تنبيهات على أصول في الولاء والبراء

منذ 14 ساعة

أوثقُ عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله، ومعنى كون الحبّ في الله تعالى، أنّ المحبة والنصرة والولاية تتبع ما يقوم بالإنسان من الإيمان والسنّة والطاعة، بمعنى أنّ من اتّصف بهذه الأمور وجبت محبّته ونصرته وولايته.

أوثقُ عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله، ومعنى كون الحبّ في الله تعالى، أنّ المحبة والنصرة والولاية تتبع ما يقوم بالإنسان من الإيمان والسنّة والطاعة، بمعنى أنّ من اتّصف بهذه الأمور وجبت محبّته ونصرته وولايته.

ومعنى كون البغض في الله تعالى، أنّ البغض والعداوة والبراءة تتبع ما يقوم بالإنسان من الكفر والبدعة والمعصية، فمن اتّصف بهذه الأمور وجب بغضه وعداوتُه والبراءة منه.

كلّ هذا ظاهرٌ لا ينازع فيه من عرَف العقيدة الصحيحة، وتبقى هنا أمور تحتاج إلى توضيح وتربية وترسيخ:

١- هذا التأصيل تابعٌ لمحبّة الله تعالى وتولّيه، فكمال العبودية لله يقضي بأن العبد تابعٌ لربه في محبته وبغضه، فهو يحبّ ما يحبه ربّه، ويبغض ما يبغضه ربّه، ليس له حبٌّ و لا بغضٌ من نفسه، بل قلبه سليمٌ مستسلمٌ لله، تابعٌ لمراده ومحبّته.

٢- الولاء الذي هو مقتضى الايمان، والبراء الذي هو مقتضى الكفر، ليسا شُعورين منفلتَين، بل هما منضبطان بقدر ما يقتضيهما من الدوافع الإيمانية، فعند المحبّة في الله، يُحَبّ المرءُ بقدر إيمانه، وعند البغض في الله يُبغض المرء بقدر كُفرَانه، وهذا من العبودية لله، فللقلب معيارٌ في هذا الباب يتبع حبّ الله عزّ وجلّ للناس وبغضه هو سبحانه لهم.

٣- قد يجتمع في المرء الواحد إيمانٌ وكفر، وسنةٌ وبدعة، وطاعةٌ ومعصية، لأنّ الإيمان شُعَب وأجزاءٌ وخصال، والكفر كذلك، وقد يجتمع أصل الإيمان مع شُعَب كفرية، كما في حال المسلم الفاسق، لأنّ إسلامه وصلاته من شعب الإيمان، ومعصيته وفسقه من شعب الكفر، كما دلّت أدلّة كثيرة، كقوله ﷺ: «اثنتان في الناس هما بهم كفرٌ، الطّعن في النسب، والنياحة على الميت» (أخرجه مسلم)، وقوله ﷺ: «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» (متفق عليه) .

٤- لا يقع الإشكال عندما يكون في المرء إيمانٌ وطاعةٌ فقط، لأنّه يستحقّ حينئذٍ المحبة والنصرة والولاية مطلقًا، كحال الأنبياء مثلًا.

ولا يقع الإشكال أيضًا عندما يكون في المرء كفرٌ وبدعةٌ ومعصيةٌ فقط، لأنه يستحق حينئذٍ البُغض والعداوة والبراءة مطلقًا، كحال الشّياطين مثلًا.

وإنّما يقع الاشكال عندما يجتمعُ الأمران في الشَّخص الواحد، فيجتمع دافعُ الحب، ودافعُ البغض، وهنا يحصل الاضطراب لوجود الدافعَين المختلفَين، وينفتح باب الهوى على مصراعيه، لأنَّ النَّفس إذا كان لها ميلٌ إلى أحد الخيارين، وجدَت مسوِّغًا دافعًا له، فأمكنها أن تُلبِس اختيارها التابعَ للهوى ثيابَ الاختيار الشرعي والحكمَ الديني.

وواجبُ العبوديّة في هذا المقام أن يُعطى صاحِبُ هذين الوصفين: الحُكمَين معًا، فيُعطَى الولاءَ والبراء معًا، بحسَب وجود الطاعة والمعصية، فيُحَبّ الإنسان على ما فيه من إيمان وسنّة وطاعة، ويُبغض أيضًا على ما فيه من كفر وبدعة ومعصية. فلو فرضتَ أنّ لك زميلًا يصلّي ويصوم، ولكنّه يتعامل بالرّبا أو يشرَبُ الخمر، فحقُّه المَحَبّةُ بقَدر ما عنده من طاعةٍ، والبُغضُ بقدر ما عنده من مَعصية.

ولا يُمكن فِعلُ هذا إلّا باتّساع القلب لمراد الله في الجهتين، والتجرُّد من الهوى والتقليد واتّباع غير مراد الله، فإذا كان الله تعالى يجمع للفاسق بين العِقاب والثواب، فيعاقبه على معصيته، ويُثيبه على طاعته، فمعنى كونك عبدًا لله أن تتبعَ مُرادَه، فتجمعَ للفاسق بين البراءَة منه لمعصيته وفسقه، والولاءِ له على طاعتِه وإيمانه.

ويُعين على التجرُّد من الهوى أن تفتح عينيك كِلتَيهما على حال هذا الشخص، ولا تبصر نوعًا واحدًا منه، بل تبصر بإحدى عينيك دافعَ الحب، وذلك بأن ترى حبّه لله ورسوله ﷺ، وترى صلاته وعبادته، وترى اجتنابه للشّرك والكفر، فتحسِبَ له ذلك وتستحسنَه، وتبصر بالعين الأخرى معصيتَه وإعراضَه عن الله، ومخالفتَه لشريعته، وفسادَ عمله، فتحسِب له ذلك وتستقبحَه، ثم تعمل بكلّ ما رأت عيناك، بحسَب مراد الله، وعلى القَدر الذي يقتضيه. 

ومما يدلّ على هذا الأصل ما رواه البُخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّ رجلا على عهد النبي ﷺ كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان يُضحك رسول الله ﷺ، وكان النبي ﷺ قد جلده في الشراب، فأُتي به يومًا فأمر به فجُلد، فقال رجلٌ من القوم: اللهمّ العنه، ما أكثرَ ما يؤتى به؟ فقال النبي ﷺ: «لا تلعنوه، فواللهِ -ما علمتُ- إنّه يحب الله ورسوله». فشرب هذا الرّجل للخمر اقتضى عقوبته دونَ لعنِه، ومحبّتُه لله ورسوله اقتضَت موالاتَه والدِّفاعَ عنه، فجمعَ له النّبي ﷺ بين الأمرين.

٥- هذا الأمر هو من أصول السنّة التي تغيب عن كثير من النّاس، مع أنه قد حكى فيه أهل العلم إجماع أهل السنة، وأن من خالف في ذلك هم الوعيدية من الخوارج والمعتزلة.

___________________________________________________
الكاتب: لؤي بن غالب الصمادي