هل الكلب طاهر أم نجس؟ دراسة فقهية موجزة

منذ 6 ساعات

- الغرض من هذا المقال: بيان ما إذا كانت الكلاب طاهرة أو نجسة.......................

دكتور: أحمد عبد المجيد مكي

قبل أن أدخل في الموضوع، أسأل الله التيسير والتوفيق والإخلاص... وأود الإشارة إلى ما يأتي:

- الغرض من هذا المقال: بيان ما إذا كانت الكلاب طاهرة أو نجسة.

أما مسألة تربية الکلاب واقتنائها في البيوت ومشاركتها لأهلها في المعيشة - فمذهب جمهور العلماء هو المنع، إلا إذا كانت هناك حاجة لها مثل: (الصيد، أو حراسة الماشية، أو حراسة الزرع والبيت، أو مساعدة الضرير... وغير ذلك من وجوه الانتفاع التي لم يَنْهَ الشارع عنها)، بشرط ألا يترتب على ذلك إزعاج للناس أو ترويع لهم أو إضرار بممتلكاتهم.

- ليس في نجاسة سُؤْرِ الكلب (أي: لعابه ورطوبة فمه، وبقية الماء الذي شرب منه) أو نجاسة بدَنِه وأعضائِه - دليل قطعي أو إجماع، فالمسألة محل اجتهاد، والخلاف فيها سائغ وقديم، وقد عبَّر عن ذلك أبو الوليد بن رشد (المتوفى: 595هـ) بقوله: المسألة اجتهادية محضة، يعسر أن يوجد فيها ترجيح([1]).

- هذه المسألة تصلح لتدريب طالب العلم ودارس الحديث على كيفية مناقشة الأحاديث التي ورد فيها خلاف، واستنباط الأحكام الشرعية منها، والوقوف على أدلة كل فريق، كما تعلمه احترام رأي المخالفين، وتقدير وجهة نظرهم([2]).

- سأناقش المسألة بإيجاز وبما يفي بالغرض، لذا اكتفيت بذكر الأدلة القوية فقط، ولم أُشِر إلى الأدلة ضعيفة الإسناد أو التي دلالتها على المطلوب بعيدة، كما لم أتوسع في ذكر المصادر والمراجع.

مذاهب العلماء في المسألة:

اختلف العلماء في نجاسة الكلب على ثلاثة أقوال:

القول الأول:

  أن بَدَنه نَجِس، ولُعابه أيضًا نَجِس، وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية، والشافعية، ورواية عند الحنابلة.

القول الثاني:

 أن بَدَنه طاهر، لكن لُعابه نَجِس، وإليه ذهب الحنفية وأحمد في إحدى الروايتين، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

القول الثالث:

 أنَّ بَدَنه طاهرٌ، ولُعابه أيضًا طاهر، إلَّا أنَّه يجب غسلُ الإناء الذي ولغ فيه أو شرب منه تعبُّدًا لا لنجاسته. وقد ذهب إلى هذا القول: المالكية والظاهرية، وعدد من كبار التابعين والعلماء، منهم: الزُّهريُّ والأَوْزَاعِيُّ والثَّوْرِيُّ والحسن البصريُّ وعُروةُ بن الزبير وابن المُنْذِر والشوكاني. وهو الظاهر من صنيع البخاري في صحيحه.

وسأكتفي هنا بمناقشة القول الأول والثالث؛ لأن مناقشة القول الثاني متضمنة فيهما.

أدلَّة القائلين بنجاسة سُؤْرِ الكلب ونجاسةِ جميع بدنِه وأعضائه:

الدليل الأول:

 أقوى ما يَسْتَدل به أصحاب هذا القول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(إِذا شَرِبَ الكَلْبُ في إِنَاءِ أحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا)» ([3]).

تنبيه:

الرواية المذكورة هي التي اتفق عليها البخاري ومسلم، ولم يذكر البخاري غيرها. أما الإمام مسلم فقد جاء هذا الخبر عنده بروايات شتى، منها: « طَهُورُ (أي: تطهير) إناء أحدكم إذا ولَغَ الكلب فيه، أن يغسله سبع مرات» وهذه الرواية قريبة من الرواية المتفق عليها والمشار إليها أعلاه.

