يقول: "الله مستوٍ على عرشه بطريقة رمزية"

منذ 2006-12-10
السؤال: ما رأي فضيلتكم في قول من يقول: "إن الله مستوٍ على عرشه بطريقة رمزية كما بٌيِّن كثير من أشياء الجنة للبشر في لغتهم كي يفهموا ويدركوا معانيها"؟
الإجابة: فأجاب حفظه الله تعالى بقوله: لو تأمل المتكلم الكلام وأعطاه حقه من التأمل لعلم أن القرآن المبين ليس فيه شيء تكون معانيه رمزية، فإن الرموز مخالفة لبيان القرآن الكريم، بعيدة عن دلالاته، كيف وقد قال الله عنه: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى}، وقال تعالى: {كتاب فصلت آياته قرآنا عربياً لقوم يعلمون}، وقال في وصفه: {حم * والكتاب المبين.إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون}، وقال: {إن هو إلا ذكر وقرآن مبين}، فكيف يكون هذا القرآن العظيم الذي نزل تبياناً لكل شيء، وفصلت آياته، ووصفه من أنزله بأنه مبين، وأنه جعله قرآناً عربياً من أجل عقله وفهمه أقول: كيف يكون ما هذا شأنه ووصفه رموزاً في أعظم المطالب وهي صفات الله عز وجل؟!!

إذا كنا نمنع منعاً باتاً الدلالات الرمزية في الأحكام التكليفية التي متعلقها أعمال العباد التي قد يسوغ الاجتهاد في بعضها حسبما تقتضيه الشريعة، فكيف نسوغ لأنفسنا أن نعمل بالدلالات الرمزية في الأخبار المحضة التي لا مجال للرأي فيها بوجه من الوجوه، لاسيما ما يتعلق بأسماء الله وصفاته؟

إننا لو سوّغنا ذلك لأنفسنا لتلاعب الناس في كلام الله، وكلام رسوله وصار كل واحد من الناس، أو كل طائفة من الناس تدّعي أن هذه الآية أو هذا الحديث رمز لكذا وكذا، فتبطل الشريعة بهذا المعيار عقيدة ومنهجاً.

ولا أدري هل يمكن لقدم مؤمن أن تثبت في الدنيا، أو إذا لاقى ربه يوم القيامة على دعوى أن في كلام الله تعالى ما دلالته رمزية وقد أخبر الله تعالى عنه أنه جعله قرآناً عربياً لنعقله ونفهمه على مقتضى اللسان العربي الذي نزل به؟

إذن يجب علينا أن نفهم كلام الله تعالى على مقتضى اللسان العربي وقد علم من ذلك اللسان العربي أن الاستواء إذا تعدى بـ: "على" كان معناه العلو والارتفاع، لكن يجب أن نفهم فيما يتعلق باستواء الله تعالى على عرشه أمرين:

أحدهما: أن استواءه على عرشه ليس كاستواء الإنسان على الفلك والأنعام والسرر، لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}، ولأنه لا يمكن أن تكون صفات الخالق كصفات خلقه لتباين ما بين الخالق والمخلوق.

ثانيهما: أنا لا نعلم كيفية استوائه لقوله تعالى: {ولا يحيطون به علماً}، ولأن الله تعالى أخبرنا عن استوائه ولم يخبرنا عن كيفيته، والغائب المخبر عنه لا تعلم كيفيته إلا بمشاهدته، أو مشاهدة نظيره، أو الخبر الصادق عنه. ولهذا لمّا سئل مالك إمام دار الهجرة عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى}، قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، فبيّن رحمه الله أن الاستواء معلوم حيث نفي جهله وهو العلو والارتفاع، وأن الكيف لا يدرك بالعقل وإنما يدرك بالسمع، ولم يرد به فيبقى مجهولاً، وأن الإيمان بالاستواء واجب على حسب مراد الله تعالى سواء فهمنا كيفيته أم لم نفهمها، وأن السؤال عنه أي عن الكيف بدعة، لأنه من سمات أهل البدع، ولأنه لم يسبق السؤال عنه من الصحابة الذين هم أحرص الناس على سلامة العقيدة وتصحيحها وفهم كلام الله ورسوله.

وهذا هو القول الحق الصحيح في استواء الله تعالى على عرشه وفي بقية صفاته أن تجري على ظاهر الخطاب المفهوم بمقتضى اللسان العربي لكن بدون تكييف ولا تمثيل.

فإن قال قائل: إذا فسرتم استواء الله على عرشه بعلوه عليه وارتفاعه لزمكم أن تقولوا: إنه مستو على كل شيء كما أنه عال على كل شيء.

فالجواب على ذلك أن هذا ليس بلازم لنا، لأن الاستواء على الشيء أخص من مطلق العلو عليه، فهو علو خاص بما يكون عليه الاستواء ولهذا فسره بعض السلف بالاستقرار.

وقوله: "كما بين كثير من أشياء الجنة للبشر في لغتهم كي يفهموا ويدركوا معانيها"، فهذا حق ولكن هل يقول أحد إن قوله تعالى: {فيهما فاكهة ونخل ورمان}، لا يدل على أن في الجنتين فاكهة ونخلاً، ورماناً، وإنما يدل على أن فيهما شيئاً رمز إليه بفاكهة، ونخل، ورمان، أو يقول: إن في الجنتين فاكهة، ونخلاً، ورماناً على وجه الحقيقة ولكن لا تماثل ما في الدنيا من النخل، والرمان، والفاكهة.

فإن قال بالأول لم يكن للتعبير بالفاكهة، والنخل، والرمان فائدة أصلاً إذ الرمز إلى المراد بهذه الثلاثة أو غيرها سواء، وإن قال بالثاني فهو حق لأن في الجنة فاكهة، ونخلاً، ورماناً، لكن لا يماثل ما في الدنيا لقوله تعالى في الحديث القدسي: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".

وهكذا نقول في استواء الله على عرشه: إنه حق على ما تقتضيه اللغة العربية لكن لا يماثل استواء المخلوقين لما سبق من انتفاء التماثل بينهما سمعاً وعقلاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الأول - باب الأسماء والصفات.

محمد بن صالح العثيمين

كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية