البحرين.. بركان على جزيرة

منذ 2012-02-28

يعتقد الكثيرون من عامة الناس في عالمنا الإسلامي أن الحراك الجاري في البحرين هو ثورة شعبية يُراد بها تحقيق مظالم المدنيين، ويتباكى الكثيرون على ما يجري مدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق المواطنين وحريتهم في تحقيق مطالبهم..



يعتقد الكثيرون من عامة الناس في عالمنا الإسلامي أن الحراك الجاري في البحرين هو ثورة شعبية يُراد بها تحقيق مظالم المدنيين، ويتباكى الكثيرون على ما يجري مدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق المواطنين وحريتهم في تحقيق مطالبهم. لكن ما يتجاهله هؤلاء أن هذا الحراك هو جزء من خَرْقٌ تنظيمي كبير تسعى إيران إلى زيادة قوته لتحويله لثورة شيعية في هذه الأرض العربية.

و يتحدث الباحث المصري أحمد فهمي في كتاب صدر حديثاً عن "مركز الدراسات التابع لمجلة البيان الإسلامية" عن أبعاد المؤامرة الإيرانية منذ عقود مضت على منطقة شرق الخليج العربي، والمحاولات الفاشلة لتحقيق السيطرة على البحرين و إقامة البحرين الكبرى كما تصفها مراجعهم الفكرية والمذهبية.

و خلال أربعة فصول، أبحر الباحث بعمق في تفاصيل الأزمة البحرينية وقال في مقدمته إن ربع مليون شيعي - خمسهم من أصول إيرانية - يعيشون في البحرين لافتاً إلى أن التوجهات الدينية والسياسية للتركيبة السكانية في البحرين أثرت كثيرا في افتعال هذه الأزمة.

ويضيف الباحث استناداً لمراجع تاريخية ذكرها أن المجتمع البحريني بطبيعته "مستورد" فهو ليس منتجاً للتيارات، فجميعها قدِمت من الخارج، ومقسمة حول مرجعيات عراقية ولبنانية وإيرانية وهذا أثر في واقع المجتمع الشيعي وعكس واقع الشيعة في تلك البلدان على الواقع البحريني.

كما عرّج الكتاب على ثورة الخميني عام 1979م وأثرها في زيادة الحماسة الثورية بالنسبة لشيعة البحرين و محاولة استلهام أفكارها لتطبيقها في تلك البلاد، ومنذ بداية الثورة الإيرانية أصبحت إيران تخطط لمشروع شيعي كبير في الخليج العربي كانت نواته الرئيسية مملكة البحرين وأخذت تدعم هذا المشروع بالسلاح والتدريب و المال كما سعت الثورة الإيرانية إلى توظيف المجتمعات الشيعية في الشرق العربي - مثل حزب الله و الحوثيين عسكرياً، وشيعة العراق و الكويت اقتصاديا - من أجل خدمة أهداف ذلك المشروع.

وتحدث الفصل الأول من الكتاب عن أصول الشعب البحريني، حيث قال الباحث إنه قبل 300 عام لم يكن في هذا البلد احتمال بوجود جدل حول أحقية من بالحكم لامتلاكه الأغلبية بسبب صعوبة الإحصاء السكاني و انتشار قاعدة " الحكم لمن يغلب".

كما طرحت قضية التوزيع الديمغرافي للسكان وتركيباتهم وتأثيرها على الأزمة السياسية وكذلك نسبة الشيعة والسنة في المجتمع و نسبة الإيرانيين و المجنسين من الشيعة، كما طرح الباحث الأسباب الحقيقية لزيادة نسبة الشيعة المفتعلة في البحرين، وذكر منها أنهم سعوا إلى دعم أفكار لزيادة نسبتهم في المجتمع مثل انتشار تعدد الزوجات و كذلك الزواج المبكر، بالإضافة إلى الهجرة المعاكسة للسنة و كذلك هجرة الشيعة إلى البحرين بفعل أزمات المجاعة في إيران في القرن السادس عشر والغزو الإيراني للبحرين في القرن السابع عشر.

ونسب الكتاب أصل البحارنة الأصليين إلى أربعة قبائل عربية قدمت إلى هذه الأرض قبل الإسلام وهي "بكر بن وائل" و "تغلب بن وائل" و "عبد بن قيس" و"تميم" ، مضيفاً بأن أول من سكن هذه الأرض قبلهم هو شعب "الدلمون".

كما ساهمت عمليات التجنيس عام 1927 م في عهد الاستعمار الإنجليزي في تجنيس نسبة كبيرة من الإيرانيين في البحرين، وتحدث الباحث عن شيعة المنطقة الشرقية وهجرتهم إلى البحرين، كما أشار إلى الخطاب الإعلامي التهويلي الذي يقوم به الشيعة في البحرين لمواجهة الأزمة، وذكر مثالا على ذلك استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية" على قضية التجنيس، وكل ذلك من أجل استثارة عاطفة المجتمع الخارجي.

وفي الفصل الثاني استطرد الباحث كثيراَ في شرح الخريطة الدينية للمجتمع البحريني وتركيزهم على أربعة مراجع فكرية هي (الكافي) و (من لا يحضره الفقيه) و (تهذيب الكلام) و (الاستبصار) ثم يليها في الأهمية بالنسبة لهم (الوافي) و (وسائل الشيعة) و(بحار الأنوار).

وتحدث أيضا عن الصراع بين الأصوليين و الإخباريين و أسباب انحصار مدرسة الإخباريين و سعي الأصوليين للسيطرة على الحوزات العلمية لقدرتها التأثيرية على طلبة العلم. كما ناقش الباحث أيضا التأثير الخارجي على الشيعة في البحرين ودور مرجعية باقر البهبهائي في كربلاء في ذلك، وكذلك تأثير النجف على الطلاب البحارنة والسعي من أجل إعدادهم تنظيمياً.

ويعتقد الإخباريين أن الأصوليين على ضلالة وأنهم يعبدون الله على عقيدة مزيفة، وأدى الخلاف في ما بينهم إلى وجود تيار ثالث يطلق عليه "الهجين" استطرد الباحث عميقا في الحديث عنه.

كما أشار الكتاب إلى التيار الرسمالي ودوره في البحرين إلى أن تقلص واقتصر على جمعية الوفاق التي تتمتع بقوة إعلامية وثقافية وتقود المعارضة الحالية في البلاد، وينتمي هذا التيار إلى الشيرازي ومؤسسها آية الله محمد المهدي الحسيني الشيرازي المتوفي عام 2001م.

كما ذكر الكتاب تفاصيل الخريطة السياسية للمجتمع الشيعي البحريني و كيفية انطلاقها في ستينيات القرن الماضي حيث قسمها لثلاثة مراحل تبدأ: منذ الستينيات وحتى عام 1983م تاريخ حل حزب الدعوة، والثانية أيضا تبدأ من هذه الفترة وتستمر حتى عام 2000، ثم تبدأ مرحلة جديدة لم تتوقف حتى يومنا هذا وتسمى مرحلة الإصلاح السياسي.

وتٌظهر المعلومات المنشورة في الكتاب أيضا عمق أزمة الانتماء في هذا البلد العربي، كذلك محاولات عديدة للانقلاب كانت تدعمها - دائما - الثورة الإيرانية و الاختراق التنظيمي الذي نظمه هادي المدرسي وهو رجل دين إيراني شيعي. كما وثّق الباحث تاريخياً أسباب نشأة حزب الدعوة ودوره في أزمة الانتماء التي وجدت في منطقة الخليج بالنسبة للشيعة و تقليده للحركات السنية.

وفي الفصل الأخير وهو الرابع تحدث الكتاب عن كيفية اعتماد شيعة البحرين على أي قوة حتى لو كانت خارجية من أجل تحقيق أهدافها. كما ذكر كيف كانت إيران ومنذ عقود مضت تحاول الاستعانة بالغرب من أجل احتلال منطقة الخليج وتمسكها باتفاقية "بروس" المزيفة التي تدعي أن أحد بنودها ينص على أحقيتها في السيادة على البحرين.

وانتهى الباحث بالحديث عن علاقة الشيرازيين بإيران وسعيها في المرحلة الراهنة من أجل استغلال الحراك الشيعي لتحقيق أهدافها في منطقة الخليج العربي، وخلاصة ما يطرحه الباحث هو توصيف لواقع الأزمة التي تعيشها الأمة الإسلامية، ودور إيران في اختلاق الأزمات التي تضعف الأمة وكل ذلك يكشف أن العداء مع إيران يستند إلى واقع تاريخي ومذهبي بالإضافة على مطامع اقتصادية - لتحقيق طموحاتها في المنطقة العربية - من خلال استغلال شخصيات شيعية عربية لها نفوذها في منطقة الشرق العربي.


21/03/33 هـ

 
المصدر: مجلة البيان