خصائص النبي ﷺ التي لا يجوز تقليده فيها

منذ 2025-02-17

عادة ما يذكر علماؤنا تحت هذا العنوان مثالين؛ الوصال في الصوم، والجمع بين أكثر من أربع. والحقيقة أن هناك مسائل أخطر بكثير، ولا زال بعض المسلمين يقعون فيها ويظنون أنهم على الجادّة الصحيحة

عادة ما يذكر علماؤنا تحت هذا العنوان مثالين؛ الوصال في الصوم، والجمع بين أكثر من أربع. والحقيقة أن هناك مسائل أخطر بكثير، ولا زال بعض المسلمين يقعون فيها ويظنون أنهم على الجادّة الصحيحة، من ذلك: من المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام بدأ الدعوة وحده، ثم استجاب له الناس تباعا، حتى تشكلت (جماعة المسلمين) والتي هي نفسها (أمّة الإسلام)، والرسول عليه الصلاة والسلام هنا ليسا مؤسسا فقط، ولا داعيا أو معلّما فقط، وإنما هو نبي معصوم مبلّغ عن الله تعالى، وبالتالي فيبقى هو محور هذه الدعوة ومركز هذه الأمة لا يتقدم أحد عليه مهما بلغ من علم أو عمل، وهذه من أهم خصائصه عليه الصلاة والسلام.

الآن لو أردت أنا أن أقتدي به عليه الصلاة والسلام، فذهبت مثلا إلى منطقة ليس فيها مسلم، وبدأت تأسيس العمل الدعوي، فاستجاب لي عدد من الناس، ثم كثر هؤلاء وكثروا حتى صاروا أمة كبيرة، كل هذا شيء عظيم وأجره كبير عند الله تعالى، ولكن:

١- هل يجوز أن يظهر من بين هؤلاء (الأتباع) من هو أعلم مني وأتقى مني؟ نعم بكل تأكيد، بينما النبي عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يتقدم عليه أحد من أتباعه ولا من غير أتباعه. وعليه فلا ينبغي لي أن أحتكر أنا مسؤولية التوجيه والقيادة لهذه الجماعة، وكذلك لا يجوز للجماعة أن تعاملني كما تعامل الصحابة مع النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا اقتداء مع الفارق، فإذا رضيت أنا بهذه المكانة وهذه الطريقة في التعامل فأنا على خطر عظيم. 

٢- هل يجوز أن يكون في بلد آخر أو في جماعة أخرى من هو أعلم مني وأتقى مني؟ نعم بكل تأكيد، بينما النبي عليه الصلاة والسلام لا يتصوّر في حقه ذلك أبدا، لأنه عليه الصلاة والسلام هو محور هذه الدعوة في كل زمان ومكان، وجماعته هي أمة الإسلام الواحدة، فلا يتصور وجود جماعة أخرى غير جماعته ولا أمة مسلمة غير أمته، وعليه فكل من جعل الولاء لجماعته خاصة من دون المسلمين فهو على خطر عظيم، حتى مؤسس الجماعة نفسه إذا عزل نفسه عن بقية الدعاة وعزل جماعته عن بقية الجماعات بولاء خاص فهو كأنه يجعل من نفسه محورا لهذه الدعوة وهذا ليس لأحد بعد رسول الله.

٣- إذن فالدعاة إلى الله تعالى عليهم أن يقتدوا برسول الله عليه الصلاة والسلام في تبليغ الدعوة والعمل للإسلام وربما سيكون لهم أتباع وأحباب، ولهم على أحبابهم حق الاحترام والوفاء والطاعة بالمعروف، إلى هذا الحد نعم، فإذا تجاوزوا هذا الحد إلى خصوصيات النبي عليه الصلاة والسلام في العصمة والأفضلية المطلقة والولاء المطلق، ونسبوا بعض هذا أو كله لأنفسهم أو جماعتهم فهذا كله من تلبيس الشيطان، ليوقع بين المسلمين العداوة والبغضاء ليس بالخمر والميسر هذه المرة بل بخمر الغلو والتعصب الأعمى، نعوذ بالله من ذلك. 

٤- لقد ولي سيدنا الصديق خلافة رسول الله لكنه كان أعرف الناس بالحد الفاصل بين مقام (الخلافة) وبين مقام (النبوة) فلم يطلب من الناس تقليده فيما يراه من رأي أو اجتهاد، ولذلك تعددت اجتهادات الصحابة في زمنه ثم في زمن عمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم أجمعين-، وهم سادة الأمة، والذين زكاهم الوحي (كتابا وسنة) فيا للعجب العجاب من هذا الزمن الذي صرنا نرى فيه بعض الجماعات يمنحون لمشايخهم وقادتهم ما لم يمنحه الصحابة لأبي بكر وعمر، وصارت بعض الجماعات تتقمص شخصية (الأمة) فالمخالف لها كأنه مخالف للأمة بل وكأنه خارج من الإسلام، حتى صرت تسمع دعاء (نسأل الله الثبات) و (نسأل الله حسن الخاتمة) في معرض الحديث عن كل خلاف بين عالم وعالم أو جماعة وجماعة دون القدرة على النظر في الدليل الشرعي، ونسي هؤلاء أن الحكم بين كل المسلمين (جماعات وأفرادا) إنما هو قوله تعالى ( {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} ) والله لم يمنح هذا الفصل في الحكم لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من أخص خصائصه عليه الصلاة والسلام، أما العلماء فحدّهم (الاستنباط) أي من الوحي، كما قال تعالى: ( {لعلمه الذين يستنبطونه منهم} ) ومن لم يكن أهلا للاستنباط فعليه السؤال لا غير ( {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} ) هذه هي حدود الله تعالى، فمن تعدّاها تحزّبا أو تعصّبا أو غرورا بمن ينتسب إليه من شيخ أو حزب أو جماعة فقد ظلم نفسه. والعياذ بالله تعالى. .

محمد عياش الكبيسي