{وعاشروهن بالمعروف}

منذ 2025-01-28

قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة».

أيها المسلمون، مما جاء في وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وهو في آخر حياته عن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: «أَلا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ»؛ (رواه الترمذي وابن ماجه)، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

 

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «عَوَانٌ عِنْدَكُمْ» يَعْنِي: أَسْرَى فِي أَيْدِيكُمْ.

 

وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة»؛ (رواه أحمد وابن ماجه وحسَّنه الألباني).

 

بل وجاء في حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم»؛ (رواه أبو داود بإسناد صحيح).

 

إن المرأة في أصلها كائن ضعيف، لا تستطيع مغالبة الرجل ولا مدافعته، وهذا أصل تكوينها الخلقي والنفسي. فهي تهاب الرجل وتخشاه.

 

وهي في حاجة ماسَّة دائمة له، فهي لا تسافر إلا مع ذي مَحْرَم، ولا تحج ولا تعتمر إلا مع ذي مَحْرَم. كما في الحديث الصحيح في البخاري ومسلم عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ».

 

ولا يحق لها أن تكشف عن زينتها إلا لزوج أو ذي مَحْرَم.

 

ولا تتزوَّج إلا بإذن من وليِّ أمرها. ففي الحديث المشهور عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بوليٍّ»؛ (رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وصححه الألباني).

 

فإذا كان الله تعالى قد أعطى الرجل هذه الولاية على المرأة فلا يحق له أن يتعسف فيها ويظلم المرأة حقها في الزواج، أو الميراث، أو المال، أو حسن المعاملة.

 

فإن من أشدِّ الظلم الواقع على النساء اليوم منعهن من حقهن في الزواج كما أمر الله تعالى، والتحجُّج بحجج ما أنزل بها من سلطان، أو بحجج واهية ضعيفة.

 

منها الطمع في مالها إن كانت ذات مال من وظيفة أو غيرها.

 

ومنها ألَّا تتزوج إلا من جماعات معينة هم وحدهم كفؤ لها وبقية الناس أقل منها حسبًا ونسبًا، وتذهب حياة الفتاة وأيامها في انتظار هذا الكفء الذي لا يصل.

 

ومن ذلك مساومة المرأة في الزواج بين حقها في الزواج وبين أبنائها إن كانت أرملة أو مطلقة ذات عيال؛ فيضعها بين نارين: إما أن تتزوج وتترك أولادها فينشطر قلبها نصفين، أو تذعن وتترك حقها في الحياة وتتمسك بأبنائها، والله تعالى يقول: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232].

 

وكم من المستورات العفيفات التي يردهن حياؤهن وخوفهن على سمعة أهاليهن من أن يلجأن إلى المحاكم ليطالبن بحقهن الذي شرعه الله تعالى لهن.

 

هذا من جانب، ومن جانب آخر: سوء المعاملة التي تتعرض لها المرأة عند أهلها أو في بيت زوجها، فلا تعامل معاملة الكرام؛ بل هي بين ضرب وعفس وإهانة وقلة تقدير.

 

ولا يعلم من يفعل ذلك أنه يدفعها لبغضه وكراهيته، وربما دفعها إلى ما هو أبعد من ذلك، فإن شياطين الجن والإنس يزينون للمرء كل قبيح، ويبررون له كل فعل سيئ.

 

أيها المسلمون، إننا في عصر تغيرت فيه الأمور، وكثر فيه المؤثرون، وليست الأمور كلها تؤخذ بالشدة والقوة، فبدل العنف والقوة ليكن الاهتمام والعطف، والاقتراب منهن والاستماع لها، وأن تبنى جسور من الثقة والصداقة الحقيقية، حتى تغلق الباب على أي طارق يطرق بغير الحق والصلاح.

 

أيها المسلمون، لقد كرَّم الله سبحانه المرأة في كتابه فسَمَّى سورة كاملة باسم (سورة النساء)، وسمى سورة أخرى باسم السيدة مريم العذراء، وذكر في القرآن نماذج للمرأة الصالحة: أم موسى وأخته وزوجته، وزوجة فرعون، ومريم عليها السلام، وأنزل براءة عائشة رضي الله عنها في سورة النور، وأنزل آيات كثيرة في شأن النساء.

 

هذا في القرآن، أما في السنة فكثير من الأحاديث جاءت تنوه بفضل التعامل الحسن مع النساء، فمن ذلك ما جاء في صحيح البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخَلتْ عليَّ امرأةٌ ومعها ابنتانِ لها تَسأل، فلم تجدْ عندي شيئًا غيرَ تمرة واحدة، فأعطيتُها إياها، فقسَمتْها بين ابنتَيْها ولم تأكل منها، ثم قامتْ فخرَجتْ، فدخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم علينا، فأخبَرتُه، فقال: «مَن ابتُلي مِن هذه البنات بشيء فأحسَنَ إليهن، كنَّ له سِترًا من النار».

 

ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا علينا؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه، ولا تضرب».

 

أيها المسلمون، إن الرجل ليغضب أشد الغضب إذا ما تعرضت ابنته أو أخته لضرب أو تعنيف من زوجها، وبادر في التدخل دفاعًا عنها، ثم هو نفسه قد يمارس هذا الضرب والتعنيف على بنات الآخرين، وهذا من التناقض العجيب.

 

أيها المسلمون، إن الأصل في الأمر أن يحسن الرجل إلى ابنة من أكرموه ووقروه ورضوا به زوجًا لبنتهم وصهرًا لهم، فما يُعامل الكرام إلا بالكرم، ولا يُعامل أهل الفضل إلا بالفضل، والقاعدة الدائمة في التعامل معهن {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].

 

وتأملوا في هذه الآية كيف أن الزوجة قد يجعل الله فيها خيرًا كثيرًا لزوجها وإن كان كَرهها في البداية، فعليه أن يصبر ولا يسيء المعاملة، وإن سدت الأبواب فالحل كما قال الله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، والله تعالى يقول: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: 130].

 

اللهم صلِّ على محمد وآلِ محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 - 182].

___________________________________________
الكاتب: ساير بن هليل المسباح