أسرفت على نفسي بالمعاصي، فماذا أفعل؟

منذ 2007-06-07
السؤال: ارتكبت الكثير من الكبائر أستحيي أن أذكرها، فبمجرد التفكير بما اقترفت أصاب باليأس والإحباط، إنني رجل مؤمن، ولكن ينتابني شعور بالقنوط وبأن الله لن يتقبل أعمالي، أريد التخلص من هذا الهاجس الذي يحول بيني وبين الإقبال على الله كأي عبد لم يسبق له أن يعصي الله وظلم نفسه وظلم الناس.
أذنبت كثيراً وذنوبي عظيمة ... فهل لي من توبة؟ وكيف أتوب من كل هذه الموبقات؟ إنَّ قلبي يتدمر كل يوم بسبب ما اقترفته من معاصي التي أشعر وكأنني سجينها، أرجوكم أن تدعو لي الله أن ينوِّر لي طريق التوبة النصوح، وأن يصلح أعمالي.
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحمدُ لله الذي منَّ عليك بالتوبة، ووفقك لها؛ فهي نعمة من أعظم النعم، ونسأل الله لك الثبات.

فإن من سعة رحمة الله بعباده أنه وعد التائبين بقبول توبتهم، مهما بلغت ذنوبهم، فقال سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الفرقان:67-70]، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور31].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" (رواه مسلم من حديث أبي موسى)، وأخرج الترمذي وغيره عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي".

فالواجب على من ابتُلي بإثم سواء كان كبيرة أو حتى شركاً؛ المسارعةُ بالتوبة النصوح، والاستغفار، والندم على التفريط.

هذا؛ ومن لوازم التوبة: الإقلاع عن الذنب، والابتعاد عن أسبابه، وكلِّ ما يؤدي إليه، والعزمُ على عدم العود إليه، والندمُ على ما فات، فإن كانت توبتك على هذا النحو، فأبشر بفضل الله تعالى، مادامت توبتُك قبل أن تغرغر -أي: قبل أن تبلغ الروح الحلقوم-، ويستحب أن تصلي ركعتي التوبة، وأَكْثِرْ من العمل الصالح، ومخالطة أهل الخير، ومجانبة أهل الشر؛ قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة هود: 114،115].

وقد ذكر أهل العلم أمارات تدل على صدق توبة العبد:

منها: أن العبد التائب يجد حرقة في قلبه على ما فرط منه في جنب الله.
ومنها: أنه ينظر لنفسه بعين التقصير في حق الله الجليل؛ فيكون أشد تجافياً عن الذنب وعن أسبابه.
ومنها: أنه يميل إلى الإقبال على ربه ومولاه؛ فيصاحب أهل الفضل والخير، ويقاطع أصدقاء السوء، وينظر إلى توفيق الله له بالتوبة، فيفرح بها، ويحافظ عليها، ويخاف زوالها، ويخشى عقوبة نكثها.

وهذا إذا كانت التوبة لا تعلُّق لها بحق بني آدم، أما إن كان لها تعلق بحقوق الآخرين من عرض أو مال، فلا بُدَّ من التحلل منهم مع الشروط السابقة.

واعلم -عافاك الله ووقاك-: أن مما يحفظ المؤمن من الوقوع في الحرام: أن يسد على الشيطان مجاريه، ويقطع عليه حبائله؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:21]، فعليك بغض البصر؛ فإن البصر بريد الزنا، وعدم الخلوة بالنساء؛ فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.

أما ما تشعر به من يأس وإحباط فإنه من تلبيس الشيطان عليك ليصدك عن التوبة والأوبة لله تعالى فإن القنوط من رحمة الله بمنزلة الأمن من مكر الله تعالى.

فإياك أيها الأخ الكريم واليأس من روح الله، فإن اليأس يورث القنوط، والله تعالى نهى عن القنوط من رحمته، فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وملجأ العالمين ومن المقر أن تاب تاب الله عليه، قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ}، وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} فأيقن أنه سبحانه وتعالى جواد كريم غفور رحيم يجيب دعوة الداعي ويقبل التوبة ويعفو عن السيئات، وقد قال ذلك سبحانه -في حق من أشرك وقتل وزنا-: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً * إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً * ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً} [الفرقان: 68-71]، والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من فتاوى زوار موقع طريق الإسلام.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام