فقهُ التفكير في القرآن

منذ 8 ساعات

يمدّنا القرآن بخطوات التفكير المنطقي الذي يصل بنا إلى أصح الآراء، وأدقّ النتائج، وهاهنا رحلة وتأمّل في موقف إبراهيم من تفكّره في الكواكب؛ وكيف وصل إلى أنها غير مؤهّلة لأن تكون الإله القادر.

يمدّنا القرآن بخطوات التفكير المنطقي الذي يصل بنا إلى أصح الآراء، وأدقّ النتائج، وهاهنا رحلة وتأمّل في موقف إبراهيم من تفكّره في الكواكب؛ وكيف وصل إلى أنها غير مؤهّلة لأن تكون الإله القادر.
 وسنعلم بحسن التدبّر الطريقة التي اتّبعها في التفكير للوصول إلى معرفة الإله العظيم القدير الذي خلق هذا الكون.

قال الله تعالى:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ۝ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ۝ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ۝ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ۝ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ۝ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}  [الأنعام:74- 79].

لقد شعر إبراهيم عليه السلام ببطلان عبادة الأصنام التي كان يعبدها قومه، لأن الإنسان هو الذي يصنع هذه الأصنام . فكيف يعبد الإنسان شيئاً يصنعه بيديه؟!
{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ}
ثم إن هذه الأصنام لا حول لها ولا قوة، فلا يمكن أن تتصف بالألوهية فالإله قوي، قادر، متحكم في الكون، واهب النعم، وموزع الأرزاق.
{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَالَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أَفَ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}
إن شعور إبراهيم عليه السلام ببطلان عبادة الأصنام، وعدم استحقاقها للربوبية، قد أثار في نفسه مشكلة أخذت تلح عليه، وتسيطر على تفكيره، وهي: من هو إلٰه هذا الكون؟

انتقل إبراهيم عليه السلام بعد ذلك إلى مرحلة الملاحظة وجمع المعلومات والبيانات. فأخذ يلاحظ الظواهر الكونية المختلفة في السماوات والأرض لعله يهتدي منها إلى معرفة الإله. 

فنظر في الكواكب والقمر والشمس، وفي غيرها من الظواهر الكونية الأخرى سواء في السماوات أو في الأرض. 
ويستفاد ذلك من قوله تعالى: {وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين}.
وفي أثناء مرحلة الملاحظة وجمع المعلومات عن الظواهر الكونية المختلفة، وضع إبراهيم عليه السلام بعض الفروض. 

• فلما جنّ الليل ورأى كوكباً يتلألأ في السماء المظلمة وضع فرضاً مؤداه أن هذا هو الإله. ولكنه حينما تبين له أن هذا الكوكب قد أصابه التغير؛ إذ إنّه أفَل ولم يعد ظاهرًا، استبعد هذا الفرض لأنه فرض غير ملائم؛ إذ إنّ الإلهَ يجب أن يكون ثابتاً لا يصيبه التغير، وموجودًا دائمًا لا يغيب. 

• ولما رأى القمر ساطعاً في جوف الظلام، وضع فرضًا آخر مؤداه أن القمر هو الإله. ولكنه لما رآه يغيب أيضًا استبعد هذا الفرض؛ لعدم ملاءمته لصفات الألوهية. 

• ولما رأى الشمس ساطعة تملأ الدنيا ضياءً ودفئًا، وأكبر حجمًا من الكواكب الأخرى، وضع فرضًا آخر فقال إن الشمس هي الإله. ولكنه لما رآها تغيب أيضًا استبعد هذا الفرض لعدم ملاءمته لصفات الألوهية.

• قام إبراهيم عليه السلام أخيرًا بوضع فرض مؤدّاه أن الإله هو الذي خلق الكواكب جميعاً والسماوات والأرض وجميع ما فيها من مخلوقات. فقال: «إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين».

ولا شك أنه فكر في هذا الفرض الذي اهتدى إليه أخيرًا، وجمع كثيراً من الملاحظات الأخرى عن الظواهر الكونية فلم يجد ما ينقض هذا الفرض، بل وجد أن جميع ما يشاهده من بديع خلق الله وصنعه، ومما في الكون من نظامٍ محكمٍ يدل على وجود إله قوي قادر حكيم، هو الذي خلق هذا الكون وما فيه من مخلوقات في هذا النظام المحكم الدقيق.

________________________________________
الكاتب: ماجد السُّلمي