فضائل وآداب يوم الجمعة
موجـز: "فضائـل - آداب - سنـن - مكروهـات" يــوم الجمعـة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فنستطيع أن نوجز فضائل يوم الجمعة في الأمور التالية:
(1) يوم الجمعة عيد للمسلمين:
روى أبو داود عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مُجمعون»؛ (حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني، حديث 948).
وروى ابن ماجه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا يوم عيدٍ جعله الله للمسلمين، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، وإن كان طِيبٌ فليمَسَّ منه، وعليكم بالسواك»؛ (حديث حسن، صحيح ابن ماجه للألباني).
(2) يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع:
روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة»؛ (مسلم ج2 كتاب الجمعة حديث 18).
(3) يوم الجمعة كفَّارة للمعاصي:
روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلَّى ما قُدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه، غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام»؛ (مسلم حديث 857).
وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفِّرات ما بينهن إذا اجتُنب الكبائر»؛ (مسلم ج1 كتاب الطهارة حديث 16).
(4) الملائكة تكتب أسماء الحاضرين لصلاة الجمعة:
روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم الجمعة، كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طَوَوا الصحف، وجاؤوا يستمعون الذكر، ومثل الْمُهَجِّر كمثل الذي يُهدي البَدَنَة، ثم كالذي يهدي بقرةً، ثم كالذي يهدي الكبش، ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي البيضة»؛ (مسلم حديث 85).
(5) يوم الجمعة فيه ساعةُ إجابة للدعاء:
روى الطبراني عن أنس بن مالك قال: ((عُرضت الجمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء جبريل في كفِّه كالمرآة البيضاء في وسطها كالنكتة السوداء، فقال: ما هذه يا جبريل؟ قال: هذه الجمعة يعرضها عليك ربك؛ لتكون لك عيدًا ولقومك من بعدك، ولكم فيها خير تكون أنت الأول، ويكون اليهود والنصارى من بعدك، وفيها ساعة لا يدعو أحد ربه بخير هو له قسم إلا أعطاه، أو يتعوَّذ من شرٍّ إلا دفع عنه ما هو أعظم منه، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد))؛ (حديث صحيح، صحيح الترغيب للألباني، حديث 691).
روى أبو داود عن جابر بن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يوم الجمعة ثنتا عشرة - يريد ساعةً - لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئًا إلا أتاه الله عز وجل؛ فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر»؛ (حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني، حديث 926).
(6) يوم الجمعة أكمل الله تعالى لنا فيه الإسلام:
قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وكان ذلك يوم الجمعة عشية يوم عرفة في حجة الوداع، وذلك في العام العاشر من هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
آداب يوم الجمعة:
يوم الجمعة له سنن وآداب، نستطيع أن نوجزها في الأمور التالية:
(1) الاغتسال وارتداء أفضل الثياب:
روى البخاري عن سلمان الفارسي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهَّر ما استطاع من طُهر، ويدَّهن من دُهنه، أو يمَس من طِيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم يُنصت إذا تكلم الإمام؛ إلا غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى»؛ (البخاري حديث 883).
وروى الترمذي عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل»؛ (حديث صحيح، صحيح الترمذي للألباني، حديث 411).
♦ قال ابن قدامة: "الغسل يوم الجمعة ليس ذلك بواجب في قول أكثر أهل العلم.
قال الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم.
وهو قول الأوزاعي، والثوري، ومالك، والشافعي، وابن المنذر وأصحاب الرأي، وقيل: إن هذا إجماع.
قال ابن عبدالبر: أجمع علماء المسلمين قديمًا وحديثًا على أن غسل الجمعة ليس بفرض واجب؛ [المغني لابن قدامة بتحقيق التركي ج3 ص227 – 224].
وقت الاغتسال يوم الجمعة:
يبدأ غسل يوم الجمعة من بعد أذان الفجر؛ فمن اغتسل بعد الفجر أجزأه، ومن اغتسل قبل الفجر لم يجزئه، ومن اغتسل ثم أحدث، أجزأه الغسل وكفاه الوضوء؛ (المغني لابن قدامة ج3 ص227).
(2) الذهاب مبكرًا إلى المسجد:
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرَّب بَدَنةً، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرةً، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرنَ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجةً، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضةً، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر»؛ (البخاري حديث 881، مسلم حديث 85).
(3) قراءة سورة الكهف:
روى الحاكم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين»؛ (حديث صحيح، صحيح الترغيب للألباني، ج1، حديث 736).
(4) الإكثار من الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: «فيه ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو يصلي، يسأل الله شيئًا، إلا أعطاه إياه»؛ (مسلم حديث 852).
وروى أبو داود عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدم وفيه قُبض، وفيه النفخة وفيه الصعقة؛ فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليَّ» ، قال: قالوا: يا رسول الله، وكيف تُعرَض صلاتنا عليك وقد أرِمتَ – يقولون: بلِيت – فقال: «إن الله عز وجل حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء»؛ (حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني، حديث 925).
(5) قراءة سورة السجدة والإنسان في فجر يوم الجمعة:
من السُّنة في صلاة فجر يوم الجمعة قراءة سورة السجدة كاملة في الركعة الأولى، وقراءة سورة الإنسان كاملة في الركعة الثانية.
روى مسلم عن ابن عباس: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: الم تنزيل السجدة، وهل أتى على الإنسان حين من الدهر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين))؛ (مسلم حديث 879).
فائدة مهمة:
ما يقوم به كثير من الناس من قراءة بعض آيات من سورة السجدة، وبعض آيات من سورة الإنسان في الركعة الثانية، فهو بدعة مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام ابن تيمية: "لا ينبغي المداومة عليها - يقصد قراءة سورة السجدة والإنسان في فجر يوم الجمعة - بحيث يتوهم بعض الجهَّال أنها واجبة، وأن تاركها مسيء، بل ينبغي تركها أحيانًا لعدم وجوبها"؛ (زاد المعاد لابن القيم ج1 ص44).
صيام يوم الجمعة:
يُكره صوم يوم الجمعة منفردًا، إلا لمن وافق عادة له؛ كمن يصوم يومًا ويُفطر يومًا، أو كمن عادته صوم يوم عرفة، فوافق ذلك يوم جمعة؛ وذلك لوجود أحاديث تدل على استحبابه صيام هذه الأيام؛ (فتح الباري ج4 ص275).
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يومًا قبله أو بعده»؛ (البخاري حديث 1985، مسلم حديث 1144).
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم»؛ (مسلم ج2 كتاب الصيام حديث 148).
وروى البخاري عن أبي أيوب عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: «أصُمْتِ أمسِ»؟ قالت: لا، قال: «تريدين أن تصومي غدًا»؟ قالت: لا، قال: «فأفطري»؛ (البخاري حديث 1986).
♦ قال النووي في تعليقه على أحاديث النهي عن صوم يوم الجمعة منفردًا: "وفي هذه الأحاديث الدلالة الظاهرة لقول جمهور أصحاب الشافعي وموافقيهم، وأنه يُكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق عادةً له، فإن وصله بيوم قبله أو بعده، أو وافق عادةً له بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبدًا، فوافق يوم الجمعة لم يُكره؛ لهذه الأحاديث"؛ (مسلم بشرح النووي ج4 ص274).
♦ وقال ابن قدامة: (يُكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا أن يوافق ذلك صومًا كان يصومه، مثل من يصوم يومًا ويفطر يومًا، فيوافق صومه يوم الجمعة، ومن عادته صوم أول يوم من الشهر، أو آخره، أو يوم نصفه، ونحو ذلك"؛ (المغني لابن قدامة ج4 ص426، 427).
♦ قال ابن حجر العسقلاني: "ذهب جمهور العلماء إلى أن النهي فيه للتنزيه"؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني ج4 ص276).
الحكمة من النهي عن صوم يوم الجمعة:
قال النووي: "الحكمة في النهي عن صوم يوم الجمعة: أن يوم الجمعة يومُ دعاء وذكر وعبادة؛ من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها، واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها؛ لقول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الجمعة: 10]، وغير ذلك من العبادات في يومها، فاستُحب الفطر فيه، فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها، والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة، فإن السنة له الفطر كما سبق تقريره لهذه الحكمة"؛ (مسلم بشرح النووي ج4 ص274).
ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، ويجعله سبحانه في ميزان حسناتي يوم القيامة، كما أسأله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذا العمل طلاب العلم الكرام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
- التصنيف: