السودان وحقوق الجوار المفقودة

منذ يوم

وسط هذا الكمّ الهائل من التَّداعيات، اختار السودان أن يحمل مشعل الإسلام مرَّة أخرى، بصرف النَّظر عن الحالة الاقتصاديَّة والحرب السياسية، مقتدين في ذلك برسول الله - ﷺ - حينما حاصرَه الكفَّار لفترة طويلة ولَم يستسلم الرَّسول والَّذين معه..

أهمّيَّة الدعوة إلى الله أمرٌ ثابت ومتَّفق عليه، مع اختِلاف بين النَّاس في أسلوب الدَّعوة ومنهجيَّتها؛ ولذلك فإنَّ المسيح - عليه السلام - أرسله الله إلى بني إسرائيل؛ إلاَّ أنَّ المنتسبين إلى دينه اليوم بعد أن غُيِّر وبُدِّل، وصار شيئًا آخَر غير الَّذي أرسل به عيسى - عليه السلام - لَم يتوقَّفوا عند حدود بني إسرائيل، بل حملوا هذه الديانة الوثنيَّة إلى كثيرٍ من بقاع الأرض، بفضْل حملات التنصير، ولم يُنكر عليْهِم أحدٌ دعوتَهم، وإلى تاريخ اليوم هناك حملات التنصير المنتشِرة في إفريقيا بالذَّات، وحتَّى في جنوب السودان، وهم يتحرَّكون جهارًا نهارًا، وبصفةٍ رسميَّة تُباركها وتنفق عليها أفراد وحكومات.

 

ولكن عندما تحرَّك السودان لنشْر الإسلام في الأوساط غير الإسلاميَّة في إفريقيا، قامت الدنيا ولم تقعد، ومنذ دعوة (المهديَّة) التي استقرَّت في قلب إفريقيا قبل نهاية القرن التاسع عشر، ودعوة (رابح فضل الله) الَّتي اتَّجهت إلى غرب إفريقيا خلال نفس الفترة تقريبًا، وأصبح السودان مستهدفًا من كلّ أعداء الإسلام، لدرجة أنَّ بريطانيا الاستِعْماريَّة التي كانت حريصة على احتِلال أكبر قدْر من الدّول، أصدرتْ مرسومًا ملكيًّا باعتِبار السودان "أرضًا مستباحة" لِمن يُريد من دول أوربا، نعم .. إلى هذا الحدّ، فلم تعُدِ المسألة أماكنَ نفوذ أو خيرات تُنْهَب، ولكن استنفار جهود الجميع لوأْد الإسلام في إفريقيا، وقد تراجعتْ بريطانيا عن ذلك المرْسوم الملكي بعد ضرْب الحركات الإسلاميَّة مباشرة.

 

كان لا بدَّ من هذا الموجَز لنتمكَّن من فَهْم أبعاد المستجدَّات الَّتي نَراها على السَّاحة الدَّوليَّة الآن، كما أنَّنا في حاجةٍ إلى إلْقاء الضَّوء على الواقع الجغرافي للمنطقة ودول الجوار بالنسبة للسودان؛ وذلك لمعرفة مدى تأثير هذه الأمور على الدَّعوة الإسلاميَّة.

 

 

ومن عجائب هذا الزَّمن: أنَّ الأسماء تُطْلق على المسمَّيات حسب مزاج الأقْوى، فمثلاً الدَّعوة إلى الدين المسيحي اسمها (تبشير)، أمَّا الدَّعوة إلى الدّين الإسلامي فكان اسمها (الرجعيَّة)، والدّعاة كانوا يسمّونهم (دراويش)!

 

ثمَّ تطوَّرت الأحداث، فأصبحت الدَّعوة اسمها (سلفيَّة)، والدّعاة (متطرفين)، وأخيرًا استقرَّ الرَّأي على تسمية الدَّعوة (أصوليَّة) والدعاة (إرهابيّين)؛ لأنَّ المنطقة في هذه الأيَّام تُعاني من الإرهابيّين الحقيقيّين فعلاً، فأراد أعْداء الإسلام إلْصاق هذه الصِّفة المرْذولة بدعاة الإسلام كوسيلة من وسائل التَّنفير.

 

وفي وسط هذا الكمّ الهائل من التَّداعيات، اختار السودان أن يحمل مشعل الإسلام مرَّة أخرى، بصرف النَّظر عن الحالة الاقتصاديَّة والحرب السياسية، مقتدين في ذلك برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حينما حاصرَه الكفَّار لفترة طويلة في "شعب بني هاشم" حصارًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا، ولَم يستسلم الرَّسول والَّذين معه حتَّى بعث الله رجالا من مكَّة وقفوا في وجه الجبابرة، وفكّوا الحصار عن الدَّعوة الإسلاميَّة ورسولها ورجالها.

_____________________________________________
الكاتب: محيي الدين صالح