بل هو قراركِ.. وحدك!
في أحد اللقاءات التي جمعتني بشابات واعيات مثقفات تناولنا فيها معايير الاختيار للزوج.. ومن يؤثِّر بقرار القبول أو الرفض.. عاجلتني إحداهنّ برأيها الذي أود التوقف عنده في هذه المقالة لتبيان الصواب برأيي في هذا الجانب الذي أثارته الأخت الكريمة..
في أحد اللقاءات التي جمعتني بشابات واعيات مثقفات تناولنا فيها معايير الاختيار للزوج.. ومن يؤثِّر بقرار القبول أو الرفض.. عاجلتني إحداهنّ برأيها الذي أود التوقف عنده في هذه المقالة لتبيان الصواب برأيي في هذا الجانب الذي أثارته الأخت الكريمة..
فقد علّقت الأخت أنه من ضمن الذين يؤثِّرون على قرارها هي "شيختها".. وحتى الآن لا غبار على كلامها إذ من الطبيعي استشارة الفتاة لمَن تتوسّم فيهم الخير والنضج والصلاح.. ولكن ما أثار حفيظتي كان عبارتها التي أردفت بها إذ قالت: شيختي تستطيع أن تقرر عني.. فهي تعرفني أكثر من نفسي وهي تفقه في كل شيء وبالتالي هي الأقدر على الاختيار الصحيح وسأمتثل لِما تقوله لي مهما كان!
وهنا لي وقفات في نقاط سريعة:
النقطة الأولى: لا يمكن ولا ينبغي أن يعرف أحدٌ شخصيةً ما أكثر من المرء نفسه! مهما بلغت درجة نورانيته أو ذكائه.. فالإنسان على نفسه بصيرة وهو الأقدر على الغوص في أعماق ذاته واكتشاف غمارها..
النقطة الثانية: لا يجوز أن نستسلم لقرار أي شخصٍ كان دون التفكير إن كان هذا الأمر يناسبنا قبل الإقدام عليه.. خاصة في موضوع مصيري وهام وخطير كالزواج.. فالشيخة تنظر بمنظارها وقد لا تكون مطّلعة على كل مجريات الأمور وخلفياتها فكيف لها أن تقرر عني إن كان هذا الشاب مناسباً لي؟ ثم أخضع لقرارها وأنا على يقين أنها تفهم في هذا الأمر أكثر مني أنا نفسي صاحبة الأمر!! والقرار يجب أن يكون مستنداً أيضاً على جلوس الفتاة مع الشاب والتعرف على شخصيته وتفكيره وغيرها من الأمور الدقيقة التي لا تظهر إلا بالمكاشفة والسؤال فهل هذا متاح للشيخة؟ وإن كان الأهل لا يحق لهم أن يقرروا عن ابنتهم فهل يحق لغيرهم وهم أولى؟!!
النقطة الثالثة: حين عبّرت هذه الأخت الكريمة عن إيمانها أن الشيخة تفهم أكثر ويمكنها أخذ القرار الأسلم.. سألتها: هل تعتقدين أن امرأة لم تخض الحياة الزوجية بكل ما فيها –وهو حال شيختها- قادرة على المشورة بشكل سليم حول هذه الحياة بكل ما تشوبها؟ فأجابت بشكل قاطع: بالطبع لا تستطيع! فقلت لها: فكيف إذاً تؤكدين على أن شيختك تفهم أكثر في هذا الأمر وباستطاعتها أخذ القرار المناسب؟! فسكتت حين شعرت ببعض تناقض في كلامها ثم أردفت: هي غير! فما معنى هي غير؟ لا أحد "غير" لأنه يبقى في دائرة البشر.. وكل أحد هو يخطئ ويصيب!
النقطة الرابعة والمهمة أيضاً: ورد في صحيح مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقِّحون فقال: "لو لم تفعلوا لصلح" قال: فخرج شِيْصاً (أي رديئاً).. فمرّ بهم فقال "ما لنخلكم؟" قالوا: قلتَ كذا وكذا.. قال: "أنتم أعلم بأمر دنياكم". فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل خلق الله جل وعلا وأحسنهم وأتقاهم قال عن أمر دنيوي لا خبرة له فيه: أنتم أعلم بأمر دنياكم! فهل هذه الشيخة على فضلها وصلاحها أعلم بأمور دنيانا منا وفي أمور لا تفقه فيها لأنها لم تعشها ولم تخض فيها؟! أشُكّ!
والنقطة الخامسة: كيف يمكن لامرئ حباه الله عز وجل بعقل وإدراك ونبض أن يجيِّر صك قراره لشخص آخر كائناً من كان ويلغي شخصيته وتفكيره ويتقازم أمام أيٍّ كان حتى لو كان شيخاً أو مربياً!؟! أفهم أن الاحترام واجب والمشورة مطلوبة.. ولكني لا أفهم كيف أُخرِس صوتي وأستعير صوتاً آخر ليرتّل ترانيم حياتي الخاصة!!
مؤلمٌ أن نسلّم الأمر كله لإنسان يتحكّم بذواتنا ومشاعرنا وحياتنا كما يشاء.. والمؤلم أكثر.. حين نكون قد أعطيناه حجماً أكبر بكثير مما هو عليه وألبسناه ثوباً فضفاضاً لا يليق به.. والقاتل.. حين لا نكون على مستوى من الإدراك عميق لمعرفة دعاة الدِّين الأبرار وأولئك الذين لا يُعيرون أيِّ بال لكثرة بدعهم!
- التصنيف: