شماعة ضغوط الحياة

منذ 2024-11-12

أتحدث في هذه المقالة عن كلمة حقٍّ أحيانًا يُراد بها باطلٌ أحيانًا أخرى، وهذا كثير جدًّا، وقد انتشرت كثيرًا، وأصبحت لِباسَ زُورٍ يُخفي عيوبًا؛ ولذا وجب التنبيه إلى خطورته وعلاجه

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فأتحدث في هذه المقالة عن كلمة حقٍّ أحيانًا يُراد بها باطلٌ أحيانًا أخرى، وهذا كثير جدًّا، وقد انتشرت كثيرًا، وأصبحت لِباسَ زُورٍ يُخفي عيوبًا؛ ولذا وجب التنبيه إلى خطورته وعلاجه، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: يُلحظ أن كلَّ من أراد تبريرَ تصرُّفٍ أو عمل سيئ، أو غير مناسب أو معصية، أرجع السبب لِما يسمى بـ(ضغوط الحياة) مثلًا:

1- الذي يسرق يقول: دفعتني ضغوط الحياة.

 

2- والذي يشرب الدخان يُبرِّره بها.

 

3- والذي يدافع عن نفسه لتبرير خطأ سابق يبرره بضغوط الحياة.

 

4- والذي يبرر فشله في الدراسة أو العمل أو التجارة يبرره بضغوط الحياة.

 

5- كذلك الذي يفشل في حياته الزوجية وربما طلَّق يبرره بضغوط الحياة، وهكذا...

 

ثانيًا: والصحيح أن هؤلاء جميعًا يُخفُون أسبابًا حقيقية لإخفاقاتهم، وجعلوا ضغوط الحياة شمَّاعة لتعليق كل السلبيات عليها.

 

ثالثًا: ولا ننكر وجودَ ضغوط حياة على بعض الناس، وهذه سُنَّةُ الله في الحياة، والواجب هنا هو الصبر واحتساب الأجر، وليس التعلُّق بقشَّة ضغوط الحياة؛ قال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].

 

رابعًا: ولكن الأغلبية يتهرَّبون من ذكر الأسباب الحقيقية حتى لا يُفتضحون وينقص قدرهم، وإلا فما دَخْلُ ضغوط الحياة بشرب الخمر أو الدخان، أو العقوق أو الظلم أو السرقة؟

 

خامسًا: والسبب الحقيقي لهذه المآسي كلها هو:

1- ضعف الإيمان.

2- وضعف التربية.

3- والجلساء.

4- وضعف الشخصية.

5- والغضب.

6- واتباع الهوى.

7- والتساهل بالكذب.

8- والرغبة في تحقيق مقاصد وفي دفع مثالب.

 

سادسًا: والحل ليس هو التبريرات غير المنطقية، وإنما بالآتي:

1- مكاشفة النفس لمعرفة مكمن الخلل وعلاجه.

2- والمحافظة على الطاعات خاصة الصلاة.

3- والدعاء.

4- والمجاهدة على تصحيح الأخطاء.

5- وتقوية الإيمان، خاصة الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى، والعمل بمقتضاها من تعظيم لله ولحرماته سبحانه ومراقبته.

6- تقوية الإيمان بالقَدَرِ وأن الكذب لن يرُدَّ قدرًا.

7- وتقوية التوكل على الله سبحانه.

8- لزوم الصدق واليقين بأن كل الخير فيه، وأن الكذب معصية ومحقٌ للبركة.

 

سابعًا: ومن العجيب جدًّا جدًّا انطلاء هذه المبررات الوهميَّة على البعض، وتصديقهم لها دون تثبُّت؛ مثلًا: يتقدم رجل للزواج فيُبرر أخطاءه السابقة مع زوجته السابقة، أو معاصيه السابقة بضغوط الحياة، وبعض الناس يُصدِّقون ولا يتثبتون.

 

ثامنًا: فكم جنيتِ يا شماعة ضغوط الحياة! وكم أخفيتِ من مساوئ! وكم خدعتِ من رجال عقلاء! حقًّا إنكِ سحر يبهت العقول، وحلُّ هذا السحر هو العمل بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].

 

حفظكم الله، وأعاذكم من الخداع للنفس، وللناس، ومن الانخداع بمعسول كلام المخادعين، وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

____________________________________________________
الكاتب: الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل