{ وترجون من الله ما لا يرجون }

منذ 2024-11-15

قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104].

قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104].

 

معنى الوهن لغةً:

الوَهْنُ: الضعف في العمل والأمر وفي الأشياء، وكذلك في العظم ونحوه، تقول: قد وَهَنَ العَظْمُ يَهِنُ وَهْنًا وأوهَنَهُ يُوهِنُه، ورجل واهِنٌ في الأمر والعمل، وموهون في العظم والبدن، وقد وَهَنَ الإنسان، ووَهَنَهُ غيرُه؛ [ (مقاييس اللغة لابن فارس 6/149، لسان العرب لابن منظور 13 /453) ].

 

معنى الوهن اصطلاحًا:

الوَهْنُ والوَهَنُ – محرَّكةً - الضعف في العمل، وقيل: الضعف من حيث الخَلْق والخُلُق؛ [ (ينظر: المفردات للراغب، ص: 887) ].

 

وقيل: الوهن: استيلاء الخوف على الناس.

 

وقيل: الوهن: ضعف يلحَقُ القلب، والضعف مطلقًا: اختلال القوة الجسمية؛ [ٍ (ينظر: غرائب القرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري 2 /274) ].

 

والوهن في اللغة العربية الضعف، سواء أكان ماديًّا أم معنويًّا، وسواء أكان في الفرد أم في المجتمع، من: وَهَنَ يَهِنُ وَهنًا؛ أي ضعُف، ويُقال: وَهَنَ عَظْمُهُ، واسم التفضيل "أوهن"، ويقال: وَهَنَ الرجل؛ أي: جبُن عن لقاء عدوه، وهذا داخل في الضعف.

 

ذِكْرُ الوهن في القرآن:

وقد استعمل القرآن الكريم هذا المعنى في عدة آيات؛ فقال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4]، وقال تعالى: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: 146]، وقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء: 104]؛ أي: لا تجبُنوا، وقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: 14]، وقال عز وجل: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت: 41].

 

الوهن سلوكٌ وخُلُقٌ مذموم قد يعتري النفس البشرية، وقد يكون وهنًا عارضًا، أو صفةً وطبعًا ملازمًا في جِبْلَةِ بعض الأفراد، أو مكتسبًا من البيئة المحيطة، والوهن هو الضعف في العمل والأمر، وكذلك في العَظْمِ ونحوه، تقول: قد وهن العظم يَهِنُ وَهْنًا وأَوْهَنَهُ يُوهِنُه، ورجل واهنٌ في الأمر والعمل، وموهون في العظم والبدن، وقد وهن الإنسان، ووَهَنَهُ غيره، يتعدى ولا يتعدى، ووهن – أيضًا – وهنًا؛ أي: ضعُف، وأوهنتُه – أيضًا - ووهَّنْتُه توهينًا.

 

ما قيل في الوهن:

وقيل: الوهن: ضعف يلحق القلب، والضعف مطلقًا اختلال القوة الجسمية.

 

وقال الفيروزآبادي: "الوَهْنُ والوَهَنُ – محرَّكة - الضعف في العمل، وقيل: الضعف من حيث الخَلْق والخُلُق".

 

وقال ابن حبان: "من شِيَمِ الأحمق: العَجَلَة والخِفَّة، والعجز والفجور، والجهل والمقت والوهن".

 

- وقال ابن القيم: "أصلُ الشر من ضعف الإدراك، وضعف النفس ودناءتها، وأصل الخير من كمال الإدراك، وقوة النفس وشرفها وشجاعتها".

 

- وقال محمد الخضر حسين: "المؤمن الذي يرجو الحق، ويعيش له، ويُعِدُّ نفسه لإعلانه ونصرته، يجب أن يكون من أبعد الناس عن الوهن في سبيله".

 

وقال أبو هلال العسكري في الفرق بين الوهن والضعف:

"إن الضعف ضد القوة، وهو من فِعْلِ الله تعالى، كما أن القوة من فِعْلِ الله، تقول: خلقه الله ضعيفًا، أو خلقه قويًّا؛ وفي القرآن: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، والوهن: هو أن يفعل الإنسان فعل الضعيف، تقول: وهن في الأمر يَهِنُ وهنًا، وهو واهن إذا أخذ فيه أخذ الضعيف؛ ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران: 139]؛ أي: لا تفعلوا أفعال الضعفاء وأنتم أقوياء على ما تطلبونه بتذليل الله إياه لكم".

 

ذمُّ الوهن في القرآن:

ورد في القرآن ذمُّ الوهن، ومدح المؤمنين بنفي صفة الوهن عنهم؛ إذ قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]؛ قال البيضاوي في تفسير الآية: "{فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا} [آل عمران: 146]؛ أي: فما فتروا ولم ينكسر جَدُّهم لِما أصابهم من قتل النبي أو بعضهم، وما ضعُفوا عن العدو أو في الدين، وما استكانوا وما خضعوا للعدو.

 

ويقول تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35].

 

وقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].

 

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "قال الله تعالى مسلِّيًا للمؤمنين: {وَلَا تَهِنُوا} [آل عمران: 139]؛ أي: لا تضعفوا بسبب ما جرى، {وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]؛ أي: العاقبة والنُّصرة لكم أيها المؤمنون".

 

تحذير الرسول من الوهن:

كما حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الركون للدنيا، وما يجلب من الوهن والذل؛ فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «يُوشِكُ الأُمَمُ أن تداعى عليكم، كما تداعى الأَكَلَةُ إلى قصعتها» ، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غُثاء كغُثاء السَّيل، ولينزِعنَّ الله من صدور عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ الله في قلوبكم الوهن» ، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حبُّ الدنيا، وكراهية الموت» )).

 

خلاصة تفسير الآية:

يقول ابن كثير (ت: 774 ه): قال تعالى: "{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104] وقوله... وقوله: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} [النساء: 104]؛ أي: لا تضعفوا في طلب عدوكم، بل جِدُّوا فيهم وقاتلوهم، واقعُدُوا لهم كلَّ مرصد: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء: 104]؛ أي: كما يُصيبكم الجراح والقتل، كذلك يحصل لهم... كما قال: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران: 140]، ثم قال: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104]؛ أي: أنتم وإياهم سواء فيما يُصيبكم وإياهم من الجِراح والآلام، ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة... والتأييد، وهم لا يرجون شيئًا من ذلك، فأنتم أولَى بالجهاد منهم، وأشدُّ رغبةً في إقامة كلمة الله وإعلائها، {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104]؛ أي: هو أعلم وأحكم فيما يُقدِّره ويقضيه، ويُنفِذه ويُمضيه، من أحكامه الكونية.

 

قوله تعالى: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104] قيل: فيه وجهان: أحدهما: ما وعدكم الله من النصر إذا نصرتم دينه، والآخر ثواب الآخرة ونعيم الجنة؛ فدواعي المسلمين على التصبُّر على القتال واحتمال ألم الجراح أكثر من دواعي الكفار.

 

وقيل فيه: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104]: تُؤمِّلون من ثواب الله ما لا يؤملون؛ رُوِيَ ذلك عن الحسن وقتادة وابن جريج.

 

وقال آخرون: وتخافون من الله ما لا يخافون؛ كما قال تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13]؛ يعني: لا تخافون لله عظمةً".

 

سبب نزول الآية:

قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} [النساء: 104]؛ الآية، سبب نزولها أن أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا يوم أُحُدٍ بَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفةً في آثارهم، فشكَوا ألمَ الجراحات؛ فقال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا} [النساء: 104]؛ أي: لا تضعفوا {ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} [النساء: 104] في طلب أبي سفيان وأصحابه، {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} [النساء: 104] تتوجعون من الجراح، {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ} [النساء: 104]؛ أي: يتوجعون؛ يعني: الكفار، {كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104]؛ أي: وأنتم مع ذلك تأمُلون من الأجر والثواب في الآخرة، والنصر في الدنيا ما لا يرجون، وقال بعض المفسرين: المراد بالرجاء الخوف؛ لأن كل راجٍ خائفٌ ألَّا يدرك مأموله.

 

ومعنى الآية: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ} [النساء: 104]؛ أي: تخافون من الله أي: تخافون من عذاب الله ما لا يخافون؛ قال الفرَّاء رحمه الله: "ولا يكون الرجاء بمعنى الخوف إلا مع الجحد؛ كقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية: 14]؛ أي: لا يخافون، وقال تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13]؛ أي: لا تخافون لله عظمته، ولا يجوز: رجوتك بمعنى: خِفْتُك، ولا خفتك وأنت تريد رجوتك، {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104].

 

وقد نهانا الله عن الوهن في قتال الأعداء، مهما كان الألم الذي أصابنا في جهادهم: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104].

 

قال الشاعر:

تالله ما الدعوات تُهزَم بـــــالأذى   **   أبدًا وفي التاريخ برُّ يمينــــــــي 

ضَعْ في يدي القيد ألْهِبْ أضْلُعي   **   بالسَّوط ضَعْ عنقي على السكينِ 

لن تستطيع حصار فكري ساعـة   **   أو نزع إيماني ونور يقينــــــــــي 

فالنور في قلبي وقلبي في يدي   **   وربي حافظي ومعينـــــــــــــــي 

سأظل معتصمًا بحبل عقيدتــي   **   وأموت مبتسمًا ليحيا دينــــــــي 

 

وقد قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} [آل عمران: 139]: "أي: لا تضعفوا ولا تجبنوا يا أصحاب محمد عن جهاد أعدائكم لما أصابكم".

 

مفهوم الوهن بشكل عام:

وهن سياسي وعسكري، وصناعي وعلمي نعاني منه اليوم، وخاصة عندما تكون قويًّا وتعمل عمل الضعفاء لوهنٍ فيك، والوهن هو أن يفعل الإنسان فعل الضعيف وهو قوي في نفسه؛ إذ قد يكون الوهن جبنًا بعد شجاعة، أو فتورًا بعد عزيمة، أو توانيًا بعد هِمَّة، أو اختلالًا بعد إحكام؛ إلخ.

 

والوهن يكون من فعل الإنسان وتصرف منه؛ قال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، ويكون مِن فِعْلِ الله تعالى لإضعاف كيد الكافرين؛ قال الله تعالى: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: 18].

 

من صور الوهن وأنواعه:

1- الوهن والضعف في طلب العلم وتحصيله.

2- الوهن والضعف في الدعوة إلى الله.

3- الوهن والضعف عن الجهاد في سبيل الله.

 

قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104].

 

قال محمد الخضر حسين: "أرشدهم الله إلى أنهم بما يرجون من إقامة الحق ومعونة الله عليه، ينبغي لهم أن يكونوا أبعدَ من أعداء الحق عن الوهن والضعف؛ ولذلك تسلَّط علينا الشرق والغرب اليوم، وما ترك قومٌ الجهادَ إلا ذلُّوا".

 

4- الوهن والضعف في العبادة؛ في الصلاة والصيام والزكاة، وسائر العبادات، تُؤدَّى بشكل ضعيف بعيدٍ عن الإحسان والإتقان فيها، وفي أركانها وشروطها وخشوعها.

 

5- الوهن والضعف عن أداء الأعمال الدنيوية النافعة.

في العلوم الدنيوية والسياسية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية وغيرها، فكلُّ ما نملِك اليوم من الغرب لا يَدَ لنا فيه، ولا ناقة لنا ولا جمل كما يُقال.

 

6- فرِح البعض لحال المسلمين ومُصابهم؛ فقمة الوهن والضعف أيضًا فَرَحُ المسلم لقتل أخيه المسلم على يد اليهود؛ قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35، 36].

 

فنقول لإخواننا في غزة أرض العزة: خذلناكم ولكن الله ناصركم، فيا أهل غزةَ:

أيقظتم التاريخ بعد رقــــــــاده   **   فعاد إلى أمجاده يتذكَّــــــــــرُ 

فهذا صلاح الدين يحمل سيفه   **   تسيل دماء الكفر منه وتَقْطُـــرُ 

فعادت لنا حطِّين بعد غيابهـــا   **   وعادت إلى الأذهان بدرٌ وخيبرُ 

 

من أسباب الوهن:

1- ضعف الإيمان؛ فهو سبب لاستمراء الهوان، والرضا بالذل، وكذلك الوقوع في المعاصي.

رأيت الذنوب تُميت القلوب   **   وقد يُورِث الذلَّ إدمانُها 

وتَرْكُ الذنوب حياة القلـوب   **   وخير لنفسك عصيانهــا 

 

2- حب الدنيا والتعلُّق بها والحرص عليها، والانغماس في ملذاتها وشهواتها، وجمعها من الحلال ومن الحرام، كلُّ ذلك يولِّد الوهن في القلب؛ لذا لما سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوهن قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت)).

 

3- كراهية الموت، والحرص على حياة، أيَّ حياة كانت، حتى لو غُمِست بذُلٍّ، وكُسِيَت بعارٍ، وهذه صفة من صفات اليهود الأذِلَّة، ومن اتصف بها كان مشابهًا لهم فيها؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ﴾ [البقرة: 96].

 

4- التنازع والاختلاف سبب قويٌّ من أسباب بثِّ الوهن والضعف في قلب الأمة، وتفرُّق العلماء والأمراء شَذَرَ مَذَرَ، فانعكس على حال الناس اليوم.

 

5- التربية السيئة، والتنشئة الخاطئة، على الرضا بالذل والضعف والوهن، واستجلاب التربية الغربية بتسمياتها المتعددة، وغرس أفكار مخالفة للدين، ولصق الإرهاب بالدين ومن يتمسك به، وكذلك إلصاق الرجعية والتخلف بالدين، ومن يدعو له وغيرها من الأفكار.

 

6- اليأس من الوضع المرير الذي تعيشه الأُمَّة، والقنوط من واقعها من الأسباب التي تؤدي إلى وهن العزائم وضعف الهِمَمِ.

 

7- مصاحبة المخذِّلين، والاستماع للمُرجِفين الذين يبثُّون الوهن والضعف في نفوس الأمة، وأن لا طاقة لنا بالغرب...؛ [رابط المادة بتصرف: http://iswy.co/e282br].

 

عواقب الوهن وآثاره:

1- سبب لتسلُّط العدو على الأمة وتكالبه عليها، وإذلالها، ونهب خيراتها، والتعرض لمقدساتها، وما يحصل في غزة ولبنان خير دليلٍ.

 

2- الوهن يقتل الغَيرة، ويهوِّن أمرها، ويسهِّل هَتْكَ الأعراض، واغتصاب الحقوق، والتعدي على الحرمات والأموال، ولا تجد أحدًا يقاوم ويمانع، وينصر المظلوم من الظالم.

 

3- سبب في ضياع الأمة وتشرذُمها وذهاب رِيحها، وتفرُّق أبنائها، واختلاف قادتها وعلمائها، فانعكس على واقع الأمة، فضعفت أمام الآخَر.

 

4- الوهن سبب لدمار الأرض، وخرابها، وإهلاك الحرث والنسل؛ وذلك بسبب تسلُّط المتجبرين وطغيانهم.

 

علاج الوهن:

1- الرجوع إلى الدين من منبعه الصافي ونشره وتعليمه؛ كل واحد حسب استطاعته، ومن مكانه، دون إفراط أو تفريط، والمساهمة في صناعة جيل النهضة المتربي على العقيدة الصحيحة.

 

2- جمع كلمة الأُمَّة، وتوحيد كلمة الأمراء والعلماء، عندها يكون لنا شأن آخر.

 

3- التضحية والبذل للغالي والرخيص من أجل حماية الأمة الإسلامية ومقدساتها كحال إخواننا في غزة.

 

4- الاستعداد وبذل الوسع من أجل تغيير واقع الأمة الإسلامية إلى الأفضل.

 

قال الشاعر:

تأهَّب مثل أهبة ذي كفـــاح   **   فإن الأمر جلَّ عن التلاحــــي 

سألبَس ثوبها وأذود عنهـــا   **   بأطراف الأسِنَّة والصِّفـــــــاحِ 

أتتركنا وقد كثرت علينـــــا   **   ذئابُ الكفر تأكل من جناحي؟ 

فأين الحرُّ من أبناء دينـــي   **   يذود عن الحرائر بالســــلاحِ؟ 

وخيرٌ من حياة الذل مـوتٌ   **   وبعض العار لا يمحوه مـــاحِ 

 

5- الاهتمام بأمر المسلمين في كل مكان؛ فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشُدُّ بعضه بعضًا.

 

6-النهضة الحضارية والعلمية في شتى المجالات، والاهتمام بهذا الجانب من الجميع، وتقليل الفجوة بيننا وبين الغرب، خاصة في مجال التصنيع والتطوير، والتحديث والبحث العلمي، بغير ذلك نكون عالة ضعفاء.

 

وبالله التوفيق.