المستحقون للزكاة

منذ 2025-03-27

أهل الزكاة المستحقون لها هم الأصناف الثمانية الذين حصرهم الله عز وجل في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}

أهل الزكاة المستحقون لها هم الأصناف الثمانية الذين حصرهم الله عز وجل في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].

 

فأول الأصناف المستحقة للزكاة: الفقير، وهو أشد حاجةً من المسكين، فالفقير من لا يجد شيئًا يسد حاجته، أو يجد أقلَّ من نصف كفايته، والمسكين من يجد نصف كفايته أو أكثر من النصف.

 

وقد يكون مع المسكين حِرفةٌ أو وظيفةٌ أو سيارة أو سفينة يعمل بها؛ كما قال تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79]، فيُعطى من الزكاة إن لم يجد كفايته[1].

 

وإن كان للمسكين حِرفةٌ يكتسب منها كل يوم كفايته لا يُعطى من الزكاة، وكذا الموظف الذي يكفيه راتبه الشهري[2].

 

وجمهور العلماء أنه لا يُشترط في المسكين ألا يملك نصابًا[3].

 

والأغنياء أنواعٌ:

1- غني تجب عليه الزكاة، وهو مَن مَلَك نصابًا.

 

2- غني لا تجب عليه الزكاة ويحرم عليه أخذها، وهو من كان في كفاية، ولا مال له يبلغ النصاب.

 

3- غني في باب النفقات، وهو الذي تجب عليه نفقة من تلزمه مؤنته.

 

4- غني في باب زكاة الفطر، وهو الذي عنده ما يزيد على قوت يومه.

 

5- غني يحرم عليه السؤال ويجوز له أخذ الزكاة والصدقة، وهو الذي يجد قوت يومه.

 

فالغني الذي يحرم عليه أخذ الزكاة هو الأول والثاني، فالأول غناه بنصابٍ يوجب عليه دفعُ الزكاة، والثاني غناه بكفايةٍ تمنعه من أخذ الزكاة.

 

والصحيح أن الكفاية لا تُحدَّد بقدر معين من المال، بل يرجع فيها إلى العرف والعادة واختلاف الأحوال، وتعرف بالاجتهاد وغلبة الظن، وهي تتغير حسب الأعراف والأزمنة والأمكنة والأشخاص[4].

 

والعاملون على الزكاة هم المبعوثون من جهة السلطان لجباية الصدقات، فيُعطون من الزكاة بقدر أجرة عملهم في جمع الزكاة وكتابتها وحفظها وتوزيعها على مستحقيها، فإن كانت لهم رواتب شهرية من الدولة فلا يستحقون الأخذ من مصرف العاملين على الزكاة، وليس لصاحب المال ولا لوكيله في توزيعها أن يأخذ نصيب العامل عليها[5].

 

ومن وكَّل غيره في توزيع زكاته على المستحقين وكان الوكيل من مصارف الزكاة المستحقين لها ففي جواز أخذه منها خلاف، قيل: يجوز له أن يأخذ منها بالمعروف بلا محاباة، وقيل: لا يجوز له أن يأخذ منها إلا إذا استأذن صاحب المال، وهو الأحوط.

 

والمؤلفة قلوبهم يُعطون من الزكاة لتحقيق مصلحة للمسلمين، عند الحاجة إلى ذلك بلا ضرر، وهم صنفان:

كفارٌ يُعْطَوْن من الزكاة تأليفًا لقلوبهم على الإسلام، ومسلمون حديثو عهدٍ بالدخول في الإسلام أو ضعفاء الإيمان يُعطون من الزكاة تثبيتًا لإيمانهم وإن كانوا أغنياء، وقيل: يجوز أن يُعطى الكفار من الزكاة لدفع شرهم عن المسلمين وإن لم يُرج إسلامهم، وقيل: يعطى المؤلفة قلوبهم إذا كانوا مسلمين دون الكافرين[6].

 

وفي الرقاب هم العبيد المسلمون والإماء المسلمات، فيُعتقون من مال الزكاة، وقد يكون العبد أو الأمة مُكَاتَبًا، فيُعطى من الزكاة ما يُسدِّد به كتابته.

 

ويدخل في الرقاب: الأسير المسلم عند الكفار أو عند سلاطين المسلمين، فإذا كان السجين مظلومًا، ولا يمكن إخراجه من السجن إلا بدفع مال، فيُفدى من مال الزكاة.

 

والغارمون جمع غارم، وهو المدِين الذي تَحَمَّلَ دينًا في غير معصية الله[7]، سواء لنفسه في أمر مباح كالزواج والعلاج وبناء مسكن، أو لغيره كإصلاح ذات البين وتعبيد طريق أو بناء مسجد، فيُعطى من الزكاة ما يُسدِّد به دينه، والغارم لغيره يُعطى من الزكاة وإن كان غنيًّا، لكن إن أدى ما تحمله من ماله فلا يعطى من الزكاة؛ لأنه غير غارم.

 

ومن الغارمين: المسجونون المعسِرون في سداد ديونهم المباحة، والأولى صرف الزكاة إلى صاحب الدَّين بإذنِ مَنْ عليه الدين، وقيل: لا يُشترط تمليك الغارم مال الزكاة، بل يجوز دفعه للدائن مباشرة[8].

 

واختلف العلماء في جواز قضاء دين الميت من الزكاة إذا لم يكن له تركة يُقضى منها دينه، فجمهور العلماء أنه لا يُقضى دين الميت من الزكاة، وقيل: يجوز قضاء دين الميت من الزكاة؛ لأنه من الغارمين، والأصح أنه إذا لم يكن للميت مالٌ يُقضى منه دينُه، ولم يتبرع أحد بقضاء دينه، وطلب الدائنون أموالهم، فلا حرج في قضاء دين الميت من الزكاة، إبراء لذمة الميت من الديون[9].

 

وفي سبيل الله المراد به الجهاد في سبيل الله[10].

 

فيُعطى المجاهدون في سبيل الله من الزكاة ما يعينهم على الجهاد[11]، سواء كانوا أغنياء أم فقراء[12]، وقيل: يجوز شراء أنواع الأسلحة والذخائر وإنشاء وتمويل المصانع الحربية من الزكاة، من غير إدخال ضرر على باقي مصارف الزكاة[13].

 

وابن السبيل هو المسافر المنقطع عن بلده، الذي يحتاج إلى مال يستعين به في سفره المباح، فله حق في الزكاة بقدر ما يوصله إلى مقصده[14]، ومنهم: المشرَّدون عن أوطانهم والمسافرون للعلاج وطلب العلم والحُجَّاج والمعتمرون والمغتربون إذا كانوا في حاجة لإعانتهم في سفرهم أو للرجوع إلى أوطانهم، ومن أقام منهم فليس من أبناء السبيل، ويُعطى من سهم المساكين إذا كان محتاجًا[15].

 

والذين يأخذون الزكاة بسبب يستقر الأخذ به فلهم صرفها فيما يشاءون، وهم أربعة: الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم.

 

والذين يأخذون الزكاة بسبب لا يستقر الأخذ به فلا يصرفونها إلا فيما أخذوه له فقط، وهم أربعة: المكاتبون والغارمون والمجاهدون في سبيل الله والمسافرون المحتاجون[16].

 

والصحيح أنه لا يُشترط استيعاب الأصناف الثمانية المذكورة عند تفريق الزكاة، بل يجزئ دفعها لأي صنف منهم[17]، وينبغي للوالي إذا جمع الزكاة أن يوزعها في جميع الأصناف الثمانية إن أمكن، ولا بأس بترك الوالي إعطاء المؤلفة قلوبهم إذا لم يحتج لتأليفهم.

 

والصحيح أنه لا يجوز صرف الزكاة في غير الأصناف الثمانية كبناء المساجد وإطعام الطعام وتكفين الموتى وحفر الآبار ونحو ذلك من فعل الخير، ولا تجوز المساهمة بجزء من الزكاة في أي مصلحة من مصالح المسلمين العامة.

 

والأصح أن من دفع الزكاة إلى من ظاهره أنه من الأصناف الثمانية ثم ظهر أنه ليس منهم فعليه أن يستردها منه، فإن لم يمكن فإنها تجزئه، ولا تلزمه إعادة إخراج الزكاة إن كان اجتهد وتحرَّى، وغلب على ظنه أن من أعطاه الزكاة يستحقها[18].

 

والذين لا يجوز دفع الزكاة إليهم:

1- الأغنياء، والأقوياء المكتسبون، لكن يُعطى العامل عليها والغارم والغازي في سبيل الله وإن كانوا أغنياء، والقادر على الكسب إذا كان متفرغًا لطلب العلم الشرعي، وليس له مال، يُعطى من الزكاة؛ لأن طلب العلم من الجهاد في سبيل الله، وفيه مصالح عظيمة للإسلام والمسلمين[19]، وإذا لم يجد القادر على الكسب من يستعمله أو لم يجد عملًا يناسب حاله فهو كالعاجز عن الكسب، فتحل له الزكاة.

 

2- الأصول والفروع والزوجة الذين تجب نفقتهم، فلا يجوز دفع الزكاة إلى من تجب على المسلم نفقتهم كالآباء والأمهات، والأجداد والجدات، والأولاد من البنين والبنات، وأولاد الأولاد، لكن يجوز إعطاؤهم من الزكاة إن كانوا غارمين؛ لأن قضاء دينه ليس من النفقة الواجبة عليه، بشرط أن يكون الدَّين مباحًا، وأن يكون حالًا، وأن لا يجد المدين ما يسدد به دينه[20]، ويجوز دفع الزكاة للإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات ونحوهم من الأقارب إذا كانوا محتاجين، ويجوز للزوجة أن تدفع زكاتها أو جُزءًا منها لزوجها المسكين أو الغارم، وقيل: لا يجوز للزوجة دفع زكاتها الواجبة لزوجها المسكين[21]، ولا خلاف أنه يجوز للزوجة أن تتصدق على زوجها من غير الزكاة.

 

3- الكفار المحاربون وغير المحاربين، فلا يجوز دفع الزكاة إلى الكفار مطلقًا، لكن يجوز للوالي إعطاء الكفار المؤلَّفة قلوبهم من الزكاة إذا كان في ذلك مصلحة ظاهرة للإسلام والمسلمين، ويجوز إعطاء الزكاة للمسكين المبتدع والفاسق ما لم يستعن بمال الزكاة على نشر بدعته وإظهار فسقه[22].

 

4- آل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فلا تحل الزكاة لآل النبي صلى الله عليه وسلم إكرامًا لهم عن الزكاة، ولشرفهم باتصالهم بنسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولدفع تهمة المفترين. وآل النبي صلى الله عليه وسلم هم بنو هاشم[23]، فكل من ثبت أنه من ذرية العباس بن عبد المطلب بن هاشم أو علي بن أبي طالب أو جعفر بن أبي طالب وأمثالهم من الهاشميين لا يُعطى من الزكاة ولا الكفَّارة، وقال الشافعي: تحرم الزكاة على بني هاشم وبني المطلب، وهما ابنا عبد مناف[24]، ومذهب الأئمة الأربعة جواز صدقة التطوع على المحتاجين من بني هاشم[25].

 

وقيل: يجوز للهاشميين أن يأخذوا من الزكاة إذا مُنِعوا حقهم من الغنائم والفيء إذا كانوا مستحقين للزكاة، وهو قول وجيه[26].

 


[1] الأصل في الإنسان الفقر، قال الشافعي في الأم (2/ 78): "الأغلب من أمور الناس أنهم غير أغنياء حتى يُعرف غناهم، ومن طلب من جيران الصدقة باسم فقر أو مسكنة أُعطي ما لم يُعلم منه غيره".

[2] العبرة بالكفاية بالمعروف بلا إسراف، فإن طرأ على صاحب الحرفة والوظيفة ما يحتاج معه إلى زيادة نفقة كمرضٍ وعلاجٍ مكلِف أو عملية جراحية أو تزويجِ ولدٍ أو تدريسه ونحو ذلك، ولم يسع كسبه لذلك، ولم يكن معه مالٌ مدَّخر، فيُعطى من الزكاة لحاجته الطارئة وإن كان له حِرفة أو وظيفة، وكذا يُعطى من الزكاة إن كان غارمًا في شيء مباح، ولا يستطيع أن يوفر من راتبه ما يقضي به دينه.

[3] هذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية، قال الشافعي في كتابه الأم (2/ 96): "قد يكون الرجل غنيًا وليس له مالٌ تجب فيه الزكاة، وقد يكون الرجل فقيرًا بكثرة العيال وله مالٌ تجب فيه الزكاة"، وقال ابن حزم في المحلى (4/ 276): "من كان له مال مما يجب فيه الصدقة وهو لا يقوم ما معه بعولته لكثرة عياله أو لغلاء السعر فهو مسكين، يُعطى من الصدقة المفروضة، وتُؤخذ منه فيما وجبت فيه من ماله"، ومذهب أبي حنيفة أنه لا يُعطى من يملك نصابًا، جاء في مختصر القدوري في الفقه الحنفي (ص: 60): "ولا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصابًا من أي مال كان، ويجوز دفعها إلى من يملك أقل من ذلك، وإن كان صحيحًا مكتسبًا"، ولا أصل لاشتراط أن لا يملك المسكين نصابًا، فالصحيح مذهب الجمهور، وهو أن المسكين إذا كان يملك نصابًا لا يكفيه لأي سبب كالغلاء أو كثرة عياله أو لمرض يكلفه نفقات كثيرة للعلاج فإنه يُعطى من الزكاة تمام كفايته. يُنظر: المجموع للنووي (6/ 197).

[4] قد يكون الغني بالنصاب محتاجًا بسبب كثرة عياله أو لغُرمٍ أو لمرضٍ أرهقه علاجُه أو بسببِ الغلاء ونحو ذلك، فتجب عليه الزكاة في ماله، ويُعطى من الزكاة لحاجته، قال أبو المعالي الجويني في نهاية المطلب (11/ 545): "للمسكين أن يأخذ قدر كفايته بحيث يفي دخله بخرجه، ولا يتقدّر بمدة سنة؛ فإن الذي يملك عشرين دينارًا يتَّجر بها، ولا يفي دخله بخرجه مسكين في الحال، وإن كان ما في يده يكفيه لسنة"، ويُنظر: بدائع الصنائع للكاساني (2/ 47 - 49)، المغني لابن قدامة (6/ 471)، رسالة: حد الكفاية في استحقاق الزكاة وضابط تحديده لعلي بن نجم.

[5] يدخل في سهم العاملين على الزكاة: العاملون في الجمعيات الخيرية التي أذن لها السلطان بالعمل في جمع الزكوات وتوزيعها، فيستحقون الأخذ من سهم العاملين، أما الجمعيات التي لم تأذن لها الدولة بالعمل في الزكاة فليس لهم الأخذ من الزكاة؛ لأنهم وكلاء عن دافعي الزكاة، وليسوا من العاملين عليها من جهة السلطان.

[6] قال ابن حزم في المحلى (4/ 268): "ادعى قوم أن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط، وهذا باطل، بل هم اليوم أكثر ما كانوا، وإنما يسقطون هم والعاملون إذا تولى المرء قسمة صدقة نفسه؛ لأنه ليس هنالك عاملون عليها، وأمر المؤلفة إلى الإمام لا إلى غيره"، وجاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي قرار رقم: 165 (3/ 18): "سهم المؤلفة قلوبهم باق ما بقيت الحياة، لم يسقط ولم يُنسخ، ويكون حسب الحاجة والمصلحة،... يجوز إعطاء الزكاة لتأليف قلوب من أسلم حديثًا؛ تثبيتًا لإيمانه، وتعويضًا له عما فقده، وكذلك إعطاء الكافر إذا رجي إسلامه، أو دفعًا لشره عن المسلمين".

[7] لا يُعطى من الزكاة الغارم في محرم إلا إذا تاب، فمن تاب تاب الله عليه.

[8] هذا القول رواية عن أحمد، ورجحه ابن عثيمين، وعليه فتوى إسلام ويب.

[9] قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال (ص: 725): "أجمعت العلماء أن لا يُعطى من الزكاة في دين ميت"، وفي نقل الإجماع نظر، لكنه قول الجماهير، والقول بجواز قضاء دين الميت من الزكاة مذهب المالكية، ووجه عند الشافعية، ورواية عن أحمد، ورجحه ابن تيمية، قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (25/ 80): "الدَّين الذي على الميت يجوز أن يوفى من الزكاة في أحد قولي العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ والغارمين ﴾، ولم يقل: وللغارمين، فالغارم لا يُشترط تمليكه"، ويُنظر: شرح مختصر خليل للخرشي (2/218)، ورجَّح مجمع الفقه الإسلامي قرار رقم: 165 (3/18) جواز قضاء دين الميت من الزكاة، وفي فتاوى اللجنة الدائمة 1- (10/ 33-34): "الأصل في الشريعة الإسلامية أن من مات من المسلمين الملتزمين لتعاليم دينهم، وعليه دين في أمور مباحة، ولم يترك له وفاء، أن يشرع قضاؤه عنه من بيت مال المسلمين، فإذا لم يتيسر قضاؤه من بيت المال، جاز أن يُقضى دينه من الزكاة إذا لم يكن الدافع هو المقتضي".

[10] مذهب الشافعية والحنابلة أن سبيل الله يُصرف في الغزاة المتطوعين، الذين ليس لهم عطاء من الدولة، واشترط الأحناف أن يكون المجاهد فقيرًا، ومذهب المالكية أنه يُصرف في مصلحة الجهاد وللمجاهدين سواء كانوا متطوعين أو غير متطوعين، وسواء كانوا أغنياء أو فقراء؛ لأن ظاهر الآية أن سبيل الله يُصرف في مصلحة الجهاد قبل أن يكون لأشخاص المجاهدين، وقرر مجلس المجمع الفقهي دخول الدعوة إلى الله وما يعين عليها في معنى ﴿ وفي سبيل الله ﴾، فيجوز صرف الزكاة في تجهيز الدعاة إلى الإسلام، وإعداد علماء الشريعة، وتأسيس مدارس ومراكز إسلامية علمية ودعوية، وقيل: يجوز صرف الزكاة في تمويل حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وإنشاء وتمويل المواقع الإسلامية في الشبكة العالمية، وتأسيس القنوات الفضائية الإسلامية والإذاعات والصحف والمجلات الدعوية ونشر العلم النافع وكشف شبهات الكافرين والمنافقين. يُنظر: نوازل الزكاة للغفيلي (ص: 450، 451).

[11] قال النووي في روضة الطالبين (2/ 327): "للإمام الخيار، إن شاء دفع الفرس والسلاح إلى الغازي تمليكًا، وإن شاء استأجر له مركوبًا، وإن شاء اشترى خيلًا من هذا السهم ووقفها في سبيل الله تعالى، فيعيرهم إياها وقت الحاجة، فإذا انقضت استرد".

[12] قال ابن حجر في فتح الباري (3/ 332): "سبيل الله الأكثر على أنه يختص بالغازي غنيًا كان أو فقيرًا إلا أن أبا حنيفة قال: يختص بالغازي المحتاج، وعن أحمد وإسحاق: الحج من سبيل الله"، واختار ابن تيمية أن من لم يحج حجة الإسلام وهو فقير يُعطى من الزكاة ما يحج به، وبه أفتت اللجنة الدائمة، وجمهور العلماء أنه لا يصرف من الزكاة في الحج، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، ورجحه ابن قدامة الحنبلي. يُنظر: المغني لابن قدامة (6/ 483)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 374)، فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (10/ 38)، قال ابن قدامة في المغني (6/ 483، 484): "وعن أحمد رواية أخرى لا يصرف منها في الحج، وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وهذا أصح؛ لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد، ولأن الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين: محتاج إليها كالفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم، أو من يحتاج إليه المسلمون، كالعامل والغازي والمؤلَّف والغارم لإصلاح ذات البين، والحج من الفقير لا نفع للمسلمين فيه، ولا حاجة بهم إليه، ولا مصلحة للفقير في إيجاب الحج عليه، وتكليفه مشقة قد خفف الله عنه إيجابها، وتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة من سائر الأصناف أو دفعه في مصالح المسلمين أولى" انتهى باختصار.

[13] يُنظر: نوازل الزكاة للغفيلي (ص: 449).

[14] مذهب الجمهور أنه لا يُعطى سهم ابن السبيل لمريد السفر من بلده، ومذهب الشافعية أن ابن السبيل يشمل المسافر والمقيم الذي يريد السفر.

[15] يُنظر: نوازل الزكاة للغفيلي (ص: 458 - 464).

[16] آية مصارف الزكاة عبرت عن حق أربعة منهم باللام المفيدة للتمليك، وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم، وعبرت عن الأربعة الباقين بـ (في)، وهم: الرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل، مما يدل على أنهم يأخذون من الزكاة بقدر حاجتهم فقط، ويُسترجع المال منهم إن لم ينفقوه في السبب الذي جاز لهم أخذ الزكاة به، وعليهم أن يردوا ما زاد عن حاجتهم، والله أعلم؛ يُنظر: حاشية ابن المنير على تفسير الكشاف (2/ 283).

[17] هذا قول جماهير العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة، وعندهم أن الله سبحانه لم يُرِد بآية قسم الصدقات تبيين الملك، بل تبيين الحل، فالزكاة لا تحل لغير الأصناف الثمانية.

[18] هذا مذهب الحنفية، واختاره أبو عبيد، ومن المعاصرين: ابن باز وابن عثيمين، قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال (ص: 716): "اختلف الناس في هذا الباب،... وليس على الناس فيها إلا التحري، فإذا تعمدوا مواضعها فقد أدوا فرضها، وإن كانت على غير ذلك؛ لأنها مغيبة عنهم، والأصل في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الرجلين اللذين أتياه يسألانه من الصدقة فقال: ((إِنَّ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ))، فدَيَّنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقَبِل ادَّعاءهما الفقر والحاجة، إذ لم يظهر له غناهما، ورأى أنه ليس يلزمه إلا ذلك، فهكذا كل متصدق". والحديث المذكور صحيح رواه أبو داود (1633)، ويُنظر: الأم للشافعي (2/ 79، 80)، الروض المربع للبهوتي الحنبلي (ص: 224).

[19] ألحق بعض الفقهاء المعاصرين بالعلم الشرعي سائر العلوم الدنيوية النافعة، وهو قول وجيه إذا كان يرجى من طالب العلم الدنيوي نفع المسلمين بعلمه وتخصصه. يُنظر: نوازل الزكاة للغفيلي (ص: 367).

[20] قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (25/ 90): "الذين يأخذون الزكاة صنفان: صنف يأخذ لحاجته كالفقير والغارم لمصلحة نفسه، وصنف يأخذها لحاجة المسلمين كالمجاهد والغارم في إصلاح ذات البين، فهؤلاء يجوز دفعها إليهم وإن كانوا من أقاربه، والأظهر جواز دفع الزكاة إلى الوالدين إذا كانوا غارمين، وأما إن كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم فالأقوى جواز دفعها إليهم في هذه الحال".

[21] القول الأول مذهب الشافعية وأبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية وقول للمالكية والحنابلة، واختاره ابن حزم وابن تيمية والشوكاني، وعليه فتوى اللجنة الدائمة، والقول الثاني مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية، ورجحه عبد الله البسام وصالح الفوزان، وهو الأحوط، لا سيما إذا كان الزوج سينفق على زوجته مما أعطته من زكاتها، والله أعلم.

[22] الصحيح أن تارك الصلاة مطلقًا كافر فلا يُعطى من الزكاة، أما من كان يصلي أحيانًا فهو فاسق يجوز إعطاؤه من الزكاة إن كان من الفقراء والمساكين أو المؤلفة قلوبهم، لا سيما إن كان له أهل مساكين يصلون، وإيتاء الزكاة لأهل الصلاة والصلاح أولى، قال ابن تيمية كما في مختصر الفتاوى المصرية (ص: 275): "لا ينبغي أن تُعطى الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله، فإن الله فرضها معونة على طاعته، فمن لا يصلي لا يُعطى حتى يتوب ويلتزم بأداء الصلاة".

[23] هذا قول جماهير العلماء، ومذهب الشافعي أن آل النبي يشمل بني هاشم وبني المطلب.

[24] لا يجوز أن يكون العامل على الزكاة والساعي لجمعها من آل البيت، ويجوز أن يكون حافظُ الزكاة وناقلها من آل البيت؛ لأنه أجير محض، وليس حارس الزكاة وناقلها ببدنه أو بسيارة من العاملين عليها. يُنظر: المجموع للنووي (6/ 168، 189).

[25] جاء في كتاب مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، وهو من أشهر كتب فقه الأحناف (1/ 224): "أما جواز النفل فبالإجماع، لكن أثبت الشارح الزيلعي الخلاف في التطوع... وعن الإمام: لا بأس في صرف الكل إليهم. وعنه جواز دفع الزكاة إليهم، وفي الآثار: وعن الإمام روايتان، وبالجواز نأخذ؛ لأن الحرمة مخصوصة بزمانه عليه الصلاة والسلام"، والقول بأن حرمة الزكاة على آل البيت مخصوصة بزمان النبي عليه الصلاة والسلام فيه نظر.

[26] رجح ابن تيمية أنه يجوز للمساكين من بني هاشم أخذ الزكاة المفروضة إذا مُنِعوا حقهم من الغنائم والفيء، ورجحه من المعاصرين: ابن عثيمين، قال ابن تيمية كما في الفتاوى الكبرى (5/ 373): "بنو هاشم إذا منعوا من خمس الخمس جاز لهم الأخذ من الزكاة، وهو قول القاضي يعقوب وغيره من أصحابنا وقاله أبو يوسف والإصطخري من الشافعية؛ لأنه محل حاجة وضرورة، ويجوز لبني هاشم الأخذ من زكاة الهاشميين، وهو محكي عن طائفة من أهل البيت".

__________________________________
الكاتب: د. محمد بن علي بن جميل المطري