  وجاء في بعض الروايات عنده: (فَلْيُرِقْهُ)، وهذه الزيادة شاذة لا تصح، ومثلها - في الشذوذ وعدم الصحة - زيادة (أولاهن بالتراب)، أشار إلى ذلك جمع من الأئمة، ومن ثَمَّ لم أُعًوِّل عليهما في البحث.

ودلالة الحديث على نجاسة الكلب من وجهين:

الوجه الأول:

 أن الطهارة إنما تكون عن حَدَثٍ (كالجنابة والبول والغائط)، أو نجَسٍ، ولا  حَدَث على الإناء، فتعين أن يكون ذلك لنجاسته.

فإن قيل: المراد الطهارة اللغوية.

فالجواب: أن حمل اللفظ على حقيقته الشرعية مقدم على اللغوية.

 وإذا كان لعابه نجسًا - لوُرُود الأمر بغَسل الإناء منه - فيقاس عليه عرقه وبوله وشعره وسائر جسده.

وأجيب على هذا الاستدلال بأن:

- كلمة (طَهُور) اسمٌ مشتركٌ يدور على معانٍ مختلفةٍ، فهي تستعمل في غير النجاسة، كما أنها تستعمل في غير الحدث، قال ابن الجوزي: الطهارة في الأصل: الوضاءة والنظافة.

وذكر أهل التفسير أن الطهارة في القرآن على ثلاثة عشر وجهًا،... ثم ذكرها([4]).

وقال الفيروز آبادي: والطهارة ضربان: جُسمانيّة، ونفسانيّة. وحُمِل عليهما عامّة الآيات... ثم ذكر لها أكثر من عشرة معانٍ مختلفةٍ ([5]).

وإذا احتمل الشيء معنيين لم يَجُزْ أن يُصرف إلى أحدهما دون الآخر بغير حجة.

- أما قولهم: إن حمل اللفظ على حقيقته الشرعية مُقدَّم على اللغوية؛

 فيجاب عنه: بأن ذلك عند عدم وجود دليل أو قرينة صارفة إلى المعنى اللُّغوي. والصوارف هنا كثيرة، وفي هذا يقول الإمام ابن حَزْم: (وأما قولكم: إن طهور الإناء يدل على التنجيس: فقول فاسد؛ لأنه ليس من الواجب في الشرعيات أن يكون الغَسْل في كل محل دليلاً على النجاسة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غُسْل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) متفق عليه، فليس ذلك دليلاً على أن الناس في يوم الجمعة أنجاس.

والموتى يُغَسَّلون غُسْلاً متعددًا، وليس ثَمَّ نجاسة توجب ذلك... وكذلك الإناء من ولوغ الكلب، إنما شرع الغَسْل فيه تعبدًا([6]).

الوجه الثاني:

 أن تعداد الغَسلات إلى سَبْع يدل على نجاسة الكلب نجاسة مغلظة.

ويجاب عنه:

 بأن هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الميت غسلاً متعددًا، وغسَّل ذلك من مات من أصحابه غَسْلات معدودة، وهم من أطهر هذه الأمة أحياءً وأمواتًا، وكذلك غُسِّل النبي صلى الله عليه وسلم غُسْلاً متعددًا، وهذا أطهر ولد آدم حيًا وميتًا، صلى الله عليه وسلم، فهل دل ذلك على غلظ نجاسة فيه؟!

فليس تعديد الغسلات دليلاً على تغليظ النجاسة، ولا على ثبوتها أصلاً، بل العدد في ذلك تعبُّدٌ محض، إذ إن زوال النجاسة لا يتوقف على عدد، فبطل ما تعللتم من ذلك([7]).

الدليل الثاني:

عن ميمونة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن جبريل كان وعدني أن يلقاني، فلم يلقني، أما والله ما أخلفني). فظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومه ذلك على ذلك، ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت سرير لنا، فأمر به فأُخرِج، ثم أخذ بيده ماء، فنَضَح مكانه، فلما أمسى لقيه جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: ( «كنت وعدتني البارحة؟ قال: أجل، ولكنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة» )([8]).

فالحديث يدل على  نجاسة الكلب من وجهين:

الوجه الأول: أن النبي أخذ بيده ماء فنَضَح (أي غَسَل) به مكان الكلب:

 ويجاب عنه بأن الغسل إنما هو لخوف حصول بوله أو رَوَثِه؛ لأنه من المؤكد أن الكلب استوطن المكان لبعض الوقت.

الوجه الثاني: امتناع جبريل عن دخول البيت:

ويجاب عنه:

- بأنه لا مدخل لنجاسة الكلاب وطهارتها في امتناعهم؛ لأنه إذا افترضنا أن الكلاب نجسة، فهل الصورة أيضا نجسة؟!!

- أما عن سبب امتناعهم فقد ذكر العلماء عدة احتمالات ، منها: كثرة أكل الكلاب للنجاسات، ولأن بعضها يسمى شيطانًا كما جاء به الحديث، والملائكة ضد الشياطين، ولقبح رائحة الكلب والملائكة تكره الرائحة القبيحة، ولأنها منهي عن اتخاذها، فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته واستغفارها له ودفعها أذى الشيطان([9]).

- اختلف العلماء في مسألة: هل الحديث المذكور يَعُمُّ كل الكلاب؟ على أقوال، منها: أن هذا خاص بالكلاب التي يحرم اقتناؤها، فأما ما ليس بحرام  ككلب الصيد والزرع والماشية فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه. وقيل إن هذا خاص بالبيت الذي يوحى فيه على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الوحي انقطع بعده، وبانقطاعه انقطع نزولهم.

الدليل الثالث:

قول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسله فإنه رِجْس، ثم اشرب فيه وتوضأ([10]).

فهذا تصريحٌ مِن ابن عباسٍ بنجاسة الكلب، ولم يصحَّ عن أحدٍ مِن الصحابة خلافُه.

ويجاب عنه من وجوه:

الوجه الأول: يحتمل أن يكون هذا الإطلاق مثل إطلاق الرِجْس على الميسر والأنصاب. وقد أنكر بعض أهل العلم ورود لفظ الرِجْس بمعنى النَّجس... فلا تلازم بين التحريم والنجاسة، فقد يكون الشيء حرامًا وهو طاهر، كما في قوله: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}} [النساء: 23]([11]).

الوجه الثاني: على فرض صحة الأثر من جهة الإسناد وأنه انتشر بين الصحابة ولم ينكره أحد منهم، فيكون من قبيل الإجماع السكوتي، والراجح أن هذا النوع من الإجماع ليس بحجة.

الوجه الثالث: أن ابن عباس لم يذكر استعمال التراب، وهذا يقوي رأي القائلين بأن روايات التتريب (الغسل بالتراب) شاذة لا تصح، وقد قال ابن عبد البر وابن العربي: وممن كان يُفْتِي بغسل الإناء دون شيءٍ من التّراب من سَلَفِ الصّحابة والتّابعين: ابن عبّاس، وأبو هريرة، وعُرْوَة، وابن سيرِين، وطاووس، وعمرو بن دينار([12]).

أدلة القائلين بطهارة الكلب وطهارة لعابه:

الدليل الأول:

النصوص القرآنية الدالة على أنَّ الأصل في الأشياء الطهارة وإباحةُ الانتفاع بها بكل وجوه الانتفاع، إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وهذه النصوص سيقت في معرض الامتنان وبيان فضل الله وإحسانه ، منها: قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) (البقرة: 29)، وقوله: {(وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْه)} (الجاثية: 13).

وقد استنبط العلماء عِدَّة مبادئ فقهية وقواعد كلية مبنية على هذا الأصل، منها قولهم: الأصل بقاء ما كان على ما كان، الأصل براءة الذمة، الأصل في الأعيان الطهارة، فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليل.

 والملاحظ أنه لم يرد نص صريح قاطع سالم عن المعارضة في نجاسة الكلاب. ومن ثَمَّ رأى الإمامان - ابن المنذر وابن حزم -  أنه ليس مع من أثبت نجاسة لعاب الكلب حجة، علمًا بأن ابن حزم ألَّف في هذه المسألة كتابًا مستقلاً!.

يقول الإمام ابن المنذر:

 والدليل على إثبات النجاسة للماء الذي ولغ فيه الكلب غير موجود، فليس في أمر النبي صلى الله عليه وسلم- بأن يغسل الإناء من ولوغ الكلب فيه سبعًا- دليل على نجاسة الماء الذي يلغ فيه الكلب؛ وذلك أن الله قد يتعبد عباده بما شاء، فمما تعبدهم به: أن أمرهم بغسل الأعضاء التي لا نجاسة عليها غسل عبادة لا نجاسة.

 وكذلك أمر الجُنُب بالاغتسال، وقد ثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل جنب: «إن المؤمن لا ينجس».

 أما قوله: «طهور إناء أحدكم» فيحتمل أن تكون طهارة عبادة، لا طهارة نجاسة، وإذا احتمل الشيء معنيين لم يجز أن يُصرف إلى أحدهما دون الآخر بغير حجة. ولا أعلم مع من أثبت نجاسة لعاب الكلب حجة، وقد كتبتُ في غير هذا الكتاب أتم من هذا([13]).

ويقول الإمام ابن حزم:

ليس يوجد في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم نص ولا دليل على تنجيس الكلب، ولو كان نجسًا لما أغفل الله تبيين ذلك، وما كان ربك نسيًا... وقد بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يبين ما أمر الله بتبيينه، ويعلمهم ما يلزمهم علمه في دينهم، إلى أن أكمل الله به الدين، واستوفى به التبيين... وما بلغنا قط أنه قال: إن الكلب نجس، فغير جائز أن نشرع نحن شريعة من عند أنفسنا، ونحدث في دين الله ما لم يأذن به الله([14]).

الدليل الثاني:

ذُكر الكلب كوسيلة للصيد في قول الله جل شأنه: {(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ، تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ، فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ)} [المائدة: 4].

ومعنى مُكَلِّبِينَ: أي معلمين للكلاب ومروضين ومؤدبين لها؛ لأن التأديب للصيد أكثر ما يكون في الكلاب.

وجه الدلالة من الآية:

هذا النص أدل شيء على طهارة الكلب ولعابه؛ لأنه من المعلوم أنه إذا أمسك علينا فلابد من وصول لعابه مع أسنانه إلى جسم الصيد، ومعلوم أنهم في مواضع الصيد يطهونه أويشوونه بغسل وبغير غسل، ولو كان لعابه نجسًا لبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم لِمَن صاده في مكان لا ماء فيه ألا يحل له أكله، فلما لم يأت في هذا بيان منه عُلِم أنه مباح أكله، وإن لم يُغْسل من لعاب الكلب إذ تداخله وغاص فيه) ([15]). ومعلوم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فصح بذلك أن الكلب طاهر.

 لذلك تعجب الإمام مالك رحمه الله، وقال: كيف يُؤكل صيدُه ويكون لعابه نجسًا؟! وقال ابن العربي: وكان مالك يرى الكلب كأنّه من أهل البيت وليس كغيره من السِّباع. وكان يقول: يُغسَلُ بالماء وَحْدَه([16]).

الدليل الثالث:

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً رأى كلبًا يأكل الثَّرَى من العطش، فأخذ الرجل خُفَّهُ، فجعل يَغْرِفُ له به حتى أرواه، فَشَكَرَ الله له، فأدخله الجنة ([17]).

وجه الدلالة:

 فيه دليل على طهارة سؤر الكلب (بقية الماء الذي شرب منه)؛ لأن الرجل ملأ خُفَّهُ وسقاه به، ولا شك أن سؤره بقي فيه، ومن المؤكد أن الرجل لبسه في الصلاة وغيرها دون أن يغسله، إذ لم يُذْكر في الحديث أنه غسله.

 إضافة إلى أن قوله: (فجعل يغرف حتى أرواه) يدل على أن الفعل تكرر مرة بعد أخرى حتى ذهب عطشه، ولو كان سؤره نجسًا لأفسد البئر بذلك([18]).

الدليل الرابع:

 عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كانت الكلاب تُقْبِلُ وتُدْبِرُ في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا يَرُشُّون شيئًا من ذلك([19]).

فيه دلالة على أن الكلب طاهر؛ لأن من لوازم إقبالها وإدبارها - في الأغلب- أن تًجُرَّ أنوفها في أرضية المسجد وتلحس فيه الماء وفتات الطعام؛ لأنه كان مبيت الغرباء والوفود، وكانوا يأكلون فيه، وكان مسكن أهل الصفة، ولو كان الكلب نجسًا لمُنِع من دخول المسجد لاتفاق المسلمين أن الأنجاس تجنب المساجد... وقوله: (تُقْبِلُ وتُدْبِرُ): يدل على التكرار، وتركهم الكلاب تدخل وتخرج يدل على أنه لا نجاسة فيها؛ لأنه ليس في حيٍّ نجاسة([20]).

الخلاصة والترجيح:

-  الذي يظهر لي والله أعلم أن الكلب طاهر؛ لعابه وشعره وجميع بدنه، وإنما جاء الأمر بغسله سبع مرات، لما ثبت أن الكلب يحمل أمراضًا خطيرة في لعابه يصعب توَقِّيها.

- لفظ (النجاسة) لم يرد صريحًا في نصوص السنة، وإنما ورد تفسيرًا واستنباطًا من الأئمة القائلين بنجاسة الكلب، كما يُلاحَظ أن توجيههم للأدلة وردودهم على القائلين بطهارة الكلب فيها تكلف واحتمالات عقلية بعيدة، ومعلوم أن الاحتمال الناشئ من غير دليل لا يُعتد به.

- رخص لنا الشرع في اقتناء كلب الصيد والماشية، ولابد لمن اقتناه أن يصيبه رطوبة شعره كما يصيبه رطوبة البغل والحمار وغير ذلك، فالقول بنجاسة لعابه وشعره - إن كان رطبًا - يوقع في الحرج، والحرج مرفوع عن الأمة، ويزداد الحرج إذا لامس لعابه أو شعره - إن كان رطبًا - فرش البيت أو أثاثه، إذ كيف يُغسل الفرش والأثاث سبع مرات أولاهن بالتراب؟!!.

- غسل الإناء سبع مرات خاص بالولوغ والشرب بالفم فقط، فإذا مس الكلب - بشعره أو لعابه - شيئًا طاهرًا لا يجب غسله.

والله تعالى أعلى وأعلم، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين.

 

([1]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/ 36).

([2]) شرح بلوغ المرام للشيخ عطية سالم (3/ 5).

([3]) اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (160 (.

([4]) نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر (ص: 419).

([5]) بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (3/ 528)، وينظر: المفردات في غريب القرآن (ص: 525).

([6]) رسالة (الكلب طاهر) للإمام ابن حزم. وقريب منه في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 273)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (3/ 40(.

([7]) رسالة (الكلب طاهر) لابن حزم.

([8]) رواه مسلم رقم (2105).

([9]) شرح النووي على مسلم (14/ 84).

([10]) رواه ابن المنذر في الأوسط (1/ 306)، ابن عبد البر في التمهيد (18/ 268)، وقال الحافظ ابن حجر: رواه محمَّد بن نصر المروزي بإسناد صحيح، فتح الباري (1/ 276).

([11]) السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار (ص: 25).

([12]) المسالك في شرح موطأ مالك (2/ 125)، الاستذكار (1/ 206).

([13]) الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (1/ 306).

([14]) رسالة (الكلب طاهر) لابن حزم.

([15]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (1/ 269)، رسالة (الكلب طاهر) لابن حزم.

([16]) المسالك في شرح موطأ مالك (2/ 125)، الاستذكار (1/ 206).

([17]) اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (1474).

([18]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (1/ 267).

([19]) أخرجه أبو داود (382)، والبخاري معلقًا (174)، وابن حبان (1656) وإسناده صحيح.

([20]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (1/ 268).

أحمد عبد المجيد مكي

حاصل على درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية