وما تزال أقلامهم عاجزة..!

منذ 2012-02-17

حمزة كاشغري (إحصائية لتعامل الصحف مع قضية كاشغري) <br> بالأمس: أثبتنا لكم أن غالب كُتَّاب صحافتنا المحلية لا يهتمون بأمن الوطن وقضاياه الكُلية، واليوم نثبت لكم أن غالب كُتَّاب صحافتنا المحلية...!



الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فإن مجتمعنا كغيره من المجتمعات تمر به أحداثٌ ومواقفُ مختلفةٌ وعلى أصعدةٍ متنوعةٍ، ونتيجة لتلك المواقف والأحداث يحدث الحراك الثقافي والتفاعل الاجتماعي الذي يقوي أو يضعف بحسب أهمية تلك المواقف وعلاقتها بثوابت الأمة وقضايا المجتمع الكلية وأولوياته الأساسية.

وبما أننا مجتمع مسلم نعيش في حكم دولة مسلمة جعلت من القرآن والسنة منهجاً ودستوراً لها فإن أهم المهمات ورأس الأولويات هي تلك القضايا التي تتعلق بمقدساتنا الدينية سواء ما كان يتعلق منها بالذات الإلهية، وبكلام رب البريَّة، أو ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم والسنة النبوية ومحكمات الشريعة، وعليه فإن تفاعلنا مع القضايا التي تتعلق بالدين ينبغي أن يكون أقوى وأعظم من تفاعلنا مع القضايا الأخرى، التي لا تحظى بنفس الدرجة من الأهمية.

وكلنا تابع الحدث الأبرز والأهم في الأسبوع المنصرم المتمثل في إساءة المدعو: حمزة كاشغري لذات الله عز وجل وتنقصه لجناب النبي صلى الله عليه وسلم بعبارات نابية تفوح منها رائحة الإلحاد، وكنتيجةٍ طبيعيةٍ تفاعل المجتمع بكافة أطيافه استنكاراً واستهجاناً لهذا الموقف المقيت..

فرأينا الغيرة الصادقة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم من الصغار والكبار والعامة والمثقفين وطلبة العلم والعلماء والمسؤولين ومِن كل مَن في قلبه حب صادق له عليه الصلاة والسلام، وهذا ليس بمستغربٍ على هذا المجتمع المتدين المتمسك بتعاليم الإسلام والغيور على مقدساته.

واستجابة للحراك الشعبي الواسع المتمثل في الإنكار لهذا الموقف بالخطابات والمقالات، والتغريدات والبرقيات، تفاعلت الجهات الرسمية، التي هي رأس الهرم الديني والسياسي في بلادنا المباركة، فصدر قرار ملكي من خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله- يأمر بإلقاء القبض فورًا على السفيه المتطاول على النبي صلى الله عليه وسلم وإحالته للجهات المختصة لمحاكمته شرعا، وهذا ليس بمستغرب من خادم الحرمين الشريفين، وهو الذي أقسم عند توليه الحكم أن يكون القرآن منهجه والإسلام دستوره، فكيف يرضى بأن يُنتَقَص منهما؟

وكذلك أصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء بياناً يوضح الحكم الشرعي في حالة هذا المتطاول، ووجوب محاكمته على جريمته، ومع هذا الحراك الإيجابي على المستوى الشعبي والرسمي إلا أننا نجد عدداً من الأفراد القلائل دافعوا عن حمزة كاشغري ووصفوا موقفه بحرية التعبير، وأوجدوا له العديد من المبررات, وعلى كل حالٍ فآراؤهم هذه تمثلهم شخصياً..! لكن العجب أن مؤسسةً رسميةً كان ينبغي عليها أن تتبنى الموقف الرسمي لولي الأمر نجدها تعرض تماماً عن هذا الحدث، وتتجاهله كأنه لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد.

أيها الفضلاء: إن من أهم وظائف الصحافة تعبيرها عن ثوابت الأمة، وثقافتها وقضاياها الصادقة والأصيلة، فهل يا ترى صحافتنا المحلية تقوم بهذه الوظيفة المهمة؟! جاء ضمن مواد السياسة الإعلامية في المملكة والتي تعبر عن المبادئ والأهداف التي يرتكز عليها الإعلام ويتطلبها ما يلي:

(يعمل الإعلام السعودي على مناهضة التيارات الهدامة، والاتجاهات الإلحادية والفلسفات المعادية، ومحاولات صرف المسلمين عن عقيدتهم, ويكشف زيفها ويبرز خطرها على الأفراد والمجتمعات, والتصدي للتحديات الإعلامية المعادية بما يتفق مع السياسة العامة للدولة).

فهل يا ترى صحافتنا المحلية -وهي جزء من الإعلام- تعمل لتحقيق هذا الهدف؟!
إن أكثر القراء والمثقفين والمطَّلعين على قضايا الرأي العام رأوا التفاعل مع هذا الموضوع المهم على كافة الأصعدة، ولكن لم نلمس ولو عشر معشاره في صحفنا المحلية، حيث تجاهل العديد من كُتَّابها الكتابة في هذا الموضوع أو الإشارة إليه خلال الأيام الماضية.

ولإثبات ذلك قمت برصدٍ لجميع المقالات الصحفية لبعض الصحف التي تحظى بشريحة واسعة من القُرَّاء في المملكة العربية السعودية وتلك الصحف هي: ( عكاظ , الرياض , الجزيرة ) خلال أسبوع كامل ابتداء من السبت الموافق 12/ 3/ 1433 ه إلى يوم الخميس 17/3 /1433هـ وهي الفترة التي واكبت هذا الحدث, وانتهيت إلى الإحصائية التالية:

* عدد المقالات التي صدرت في صحيفة عكاظ خلال هذا الأسبوع (149) مقالاً اطلعت عليها كاملةً.
* عدد المقالات التي صدرت في صحيفة الرياض خلال هذا الأسبوع (106) مقالات اطلعت عليها كاملةً.

* عدد المقالات التي اطلعت عليها في صحيفة الجزيرة خلال هذا الأسبوع (58) مقالاً.
وعليه يصبح عدد المقالات التي كُتِبت في هذه الصحف الثلاث واطلعت عليها (313) مقالاً.
* عدد الكُتَّاب الذين كتبوا في صحيفة عكاظ (98) كاتباً.
* عدد الكُتَّاب الذين كتبوا في صحيفة الرياض (76) كاتباً.
* عدد الكُتَّاب الذين كتبوا في صحيفة الجزيرة (30) كاتباً.
وعليه يصبح عدد الكُتِّاب الذين كتبوا في هذه الصحف الثلاث (204) كاتبًا.

الذي أذهلني -أيها الإخوة- أن هذه المئات من المقالات لم يتعرض منها إلَّا مقالٌ واحدٌ لموضوع الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك لم يوجد من بين هؤلاء الكُتَّاب جميعهم من أشار ولو مجرد إشارة يعبر فيها عن استنكاره لما حدث غير كاتب واحد في صحيفة الجزيرة هو الكاتب محمد عبد اللطيف آل الشيخ ويشكر له ذلك!

ألهذه الدرجة بلغ تجاهل كُتَّاب الصحف لمقدساتنا، وأهمية الحفاظ عليها والدفاع عنها؟!
قد يدَّعي البعض أن له وجهة نظر خاصة حول الكتابة عن هذا الكاتب الذي تجاوز الخطوط الحمراء، وقد نختلف معه حول وجهة نظره تلك، لكن الذي ينبغي أن يتفق عليه الجميع هو وجوب الدفاع عن جناب النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان خطأ من تطاول عليه ولو لم يذكر اسمه أو يحدد موقفه تجاهه.

فأين الحديث في صحفنا عن مكانة مقدساتنا الإسلامية، وعدم جواز التعدي عليها؟
إن مما يؤسف له أنني وجدت أولئك الكُتَّاب الذين كتبوا في تلك الصحف خلال هذا الأسبوع كتبوا في مواضيع متنوعة، بل بعضهم له عمود يومي يكتب فيه، ولم يتطرقوا لشيء عن النبي صلى الله عليه وسلم, بل وجدت بعضهم كتب في مواضيع تافهة لا تستحق الحديث عنها أبدًا.

وبعضهم كتب في قضايا لا تمس واقع الناس ولا واقع المجتمع.
ألم يفكر أحد من هؤلاء أن يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويستنكر هذا التطاول إن كان يحبه فعلا؟! ألم يكن من واجب رؤساء تحرير تلك الصحف أن يوعزوا لبعض الكُتَّاب أن يكتبوا في هذا الأمر، ويبينوا موقف الصحيفة, لنرى منهم هبَّة جماعية منظمة كالتي رأيناها على معالي الشيخ سعد الشثري -حفظه الله- عندما تحدث عن جامعة (كاوست) فكُتِب عنه خلال أيام ما يقارب (30) مقالاً.

لماذا رأينا هجوماً كاسحاً على الأستاذ صالح الشيحي، عندما كتب تغريدته الشهيرة عن ملتقى المثقفين في فندق ماريوت؟ فقامت قائمة المثقفين وظهرت الحَمِيَّة للأعراض والدفاع عن لحوم الناس حتى قال أحدهم: "أخ صالح: خرجت تهمتك عن الحدود، فإما أن تثبت وإما أن تنتظر دعوى قضائية بتهمة القذف فاعتذر قبل أن تصل إلى هناك!"

وقال آخر: "أن يقفز النقد فوق أهدافه وآدابه، ويصل إلى مرحلة القذف والتشويه، هذا هو الخزي" أليس الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى؟! أليست الحمية لعرض النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة على من سواه؟!

بل تعجبون كثيراً عندما تعلمون أن البعض دافع عن الكاشغري في الهجوم الذي واجهه من الغيوريين، أكثر من دفاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم من تطاول الكاشغري عليه, فأظهر مساندته للكاشغري ولم يظهر مساندته لحرماتنا ومقدساتنا!

حتى قال أحدهم: "تويتر أصبح حفلة دم اقتلوه أعدموه اصلبوه، نرفض اعتذاره نرفض توبته ثم نزعم محبة الرسول وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم".

أيها الفضلاء: إن الدفاع عن مقدساتنا ليس من أجندة غالب مثقفينا وكُتَّاب صحفنا فيما يبدو..!
تأملوا موقفهم من الشيخ يوسف الأحمد -حفظه الله- عندما تسلَّطوا على كلامه بالتأويل وحملوه على غير وجهه، وقوَّلوه ما لم يقل، حين قال في حديثه عن الاختلاط إن هناك فتوى من اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- تفيد بأن الاختلاط في الطواف اختلاط محرم ثم قال: "ما المانع يا أخي أن يُهدم المسجد كاملاً ويبنى من جديد ليكون أضعاف أضعاف الموجود، فبدل أن يكون دائري وضخم وكبير, يكون عشرة أدوار, عشرين دور، ثلاثين دور, ويكون هناك مجموعة من الأدوار للنساء يتحقق به الطواف... الخ".

فتباكى عدد منهم على المقدسات..! كيف يقول الشيخ بهدم الحرم؟!
وتوالت الردود عليه مكتوبة ومرئية في عدد من وسائل الإعلام، وحجتهم في ذلك احترام المقدسات حتى أطلق بعضهم عليه "مفتي هدم الحرم".

فيا سبحان الله..! الشيخ لم يقل بهدم الحرم، ومع ذلك وُجِه بهجمة شديدة وشرسة, واليوم يتحدث حمزة كاشغري بكلام تتفطر له السماوات والأرض، ويسيء لمقدساتنا التي هي أعز علينا من أنفسنا، ويتنقص من ذات الله جل في علاه ومن جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم لا نجد من تباكى بالأمس وأظهر غيرته -المزعومة- لأجل المقدسات يكتب اليوم ولو حرفاً واحداً يتباكى فيه ويُظهر غَيرته على مقدساتنا فعلاً..!

الذي أستطيع قَولَهُ في ختام هذا المقال أن كُتَّاب صحافتنا المحلية فعلاً يغردون خارج السِّرب..
فقضايا الوطن الحقيقية لا تمثل لهم أمراً مهماً, وبإمكانكم الرجوع إلى مقال: (هل عجزت أقلامهم أم ماذا؟) لتقفوا على حقيقة اهتمام هؤلاء الكتبة بقضايا الوطن حين تعرض لثورة حنين الطائفية قبل أشهر تقريباً.

وها نحن نثبت اليوم أنهم كذلك لا يهتمون بالقضايا الدينية، التي يهتم بها مجتمعنا المسلم المحافظ على ثوابته وقيمه, فما تزال أقلامهم عاجزة..! وستبدي لنا الأيام القادمة معالم أخرى لصحافتنا المحلية، ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ.


مفرح الجابري