أزمة التلقّي: لماذا نقرأ القرآن ولا ننتفع؟

منذ 2025-07-02

من إعجاز القرآن صنيعة بالقلوب، وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلامًا غير القرآن منظومًا ولا منثورًا، إذا قرع السمع خلص له القلب من اللذة والحلاوة في حال

حين أرخيتُ سمع القلب لما يدور حولي، بدأتُ أرى التباعد المُتعب بين المسلم والقرآن، فتجلّت لي أسبابه لا في ضعف الإيمان فقط، بل في صورة التلقّي التي تشكّلت مع الزمن، كثيرٌ من الناس يفتح المصحف بعينٍ تُنهي، لا بعينٍ تتلقّى، يقرأ الآية كما يقرأ المعلومة، ويُنهي الصفحة كما يُنهي المهمة، ومع هذا النمط، تتراجع قدرة الآية على التغلغل، ويضيق الطريق الذي يصل المعنى بالقلب.

حين يتعامل الإنسان مع الوحي بمنطق “الإنجاز”، يفوته سرّ الوصال، وتذوب من قلبه رهبة الوقوف بين يدي الله، كلّما طال المكث مع الكلمة، ازدادت شفافيتها، وكلّما تكرّرت التلاوة بنيّة الإذعان، وُلد أثرٌ جديد، وربما معنى لم يكن يُدرَك من قبل.

وقد أشار قوام السُّنَّة الأصفهاني إلى هذه الأعجوبة بقوله: 
من إعجاز القرآن صنيعة بالقلوب، وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلامًا غير القرآن منظومًا ولا منثورًا، إذا قرع السمع خلص له القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى، ما يخلص منه إليه تستبشر به النفوس، وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظَّها منه عادت مرتاعةً قد عراها الوجيب والقَلَق، وتغشَّاها الخوف والفرق، تقشعرُّ منه الجلود، وتنزعج له القلوب، يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها."

 

بمعنى أن الذين ذاقوا أثر القرآن، لم يطلبوا ذلك من جهة المعلومة، بل من جهة العبودية، جعلوا من التلاوة عبورًا إلى التزكية، ومن الوقوف على الآية موقفَ المتلقّي المستعد، لا المستعجل المنصرف.

ومن أعظم أسباب التأثر: تثبيت القدم في ساحة القرآن، والجلوس إليه بعين الافتقار، وسكون المتأمل، وحرارة المقبل، فمن جعل للقرآن صدر المجلس، وجد من النور ما لا تمنحه كتب الأرض مجتمعة.