هل تثبت العينان لله تعالى، وما دليل ذلك؟

منذ 2006-12-10
السؤال: هل تثبت العينان لله تعالى، وما دليل ذلك؟
الإجابة: فأجاب بقوله: الجواب على ذلك يتحرر في مقامين:

المقام الأول: أن لله تعالى عينين، فهذا هو المعروف عن أهل السنة والجماعة، ولم يصرّح أحد منهم بخلافه فيما أعلم، وقد نقل ذلك عنهم أبو الحسن الأشعري في كتابه: "اختلاف المصلين ومقالات الإسلاميين"، قال: مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث فذكر أشياء ثم قال: "وأن له عينين بلا كيف كما قال: {تجري بأعيننا}، نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية ص 90/5 من مجموع الفتاوى لابن قاسم، ونقل عنه أيضاً مثله في ص 92 عن كتابه: "اختلاف أهل القبلة في العرش"، ونقل عنه أيضاً مثله في ص 94 عن كتابه: "الإبانة في أصول الديانة"، وذكر له في هذا الكتاب ترجمة باب بلفظ: "باب الكلام في الوجه، والعينين، والبصر، واليدين"، ونقل شيخ الإسلام في هذه الفتوى ص 99 عن الباقلاني في كتابه: "الإبانة"، قوله: صفات ذاته التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها هي الحياة والعلم، إلى أن قال: "والعينان واليدان".

ونقل ابن القيم ص 118، 119، 120 في كتابه: "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة و الجهمية"عن أبي الحسن الأشعري وعن الباقلاني في كتابيه: "الإبانة والتمهيد" مثل ما نقل عنه شيخ الإسلام، ونقل قبل ذلك في ص 114 عن الأشعري في كتابه: "الإبانة" أنه ذكر ما خالفت به المعتزلة كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة إلى أن قال: "وأنكروا أن يكون لله عينان مع قوله تعالى: {تجري بأعيننا}.

وقال الحافظ ابن خزيمة في: "كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب" ص 30 بيان النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله مبيناً عنه في قوله عز وجل: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}، فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن لله عينين، فكان بيانه موافقاً لبيان محكم التنزيل، ثم ذكر الأدلة، ثم قال في ص 35: "نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى".

وقال في ص 55، 56: "فتدبروا يا أولي الألباب ما نقوله في هذا الباب في ذكر اليدين ليجري قولنا في ذكر الوجه والعينين تستيقنوا بهداية الله إياكم، وشرحه جل وعلا صدوركم للإيمان بما قصه الله عز وجل في محكم تنزيله، وبينه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من صفات خالقنا عز وجل، وتعلموا بتوفيق الله إياكم أن الحق والصواب والعدل في هذا الجنس مذهباً مذهب أهل الآثار ومتبعي السنن، وتقفوا على جهل من يسميهم مشبهة" أ.هـ.

فتبين بما نقلناه أن مقالة أهل السنة والحديث أن لله تعالى عينين تليقان بجلاله وعظمته لا تُكيّفان، ولا تشبهان أعين المخلوقين، لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، روى عثمان بن سعيد الدارمي ص 47 من رده على المريسي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله كان سميعاً بصيراً}، فوضع أصبعه الدعاء على عينيه وإبهامه على أذنيه.


المقام الثاني: في ذكر الأدلة على إثبات العينين:

قال البخاري رحمه الله تعالى: باب قول الله تعالى: {ولتصنع على عيني}، وقوله جل ذكره: {تجري بأعيننا} ثم ساق بسنده حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال ذكر الدجال عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنه لا يخفى عليكم أن الله ليس بأعور، وأشار بيده إلى عينه، وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية".

وقد استدل بحديث الدجال على أن لله تعالى عينين عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه: "الرد على بشر المريس" الذي أثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: "إن فيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما" يعني هذا الكتاب، وكتابه الثاني: "الرد على الجهمية" قال الدارمي في الكتاب المذكور(ص 43 ط أنصار السنة المحمدية )، بعد أن ساق آيتي صفة العينين: ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال فقال: "إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور"، قال: والعور عند الناس ضد البصر، والأعور عندهم ضد البصير بالعينين.

وقال في ص 48 ففي تأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليس بأعور بيان أنه بصير ذو عينين خلاف الأعور.

واستدل به أيضاً الحافظ ابن خزيمة في كتاب التوحيد كما في ص 31 وما بعدها.

ووجه الاستدلال به ظاهر جداً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين لأمته شيئاً مما ينتفي به الاشتباه عليهم في شأن الدجال في أمر محسوس، يتبين لذوي التفكير العالمين بالطرق العقلية وغيرهم، بذكر أن الدجال أعور العين والرب سبحانه ليس بأعور، ولو كان لله تعالى أكثر من عينين لكان البيان به أولى لظهوره وزيادة الثناء به على الله تعالى، فإن العين صفة كمال فلو كان لله أكثر من اثنتين كان الثناء بذلك على الله أبلغ.

وتقرير ذلك أن يقال: ما زاد على العينين فإما أن يكون كمالاً في حق الله تعالى أو نقصاً، فإن كان نقصاً فهو ممتنع على الله تعالى لامتناع صفات النقص في حقه، وإن كان كمالاً فكيف يهمله النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه أبلغ في الثناء على الله تعالى!! فلما لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم عُلم أنه ليس بثابت لله عز وجل، وهذا هو المطلوب.

فإن قيل: ترك ذكره من أجل بيان نقص الدجال بكونه أعور.

قلنا: يمكن أن يذكر مع بيان نقص الدجال فيجمع بين الأمرين حتى لا يفوت ذكر كمال صفة الله عز وجل.

واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذه العلامة الحسيّة ليبين نقص الدجال وأنه ليس بصالح لأن يكون رباً، ولظهورها لجميع الناس لكونها علامة حسية بخلاف العلامات العقلية، فإنها قد تحتاج إلى مقدمات تخفى على كثير من الناس، لاسيما عند قوة الفتنة، واشتداد المحنة، كما في هذه الفتنة فتنة الدجال، وكان هذا من حسن تعليمه صلى الله عليه وسلم حيث يعدل في بيانه إلى ما هو أظهر وأجلى مع وجود علامات أخرى.

وقد ذكر ابن خزيمة رحمه الله في "كتاب التوحيد" ص 31 حديثاً ساقه في ضمن الأدلة على أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن لله تعالى عينين، فساقه بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أنه يقرأ قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}، إلى قوله: {سميعاً بصيراً}، فيضع إبهامه على أذنه، والتي تليها على عينه، ويقول: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويضع أصبعيه.

وقد سبقت رواية الدارمي له بلفظ التثنية، وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح ( ص 373/13 ط خطيب) أن البيهقي ذكر له شاهداً من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: "إن ربنا سميع بصير وأشار إلى عينيه" وسنده حسن أ.هـ.

وقد ذكر صاحب مختصر الصواعق ( ص 359 ط الإمام )، قبيل المثال السادس حديثاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا قام إلى الصلاة فإنه بين عيني الرحمن" الحديث لكنه لم يعزُه فلينظر في صحته.

وبهذا تبين وجوب اعتقاد أن لله تعالى عينين، لأنه مقتضى النص وهو المنقول عن أهل السنة والحديث.

فإن قيل: ما تصنعون بقوله تعالى: {أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا}، وقوله: {تجري بأعيننا} حيث ذكر الله تعالى العين بلفظ الجمع؟

قلنا: نتلقاها بالقبول والتسليم، ونقول: إن كان أقل الجمع اثنين كما قيل به إما مطلقاً أو مع الدليل فلا إشكال لأن الجمع هنا قد دل الدليل على أن المراد به اثنتان فيكون المراد به ذلك، وإن كان أقل الجمع ثلاثة فإننا نقول جمع العين هنا كجمع اليد في قوله تعالى: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً}، يراد به التعظيم والمطابقة بين المضاف والمضاف إليه، وهو: "نا" المفيد للتعظيم دون حقيقة العدد، وحينئذ لا يصادم التثنية.

فإن قيل: فما تصنعون بقوله تعالى يخاطب موسى: {ولتصنع على عيني}، حيث جاءت بالإفراد؟

قلنا: لا مصادمة بينها وبين التثنية، لأن المفرد المضاف لا يمنع التعدد فيما كان متعدداً، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}، وقوله تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم}، فإن النعمة اسم مفرد، ومع ذلك فأفرادها لا تحصى.

وبهذا تبين ائتلاف النصوص واتفاقها وتلاؤمها، وأنها ولله الحمد كلها حق، وجاءت بالحق، لكنها تحتاج في بعض الأحيان إلى تأمل وتفكير، بقصد حسن، وأداة تامة، بحيث يكون عند العبد صدق نية بطلب الحق واستعداد تام لقبوله، وعلم بمدلولات الألفاظ، ومصادر الشرع وموارده، قال الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}، فحث على تدبر القرآن الكريم وأشار إلى أنه بتدبره يزول عن العبد ما يجد في قلبه من الشبهات، حتى يتبين له أن القرآن حقٌ يصدق بعضه بعضاً، والله المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الأول - باب الأسماء والصفات.

محمد بن صالح العثيمين

كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية