سئل عن أقوام يحتجون بسابق القدر
منذ 2007-04-03
السؤال: سئل عن أقوام يحتجون بسابق القدر
الإجابة: سئل شيخ الإسلام مفتي الأنام بقية السلف أبو العباس أحمد بن تيمية
رحمه الله تعالى عن أقوام يحتجون بسابق القدر، ويقولون: إنه قد مضي
الأمر، والشقي شقي، والسعيد سعيد، محتجين بقول الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا
الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}
[الأنبياء:101] قائلين: بأن الله قدر الخير والشر، والزنا
مكتوب علينا، ومالنا في الأفعال قدرة، وإنما القدرة لله، ونحن نتوقي
ما كتب لنا، وأن آدم ما عصى، وأن من قال: لا إله إلا الله دخل
الجنة، محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم" فبينوا
لنا فساد قول هذه الطائفة بالبراهين القاطعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
الحمد لله رب العالمين، هؤلاء القوم إذا أصروا على هذا الاعتقاد كانوا أكفر من اليهود والنصارى، فإن اليهود والنصارى يؤمنون بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، والثواب والعقاب، لكن حرفوا وبدلوا وآمنوا ببعض وكفروا ببعض، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً . أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً . وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:150-152]، فإذا كان من آمن ببعض وكفر ببعض فهو كافر حقاً، فكيف بمن كفر بالجميع، ولم يقر بأمر الله ونهيه ووعده ووعيده، بل ترك ذلك محتجاً بالقدر، فهو أكفر ممن آمن ببعض وكفر ببعض.
وقول هؤلاء يظهر بطلانه من وجوه:
أحدها: أن الواحد من هؤلاء إما أن يرى القدر حجة للعبد، وإما ألا يراه حجة للعبد، فإن كان القدر حجة للعبد، فهو حجة لجميع الناس، فإنهم كلهم مشتركون في القدر، وحينئذ فيلزم ألا ينكر على من يظلمه ويشتمه ويأخذ ماله ويفسد حريمه ويضرب عنقه ويهلك الحرث والنسل، وهؤلاء جميعهم كذابون متناقضون، فإن أحدهم لا يزال يذم هذا، ويبغض هذا، ويخالف هذا، حتى إن الذي ينكر عليهم يبغضونه ويعادونه وينكرون عليه، فإن كان القدر حجة لمن فعل المحرمات وترك الواجبات؛ لزمهم ألا يذموا أحداً، ولا يبغضوا أحداً، ولا يقولوا في أحد: إنه ظالم، ولو فعل ما فعل.
ومعلوم أن هذا لا يمكن أحدا فعله، ولو فعل الناس هذا لهلك العالم، فتبين أن قولهم فاسد في العقل، كما أنه كفر في الشرع، وأنهم كذابون مفترون في قولهم: إن القدر حجة للعبد.
الوجه الثاني: أن هذا يلزم منه أن يكون إبليس وفرعون وقوم نوح وعاد وكل من أهلكه الله بذنوبه معذوراً، وهذا من الكفر الذي اتفق عليه أرباب الملل.
الوجه الثالث: أن هذا يلزم منه ألا يفرق بين أولياء الله وأعداء الله، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا أهل الجنة وأهل النار، وقد قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ . وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ . وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ . وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر:19-22] وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28]، وقال تعالى:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21] .
وذلك أن هؤلاء جميعهم سبقت لهم عند الله السوابق، وكتب الله مقاديرهم قبل أن يخلقهم، وهم مع هذا قد انقسموا إلى سعيد بالإيمان والعمل الصالح، وإلى شقي بالكفر والفسق والعصيان، فعلم بذلك أن القضاء والقدر ليس بحجة لأحد على معاصي الله .
الوجه الرابع: أن القدر نؤمن به ولا نحتج به، فمن احتج بالقدر فحجته داحضة، ومن اعتذر بالقدر فعذره غير مقبول، ولو كان الاحتجاج مقبولا ؛ لقبل من إبليس وغيره من العصاة، ولو كان القدر حجة للعباد؛ لم يعذب أحد من الخلق، لا في الدنيا ولا في الآخرة ولو كان القدر حجة لم تقطع يد سارق، ولا قتل قاتل، ولا أقيم حد على ذي جريمة، ولا جوهد في سبيل الله ولا أمر بالمعروف، ولا نهي عن المنكر.
الوجه الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذا فإنه قال" رواه البخاري ومسلم، وفي حديث آخر في الصحيح أنه قيل .
الوجه السادس: أن يقال: إن الله علم الأمور وكتبها على ما هي عليه، فهو سبحانه قد كتب أن فلاناً يؤمن، ويعمل صالحاً فيدخل الجنة، وفلانا يعصى ويفسق فيدخل النار، كما علم وكتب أن فلاناً يتزوج امرأة ويطؤها فيأتيه ولد، وأن فلاناً يأكل ويشرب فيشبع ويروى، وأن فلانا يبذر البذر فينبت الزرع، فمن قال: إن كنت من أهل الجنة فأنا أدخلها بلا عمل صالح، كان قوله قولاً باطلاً متناقضاً؛ لأنه علم أنه يدخل الجنة بعمله الصالح، فلو دخلها بلا عمل، كان هذا مناقضاً لما علمه الله وقدره.
ومثال ذلك من يقول: أنا لا أطأ امرأة، فإن كان قد قضى الله لي بولد فهو يولد، فهذا جاهل، فإن الله إذا قضى بالولد قضى أن أباه يطأ امرأة فتحبل فتلد، وأما الولد بلا حبل ولا وطء، فإن الله لم يقدره ولم يكتبه، كذلك الجنة إنما أعدها الله للمؤمنين، فمن ظن أنه يدخل الجنة بلا إيمان كان ظنه باطلاً، وإذا اعتقد أن الأعمال التي أمر الله بها لا يحتاج إليها، ولا فرق بين أن يعملها أو لا يعملها، كان كافراً، والله قد حرم الجنة على الكافرين، فهذا الاعتقاد يناقض الإيمان الذي لا يدخل صاحبه النار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثامن.
فأجاب رحمه الله تعالى:
الحمد لله رب العالمين، هؤلاء القوم إذا أصروا على هذا الاعتقاد كانوا أكفر من اليهود والنصارى، فإن اليهود والنصارى يؤمنون بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، والثواب والعقاب، لكن حرفوا وبدلوا وآمنوا ببعض وكفروا ببعض، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً . أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً . وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:150-152]، فإذا كان من آمن ببعض وكفر ببعض فهو كافر حقاً، فكيف بمن كفر بالجميع، ولم يقر بأمر الله ونهيه ووعده ووعيده، بل ترك ذلك محتجاً بالقدر، فهو أكفر ممن آمن ببعض وكفر ببعض.
وقول هؤلاء يظهر بطلانه من وجوه:
أحدها: أن الواحد من هؤلاء إما أن يرى القدر حجة للعبد، وإما ألا يراه حجة للعبد، فإن كان القدر حجة للعبد، فهو حجة لجميع الناس، فإنهم كلهم مشتركون في القدر، وحينئذ فيلزم ألا ينكر على من يظلمه ويشتمه ويأخذ ماله ويفسد حريمه ويضرب عنقه ويهلك الحرث والنسل، وهؤلاء جميعهم كذابون متناقضون، فإن أحدهم لا يزال يذم هذا، ويبغض هذا، ويخالف هذا، حتى إن الذي ينكر عليهم يبغضونه ويعادونه وينكرون عليه، فإن كان القدر حجة لمن فعل المحرمات وترك الواجبات؛ لزمهم ألا يذموا أحداً، ولا يبغضوا أحداً، ولا يقولوا في أحد: إنه ظالم، ولو فعل ما فعل.
ومعلوم أن هذا لا يمكن أحدا فعله، ولو فعل الناس هذا لهلك العالم، فتبين أن قولهم فاسد في العقل، كما أنه كفر في الشرع، وأنهم كذابون مفترون في قولهم: إن القدر حجة للعبد.
الوجه الثاني: أن هذا يلزم منه أن يكون إبليس وفرعون وقوم نوح وعاد وكل من أهلكه الله بذنوبه معذوراً، وهذا من الكفر الذي اتفق عليه أرباب الملل.
الوجه الثالث: أن هذا يلزم منه ألا يفرق بين أولياء الله وأعداء الله، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا أهل الجنة وأهل النار، وقد قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ . وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ . وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ . وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر:19-22] وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28]، وقال تعالى:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21] .
وذلك أن هؤلاء جميعهم سبقت لهم عند الله السوابق، وكتب الله مقاديرهم قبل أن يخلقهم، وهم مع هذا قد انقسموا إلى سعيد بالإيمان والعمل الصالح، وإلى شقي بالكفر والفسق والعصيان، فعلم بذلك أن القضاء والقدر ليس بحجة لأحد على معاصي الله .
الوجه الرابع: أن القدر نؤمن به ولا نحتج به، فمن احتج بالقدر فحجته داحضة، ومن اعتذر بالقدر فعذره غير مقبول، ولو كان الاحتجاج مقبولا ؛ لقبل من إبليس وغيره من العصاة، ولو كان القدر حجة للعباد؛ لم يعذب أحد من الخلق، لا في الدنيا ولا في الآخرة ولو كان القدر حجة لم تقطع يد سارق، ولا قتل قاتل، ولا أقيم حد على ذي جريمة، ولا جوهد في سبيل الله ولا أمر بالمعروف، ولا نهي عن المنكر.
الوجه الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذا فإنه قال" رواه البخاري ومسلم، وفي حديث آخر في الصحيح أنه قيل .
الوجه السادس: أن يقال: إن الله علم الأمور وكتبها على ما هي عليه، فهو سبحانه قد كتب أن فلاناً يؤمن، ويعمل صالحاً فيدخل الجنة، وفلانا يعصى ويفسق فيدخل النار، كما علم وكتب أن فلاناً يتزوج امرأة ويطؤها فيأتيه ولد، وأن فلاناً يأكل ويشرب فيشبع ويروى، وأن فلانا يبذر البذر فينبت الزرع، فمن قال: إن كنت من أهل الجنة فأنا أدخلها بلا عمل صالح، كان قوله قولاً باطلاً متناقضاً؛ لأنه علم أنه يدخل الجنة بعمله الصالح، فلو دخلها بلا عمل، كان هذا مناقضاً لما علمه الله وقدره.
ومثال ذلك من يقول: أنا لا أطأ امرأة، فإن كان قد قضى الله لي بولد فهو يولد، فهذا جاهل، فإن الله إذا قضى بالولد قضى أن أباه يطأ امرأة فتحبل فتلد، وأما الولد بلا حبل ولا وطء، فإن الله لم يقدره ولم يكتبه، كذلك الجنة إنما أعدها الله للمؤمنين، فمن ظن أنه يدخل الجنة بلا إيمان كان ظنه باطلاً، وإذا اعتقد أن الأعمال التي أمر الله بها لا يحتاج إليها، ولا فرق بين أن يعملها أو لا يعملها، كان كافراً، والله قد حرم الجنة على الكافرين، فهذا الاعتقاد يناقض الإيمان الذي لا يدخل صاحبه النار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثامن.
- التصنيف: