شبهات الشيعة حول الصحابة الأبرار
إن من الشبهات التي روَّج لها أهل التشيع والرفض على الصحابة الأبرار تلك الشبهات التي اتهموا بها ذا النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وإليك بعض تلك الشبهات والرد عليها...
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعدُ:
فإن من الشبهات التي روَّج لها أهل التشيع والرفض على الصحابة الأبرار تلك الشبهات التي اتهموا بها ذا النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وإليك بعض تلك الشبهات والرد عليها:
قالوا عنه: إنه ولَّى أقاربه من بني أمية.
وبالنظر إلى تلك الشبهة الواهية نجد أن عثمان رضي الله عنه ولّى ثمانية عشر واليًا، منهم خمسة فقط من بني أمية هم معاوية، وعبد الله بن أبي السرح، والوليد بن عقبة، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن عامر، فضلاً عن أن هؤلاء الولاة لم يكونوا مجتمعين في وقت واحد، بل إن عثمان -رضي الله عنه- عزل الوليد بن عقبة، وولى مكانه سعيد بن العاص، ثم عزل سعيد بن العاص قبل وفاته، أي أنه تُوفي عن ثلاثة ولاة فقط من بني أمية، والسؤال لهؤلاء القوم ألم يعيّن رسولُ الله ولاة من بني أمية كانوا أكثر من غيرهم، وفي هذا يقول شيخ الإسلام في "منهاج السنة النبوية": "لا نعرف قبيلة من قبائل قريش فيها عمال للرسول أكثر من بني أمية؛ لأنهم كانوا كثيرين وفيهم شرف وسؤدد".
ثم سؤال آخر وهو: هؤلاء الولاة الذين عيّنهم عثمان -رضي الله عنه- أكانوا أكفاءً لهذه الولاية أم لا؟ وكذا لم يذكر هؤلاء القوم أن عليًّا -رضي الله عنه- ولَّى من أقاربه عبد الله بن العباس، وعبيد الله بن العباس، وقثم بن العباس، وتمام بن العباس، وربيبه محمد بن أبي بكر، فَلِمَ لم تنقموا عليه كنقمتكم على عثمان ولننظر إلى قول أهل العلم في الذين ولاهم عثمان -رضي الله عنه- لنبيّن لهم أنهم كانوا يستحقون الولاية، ولم يعيّنهم عثمان محاباة لهم (راجع حقبة من التاريخ، لعثمان خميس).
معاوية بن أبي سفيان:
كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاه عثمان على الشام التي كان محببًا لأهلها، وهو من خير الولاة، ولأجل ذلك عيّنه عمر -رضي الله عنه- على الشام قبل عثمان، وكل ما فعله عثمان أنه أبقاه في ولايته وزاده ولايات أخرى.
عبد الله بن أبي السرح:
الذي كان من خير الولاة بعد توبته وبيعته للنبي، وذلك بعد لحاقه بمسيلمة الكذاب؛ حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم بايعه بعد ردته التي رجع منها، ويكفيه أن الله فتح على يده إفريقية في عهد عثمان - رضي الله عنه، وكذا قال عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" لم يتعد ولم يفعل ما يُنقم عليه، وكان أحد عقلاء الرجال وأجوادهم، والفتوحات الكثيرة في إفريقية كانت على يده.
سعيد بن العاص:
كان من خيار الصحابة؛ حيث ولاه معاوية إمرة المدينة غير مرة، وولاه عثمان الكوفة، وغزا طبرستان وفتحها، وكان أميرًا شريفًا جوادًا ممدحًا حليمًا وقورًا ذا حزم وعقل يصلح للخلافة (سير أعلام النبلاء للذهبي).
عبد الله بن عامر:
فتح الله على يده بلاد كسرى، وخراسان، وسجستان وكرمان، وكان من أمراء العرب وشجعانهم وأجوادهم (سير أعلام النبلاء).
الوليد بن عقبة:
ذُكر بكثرة جهاده وفتوحاته، وقد مكث -رضي الله عنه- خمس سنين أميرًا للكوفة، ليس على بيته باب وهو أمير؛ حيث كان لا يحجب نفسه عن الناس، لذا أحبهم وأحبوه، وعندما شهد شاهدان عند عثمان بأن الوليد قد شرب الخمر، عزله وأقام عليه الحد، مع أن هناك من العلماء من طعن في شهادة الرجلين، فهل هذه منقبة أم مذمة لعثمان رضي الله عنه؟ ولكنه الهوى.
ثانيًا: نفي أبي ذر إلى الربذة:
ويرد على هذه الشبهة ما رواه البخاري في صحيحه عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة، فإذا أنا بأبي ذر، قلت ما أنزلك هذا المنزل؟ قال كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في الذين يكنزون الذهب والفضة، فقال معاوية نزلت في أهل الكتاب، وقلت أنا نزلت فينا وفيهم، قال أبو ذر وكان بيني وبينه في ذلك، فكتب إلى عثمان يشكو أني أتكلم في هذه المسائل وأثير الناس، فكتب إليَّ عثمان أن أقدم إلى المدينة فقدمتها، فكثر عليّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال عثمان إن شئت تنحيت فكنت قريبًا، فذاك الذي أنزلني ذاك المنزل، ولو أمروا عليَّ حبشيًّا لسمعت إذن وأطعت (البخاري).
فقولهم إن عثمان طرد أبا ذر كذبٌ وافتراء كما يتضح ذلك من رواية البخاري السابقة.
ثالثًا: إحراق المصاحف:
وتلك المذمة في حقيقتها منقبة لعثمان -رضي الله عنه؛ حيث إن عثمان لما علم باختلاف القُرّاء في الأمصار حتى كاد يقع بينهم ما لا يُحمد عقباه جمعهم -رضي الله عنه- على حرف واحد، وهو لغة قريش وذلك في حالة اختلافها مع الأحرف الأخرى، يقول ابن العربي في العواصم من القواصم "تلك حسنة عثمان العظمى، وخصلته الكبرى؛ فإنه حسم الخلاف، وحفظ الله القرآن على يديه"، بيد أن عين الرضا عن كل عيب كليلة، لكن عين السخط تبدي المساويا.
رابعاً: زيادة الأذان الثاني يوم الجمعة:
والمتأمل في تلك الشبهة يجد أن عثمان -رضي الله عنه- لم يأت بجديد؛ حيث إن هذا الأمر له أصل في الشرع، وهو الأذان الأول لصلاة الفجر الذي كان على عهد النبي؛ حيث كان يؤذنه بلال -رضي الله عنه؛ لينبّه النائم، ويغتسل الجنب، ويذكر الناسي، ولذا لما امتدت رقعة المدينة أراد أن ينبّه الناس في الأسواق لصلاة الجمعة بالأذان قبل الوقت، ووافقه جميع الصحابة الأبرار، واستمر العمل به حتى زمن عليّ ومعاوية -رضي الله عنهما، وكذا في بني أمية وبني العباس فهي سنة بإجماع المسلمين، ولها أصل في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
خامسًا: إتمام الصلاة في السفر:
حيث صلى -رضي الله عنه- في صدر خلافته في السفر ركعتين، ثم أتم بعد ذلك، وقد فعل ذلك -رضي الله عنه- لأسباب منها:
أنه تزوج في مكة وأقام بها، ولذا رأى أن مكة صارت له دار إقامة، وله أن يُتم بها الصلاة.
خشي أن تفتن الأعراب، ويرجعوا إلى بلادهم فيقصروا الصلاة في بلادهم.
أنه تأول كما تأولت عائشة رضي الله عنها؛ حيث أتمت الصلاة في سفرها (راجع حقبة من التاريخ).
سادسًا: ضرب ابن مسعود حتى فتق أمعاءه، وضرب عمارًا حتى كسر أضلاعه.
وهذه الشبهة من كذب الرافضة وإفكهم، فكيف عاش ابن مسعود بعد فتق أمعائه، وكذا لم يثبت أن عمارًا كُسرت أضلاعه، ولكنه تلفيق الرافضة لذم الصحابة الأبرار.
سابعًا: زاد في الحمى:
ويقصد بالحمى المحمية التي كانت في زمن الرسول؛ حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: «إنما الحمى حمى الله ورسوله» وكذا في عهد عمر -رضي الله عنه- كانت هناك حمى لإبل الصدقة لا يرعى فيها إلا تلك الإبل حتى تسمن وينتفع بها الناس، وفي عهد عثمان -رضي الله عنه- كثرت الصدقات فوسَّع تلك الحمى، فنقموا عليه ذلك الفعل، فقال لهم: إن عمر حمى الحمى قبلي لإبل الصدقة، فلما وليت زادت إبل الصدقة، فزدت الحمى" (الحاكم في المستدرك وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي).
ثامنًا: لم يحضر عزوة بدر، وفر يوم أحد، ولم يحضر بيعة الرضوان:
وهذه الشبهة أجاب عنها عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-؛ حيث قال للمصري الذي سأله عن تلك الشبهة أما فرار عثمان يوم أحد، فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له، كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران:155]. وأما تغيبه عن بدر فكان تحته بنت رسول الله وكانت مريضة، ولذلك أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سهمًا كأنه حضر الغزوة مع الغزاة؛ لأنه تغيب بأمره، وأما عن تغيبه عن بيعة الرضوان فلأن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى قريش ليحاورهم، ولو كان هناك أعز منه ببطن مكة لبعثه رسول الله إليهم (البخاري).
تاسعًا: رد الحكم والد مروان ورسول الله كان قد نفاه:
ويُرد على الشبهة من وجوه منها:
أن الحكم ليس من سكان المدينة، فكيف ينفيه النبي صلى الله عليه وسلم منها؛ حيث إنه من مسلمة الفتح الذين كان مسكنهم بمكة، ولم يعيشوا في المدينة أبدًا.
إن هذه الرواية لم يصح لها سند عند علماء الحديث، ولم تُعرف بسند صحيح.
ولو فرضنا صحة السند في هذه القصة وأن عثمان رده بعد نفيٍ دام زمن النبي صلى الله عليه وسلم والصديق وعمر، أي بما يقرب خمس عشرة سنة فهل يوجد نفي مدى الحياة في شريعتنا؟
والله من وراء القصد..
أسامة سليمان
الشيخ أحد خطباء مسجد العزيز بالله في مصر
- التصنيف:
- المصدر: