حكم تدريس القرآن بأجرة

منذ 2006-12-27
السؤال: حامل قرآن يعقد صفقة مع شخص ليعلم له أطفاله براتب معين مشاهرة أو لمدة سنة، هل هذا صحيح أم هذه الصفقة ربوية؟
الإجابة: لا، هذه إجارة صحيحة، وهي مثل إجارة موسى عليه السلام التي بين الله تعالى في سورة القصص، فقد بين الله تعالى أن شيخ مدين لما أتاه موسى قالت له ابنته: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ * فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً}، فهذه القصة قصَّها الله سبحانه وتعالى علينا في كتابه، وشرع من قبلنا إذا ثبت بشرعنا ولم يخالفه شرعنا كان شرعاً لنا، فهي ثبتت بشرعنا ولم يخالفها شرعنا، فكان أصلاً في تشريع الإجارة على المنافع، فهي صفقة على المنافع وكانت المنافع فيها من الطرفين، فدل ذلك على جوازها من الطرف الواحد من باب أولى، فالمنافع هي البضع من جهة وهو منفعة المرأة ورعاية الغنم من جهة وهي منفعة فمنفعة قوبلت بمنفعة.

وأهل العلم يذكرون أن العقود في هذا الباب إما أن تكون عيناً بعين، وإما أن تكون عيناً بمنفعة، وإما أن تكون عيناً بدين أو العكس فيحصل بذلك تسع صور، لأن العين تقابلها عين أو منفعة أو دين، والمنفعة كذلك تقابلها عين أو منفعة أو دين، والدين يقابله عين أو منفعة أو دين، فهذا في أصل تصور العقود، عقود المعاوضات.

وهذا الشخص باع منفعة وهي تعليم قرآن في مقابل محدد فكان ذلك إجارة صحيحة، وهذا محله إذا كان العقد على التعليم، أما إذا كان على الحِذاق أو على التحفيظ أو على الإجازة فتكون حينئذ جُعالة لا إجارة، والجُعالة على الراجح عقد جائز، وذهب الحنفية إلى أن الجعالة غير صحيحة لما فيها من الغرر، وذهب جمهور أهل العلم إلى جوازها وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد فيرون أن الجعالة عقد من العقود الجائز، أبو حنيفة وحده هو الذي يرى حرمة الجعالة ويردها إلى الإجارة.

والفرق بينهما أن الإجارة العقد فيها على أمر محدد، وهو على أن تعلم هذا الولد ومن المعلوم أن تعليم الأولاد معروف عرفاً، فالمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، فيعلمه في الصباح في الوقت الفلاني المعروف إلى الوقت الفلاني، وفي المساء كذلك، وما يدخل في ذلك من مراجعة ما حفظه من القرآن أيضاً يدخل في العقد إلا إذا سمي أو اشترط شيء من ذلك بعينه، فهذا معروف والمرجع فيه إلى العادة والعرف فيكون هذا من باب الإجارة.

أما إذا كان هذا على الحِذَاقِ بأن يقول له: على أن تُحفِّظ لي هذا الولد القرآن بإتقان برواية ورش عن نافع، أو برواية ورش وقالون عن نافع، أو بالقراءات السبع من طريق الشاطبية أو بالقراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة أو من طريق طيبة النشر مثلاً، فيشترط عليه حذاق عدد من القراءات مثلاً أو حفظاً، فهذا النوع جعالة لأنه لا يدري في كم يستطيع ذلك، وقد يكون الولد ذكياً فيحفظ بسرعة وقد لا يكون الحال كذلك.

وأعرف بعض مدرسي القرآن يتورع عن أخذ الأجرة من بعض الأطفال لذكائهم، فيقول: "لم أتكلف فيه أي شيء، هو يكتب لنفسه ويقرأ فيحفظ لنفسه، فلا أرى ما يبيح لي أخذ الأجرة"، وهذا من باب الورع، وهو مناسب لحملة القرآن فإن الله شرفهم بهذا القرآن العظيم، ولذلك ينبغي أن يجعلوا في أنفسهم العزة والترفع عما لا خير فيه فقد قال سليمان عليه السلام: {مَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}، ولكن لا يجب ذلك، فالعقد يقتضي أن يبذل ما يبذله مثله، فإذا كان ذلك من غير كلفة فهذه منحة من الله سبحانه وتعالى، فإذن فرق بين الإجارة والجعالة في هذا الباب، فالجعالة هي على التحفيظ أو الحذاق، والإجارة هي أن يدرسه لمدة شهر مثلا أو لمدة سنة، فالشهر راتبه بكذا والسنة بكذا، فهذا النوع إجارة ولا خلاف فيها.

أما النوع الأول فهو جعالة وهي محل خلاف، ومذهب جمهور أهل العلم إباحتها وذهب أبو حنيفة إلى تحريمها، ويستدل أهل العلم للعقدين معاً على تحفيظ القرآن بقصة الواهبة نفسها، فقد ثبت أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس من أصحابه، فقالت: يا رسول الله: وهبتك نفسي، فصعد فيها النظر وخفضه حتى علم أصحابه أنه لا يريدها، فقال رجل: يا رسول الله زوجنيها، فقال: "هل عندك من شيء؟" قال: إزاري، قال: "إذن جلست بلا إزار"، فقال له: "التمس" فذهب ساعة، ثم رجع فقال: لم أجد شيئاً، فقال: "التمس ولو خاتماً من حديد" فذهب فلم يأتِ بشيء، فقال: "أتحفظ شيئاً من القرآن؟" فقال: نعم، لسورٍ جعل يعددها فقال: سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا، فقال: "أنكحتكها على ما معك من القرآن"، فجمهور أهل العلم أن معنى ذلك أن يحفظها ما معه من القرآن أو أن يعلمها، فإن كان على أن يحفظها كان ذلك جعالة، وإن كان على أن يعلمها كان ذلك إجارة، وعلى كل فإن الصداق هنا هو في مقابل الخدمة التي سيقدمها هو وهي التعليم، وهي متقومة ذات قيمة، فيجوز في مقابل تلك القيمة أيضا النكاح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.

محمد الحسن الددو الشنقيطي

أحد الوجوه البارزة للتيار الإسلامي وأحد أبرز العلماء الشبان في موريتانيا و مدير المركز العلمي في نواكشوط.