛ لأن فيه التفويض إلى الله تعالى، والإذعان له، والاعتراف بوحدانيته.
قوله: (ولا ينفع ذا الجَد منك الجد) أي: لا ينفع الغنى صاحبَ الغنى منك غناه، وإنما ينفعه العمل بطاعتك.
والجد في اللغة الحظ، والسعادة، والغنى، ومنه (تعالى جدك)؛ أي: علت عظمتك، ويجيء بمعنى أب الأب.
- التصنيف:
- المصدر: