ما حكم شرب الدخان؟

منذ 2007-01-12
السؤال: ما حكم شرب الدخان؟
الإجابة: إن الله سبحانه وتعالى يقول في سورة الأعراف في ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، عندما ذكر الله تعالى لموسى وقومِه بِعثةَ هذا النبي الكريم واشترط عليهم اتباعه إذا بُعث فقال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}.

فقد وصف الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه يحل الطيبات ويحرم الخبائث، وقد اتفق أهل العلم على أن الطيبات هي كل ما فيه نفع متمحض أو غالب، فما تمحض نفعه وليس فيه أي ضرر فهذا من الطيبات قطعاً، وكذلك ما غلب نفعه على ضرره وإن كان فيه ضرر مثل السُكَّر فيه بعض الضرر لكن نفعه أكبر من ضرره، ومثل السمن والدهون كلها فيها ضرر ولكن نفعها أكبر من ضررها لأن البدن لا يستغني عنها أصلاً فهذه نفعها أكبر من ضررها فهي من الطيبات قطعاً.

أما الخبائث التي يحرمها النبي صلى الله عليه وسلم فهي كل ما تمحض ضرره أو كان ضرره أكثر من نفعه، فما تمحض ضرره ليس فيه أي نفع فهذا قطعاً من الخبائث، ومنه التدخين.

فالتدخين ليس فيه أي نفع للإنسان، وضرره كبير جداً، فهو سبب رئيس لسرطان الرئة ولغيره من السرطانات، وسبب رئيس لتسوس الأسنان، وهو كريه الرائحة، وفيه النيكوتين المضر جداً بمن لا يستعمله!! فضرره يتعدى صاحبه ويصل إلى غيره، وكذلك فيه أضرار أخرى كبيرة جداً منها ضعف الأداء في القراءة لأن حبال الصوت تتأثر به فتحصل لدى الإنسان بحَّة فيصعب عليه قراءة القرآن بأدائه على الوجه الصحيح، وكذلك صاحبه في كثير من الأحيان ملازم للرائحة الكريهة، وهذا يقتضى منه أن لا يزور المسجد وهذا حجبٌ عن الله سبحانه وتعالى فالإنسان الذي لا يزور المسجد محجوب، والإنسان الذي يزوره بالرائحة الكريهة أيضاً قد فعل ما لا يحل له، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقرب مسجدنا يؤذينا بريح الثوم"، فالرائحة الكريهة لا يمكن أن يدخلها الإنسان في المسجد كذلك، فإن من آثار استعمال الدخان أنه أيضاً عادة سيئة تستشري، فالإنسان الذي يستعمله سيتعود أولاده على استعماله فيكون بذلك أستاذاً يُعلِّم الخبائث علم أولاده الخبائث كما قال غيلان:
ألفى أباه بذاك الكسب يكتسب

فلذلك علينا أن نبتعد عن الدخان مطلقاً استعمالاً وشراء وتوريداً وغير ذلك، فلا نفع فيه.

وما يتوهمه بعض الناس أن فيه تنبيهاً، هذا التنبيه ضرر وليس نفعاً، لأنه يقتضي سيولة في الدم ويقتضي كذلك مخالطة النيكوتين بالدم فهذا ضرر متمحض، وليس نفعاً كذلك ما يتوهمه بعض الناس إذا كان لا يستعمله أنه يروج به بضاعته فيبيع الدخان من أجل أن يأتيه الزبائن ليشتروا مواد أخرى هذا النفع أيضاً غير صحيح، فهذا ليس هو النفع، فالنفع المقصود به في استعماله لا في مجرد الجلب به، فالمخدرات أروج منه، والخمور أروج منه، ولا يبيحها ذلك فلهذا لا بد من الانتباه لمثل هذا النوع والحذر منه غاية الحذر.

وهنا أذكر بقضية تعين الناس على ترك الدخان: فالعلامة المختار ولد بون رحمة الله عليه كان من الذين يستعملون الدخان في فترة من حياته، والعلامة سيد عبدالله ولد الحاج إبراهيم هو من تلامذته، وسيد عبد الله يرى هذا الرأي الذي ذكرناه وسقنا عليه الأدلة وهو حرمة شرب الدخان واستعماله، وقد قال فيه سيد عبد الله رحمه الله:
صلاتنا به وليس يشهد *** مستعمل الشم وطاب تفسد

وقال ابنه محمد محمود:
عند أبي لا شك ذو كفران *** وجامع الدخان والقرآن

فجاء المختار ولد بون إلى سيد عبد الله بـ: "تقانت" يوماً من الأيام، فأراد أن يغير هذه العادة لدى شيخه وهي عادة شرب الدخان فلم يكن ليناقشه بالمباشرة لما فيه من الأدب والحياء من شيخه، فلما أراد المختار السفر وجَّه معه سيد عبد الله طالباً من طلابه النبهاء الأدباء، فقال: اذهب مع الشيخ، فإذا نزل تحت شجرة للمقيل فاسأله أسئلة علمية رتَّبها له، وكان في آخرها هذا السؤال، وهو: هذا الدخان في أي الكفتين هو يوم القيامة؟ هل هو في كفة الحسنات أو في كفة السيئات؟ فجاء الطالب فسأل الشيخ عن هذه الأسئلة التي رتَّب له سيد عبد الله، والمختار يحب الاشتغال بالعلم، فأفاض فيها بالشرح حتى وصل إلى هذا السؤال وهو الأخير: هذا الدخان في أي الكفتين هو يوم القيامة؟ انتفض المختار ولد بون انتفاضاً شديداً، وقال: ليس السؤال لك، بل هو لسيد عبد الله، وأبلغه أنه في كفة السيئات، وأنا تارك له وأتوب إلى الله منه، ورمى كل ما كان معه من عدته، حتى إن المختار رحمه الله يقول في وسيلة السعادة في ذكره للباطل، قال: "ومنه الاشتغال بالدخان" أي من الباطل الاشتغال بالدخان فذكر أنه لا يجلب نفعاً ولا يرفع ضرراً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.

محمد الحسن الددو الشنقيطي

أحد الوجوه البارزة للتيار الإسلامي وأحد أبرز العلماء الشبان في موريتانيا و مدير المركز العلمي في نواكشوط.