الإسلام يراعي حقوق الحيوان

منذ 9 ساعات

ينظر الإسلام إلى الحيوان إجمالًا نظرة واقعية، ترتكز على أهميته في الحياة، ونفعه للإنسان، وتعاونه معه في عمارة الكون واستمرار الحياة.

ينظر الإسلام إلى الحيوان إجمالًا نظرة واقعية، ترتكز على أهميته في الحياة، ونفعه للإنسان، وتعاونه معه في عمارة الكون واستمرار الحياة، ولا أدلَّ على ذلك من أن عدة سور في القرآن الكريم وضع الله لها أسماءً من أسماء الحيوان؛ مثل: سورة البقرة، والأنعام، والنحل، وغيرها.

 

وقد نصَّ القرآن الكريم على تكريم الحيوان، وبيان مكانته، وتحديد موقعه إلى جانب الإنسان، فقال تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}  [النحل: 5 – 7].

 

ومن أهمِّ الحقوق التي أصَّلها التشريع الإسلامي للحيوان عدم إيذائه:

فقد أخرج الإمام مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على حمارٍ قد وُسِمَ[1] في وجهه، فقال:  «لَعَنَ اللَهُ الذِي وَسَمَهُ».

 

وأخرج البخاري من حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما - قال: لَعَنَ النبِي صلى الله عليه وسلم مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ.

 

وهذا يعني أن إيذاء الحيوان وتعذيبه وعدم الرِّفق به يعتبر جريمة في نظر الشريعة الإسلامية.

 

وكذلك شرع الإسلام في تأصيله لحقوق الحيوان تحريم حبسه وتجويعه:

وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ، لَمْ تُطْعِمْها، ولَمْ تَسْقِها، ولَمْ تَتْرُكْها تَأْكُلُ مِن خَشاشِ الأرْضِ» [2]؛(رواه البخاري).

 

وروى سهل ابن الحنظلية رضي الله عنه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه[3]، فقال: «اتَّقُوا اللهَ فيِ هذِهِ البهَائمِ المُعْجمةِ فَارْكبُوها صَالِحَةً، وكُلُوها صالحَة»؛(رواه الإمام أحمد وأبو داود – الصحيحة: 23).

 

كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستخدم الحيوان فيما خُلق له، وحدَّد الغرض الرئيس من استخدام الدواب:

فقال:  «إِيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ، فَإِن اللهَ إِنمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ» [4]؛(رواه أبو داود والبيهقي في السنن الكبرى) (الصحيحة: 22).

 

ومما شرعه الإسلام كذلك من حقوق للحيوان أنه نهى عن اتخاذه غرضًا:

فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه مرَّ بِفِتْيَانٍ من قريش قد نَصَبُوا طيرًا وهم يرمونه، فقال لهم: لَعَنِ اللَّهُ مَن فَعَلَ هَذاَ، إنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شيئًا فيه الرُّوحُ غَرَضًا.

 

• ومن أهم ما أصَّله الإسلام من حقوق للحيوان أيضًا ما كان من وجوب الرحمة والرفق به.

 

وقد تجسَّد ذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بطَريقٍ اشْتَدَّ علَيْهِ الْعَطشُ، فَوَجَدَ بِئرًا فَنزَلَ فِيهَا فَشَربَ، ثُمَّ خَرَجَ فإِذا كلْبٌ يَلْهَثُ[5]، يَأْكُلُ الثَّرَىَ[6] مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ العطشِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَملأَ خُفَّه مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَه بِفيهِ، حتَّى رقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَه فَغَفَرَ لَه» [7] ، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرًا[8]؟ فقال: «فْي كُلِّ ذَاَتِ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ» [9]؛(رواه البخاري ومسلم).

 

وأخرج أبو داود والحاكم من حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما - أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرَة[10] معها فرخان، فأخذنا فرخَيْها، فجاءت الحُمَّرَة فجعلت تُعَرِّشُ[11]، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا»؛(الصحيحة: 25).

 

كما أمرت الشريعة الإسلامية في حرصها على حقوق الحيوان بأن يختار لها المراعي الخصبة، وإن لم توجد فيجب أن ينتقل بها إلى مكان آخر، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى رَفِيِقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيَرْضَىَ بِهِ، ويُعِينُ عَلَيْهِ مَا لاَ يُعِيْنُ عَلَىَ العُنْفِ، فَإِذَا رَكِبْتُمْ هَذِهِ الدَّوَابَّ الْعُجْمَ فَأَنْزِلُوهَا مَنَازِلَهَا، فَإِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ جَدْبَةً فَانْجُوا عَلَيْهَا بِنِقْيِهَا» [12]؛ (رواه الإمام مالك في الموطأ) (الصحيحة: 682).

 

على أن هناك درجة أخرى أعلى من الرحمة وأثمن أوجبها الإسلام في معاملة الحيوان، وهي الإحسان إليه واحترام مشاعره، وإنَّ أعظم تطبيق لهذا الخُلق حين نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تعذيبه أثناء الذبح لأكل لحمه، سواء كان التعذيب جسديًّا بسوء اقتياده للذبح، أو برداءة آلة الذبح، أو كان التعذيب نفسيًّا برؤية السكين، ومن ثمَّ يُجمع عليه أكثر من موتة! فقد أخرج الإمام مسلم من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال:ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَىَ كُلِّ شَيِّء؛ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».

 

كما أخرج الحاكم عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -أن رجلًا أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يُحد شفرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ؟ هَلا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا»؛ (الصحيحة: 24).

 

وهكذا كان حق الحيوان في الإسلام، فله أن يَنعَمَ بالأمن والأمان، والراحة والاطمئنان، ما إن كان في بيئة رفرفت عليها الحضارة الإسلامية.

 


[1] وَسَمَهُ: إذا أثَّر أو علَّم فيه بكِىٍّ، والوسم والسمة العلامة المميزة للشيء، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة وسم 12-635.

[2] خَشاشِ الأرْضِ: المراد هوام الأرض وحشراتها من فأرة ونحوها، انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 6/357، والنووي: المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 14 /240.

[3] لحق ظهره ببطنه: أي ظهر عليه الهزال من الجوع، انظر: العظيم آبادي: عون المعبود في شرح سنن أبي داود 5 /448.

[4] والمعنى: لا تجلسوا على ظهورها فتوقفونها وتحدثون بالبيع والشراء وغير ذلك، بل انزلوا واقضوا حاجاتكم ثم اركبوا، والنهي مخصوص باتخاذ ظهورها مقاعد لغير حاجة، أما لحاجة لا على الدوام فجائزة؛ بدليل أن المصطفى صلى الله عليه وسلم خطب على ناقته وهي واقفة. انظر العظيم آبادي: عون المعبود 7 /169، والمناوي: فيض القدير 3 /174.

[5] يَلْهَثُ: يرتفع نفسه بين أضلاعه، أو يخرج لسانه من شدة العطش والحر، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة لهث 2 /184.

[6] الثَّرَىَ: التراب الندي، وقيل: أي يعض الأرض: انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة ثرا 14 /110.

[7] شَكَرَ اللَّهُ لَه: أي أنثى عليه فجزاه على ذلك بأن قبل عمله وأدخله الجنة، انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري: 1 /278.

[8] يعنون: أيكون لنا في سقي البهائم والإحسان لها أجرا؟!

[9] كُلِّ ذَاَتِ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ: أي حية يعنى بها رطوبة الحياة، فيها أجر عام مخصوص بحيوان محترم، وهو ما لم يؤمر بقتله، ونبَّه بالسقي على جميع وجوه الإحسان من الإطعام.. وفيه أن الإحسان إلى الحيوان مما يغفر الذنوب، وتعظم به الأجور، ولا يناقضه الأمر بقتل بعضه أو إباحته؛ فإنه إنما أمر به لمصلحة راجحة، ومع ذلك فقد أمرنا بإحسان القتلة، انظر: المناوي: فيض القدير 4 /601.

[10] الحُمَّرَة: طائر صغير كالعصفور، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة حمر 4 /208.

[11] أي: ترفرف، والتعريش أن ترتفع، وتظلل بجناحيها على من تحتها، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة عرش 6 /313.

[12] النِقَيّ: الشحم والودك، والمعنى أن ينجو عليها وهي في عافيتها؛ حتى يحصل في بلد الخصب، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة نقا 15 /338.

________________________________________________
الكاتب: الشيخ ندا أبو أحمد