هل العمليات الاستشهادية تعد انتحارا
منذ 2007-06-30
السؤال: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما
بعد:
قال بعض العلماء: "إن العمليات الاستشهادية تعد انتحاراً ولا أصل لها في الإسلام"؛ فنرجو أن تخبرونا بالصواب.
وإذا كان الوضع كذلك، فماذا عن الذين قاموا بتلك العمليات من قبل، ألا يعدون شهداء؟!
قال بعض العلماء: "إن العمليات الاستشهادية تعد انتحاراً ولا أصل لها في الإسلام"؛ فنرجو أن تخبرونا بالصواب.
وإذا كان الوضع كذلك، فماذا عن الذين قاموا بتلك العمليات من قبل، ألا يعدون شهداء؟!
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم المعاصرون في حكم العمليات الاستشهادية؛ فحرمها البعض واعتبرها انتحاراً وقتلاً للنفس؛ واستدلوا بقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، وذهب آخرون إلى أنه عمل مشروع، ومن الجهاد في سبيل الله، وصاحبه شهيد في أعلى درجات الشهادة؛ واحتجوا بأدلة كثيرة منها:
- أن التغرير بالنفس في الجهاد جائز باتفاق أهل العلم، وأنه من الوسائل الجهادية الفعّالة ضد أعداء الدين وأنها تُحدِث النِكايَة بأعداء الإسلام؛ فيدخل صاحبه في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَاد} [البقرة:207].
- ومنها قصة الغلام الواردة في تفسير سورة أصحاب الأخدود؛ حيث دلهم على طريقة قتله، ولم يكن ذلك انتحاراً وإنما بذلٌ للنفس في سبيل الله، قال الغلام للملك الكافر: "خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني؛ فإنك إذا فعلت ذلك، قتلتني"؛ (رواه مسلم)؛ ووجه الدلالة من القصة أن هذا الغلام المجاهد غرر بنفسه، وتسبب في ذهابها من أجل مصلحة المسلمين؛ لأنهم لم يستطيعوا قتله إلا بتلك الطريقة التي دلهم عليها، واغْتُفِر ذلك في باب الجهاد، ومثله المجاهد في العمليات الاستشهادية؛ حيث تسبب في ذهاب نفسه لمصلحة الجهاد؛ قال شيخ الإسلام - تعقيباً على تلك القصة -: "وهذا حصل فيه نفع كبير للإسلام".
- ونقل الحافظ ابن حجر في "الفتح" وابن النحاس في "مشارع الأشواق" عن المهلب قال: " وليس من أهلك نفسه في طاعة الله ظالما ولا معتديا؛ وقد أجمعوا على جواز تقحم المهالك في الجهاد ".
- وقال أبو حامد الغزالي في "الإحياء": "فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]؟ قلنا: لا خلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل، وإن علم أنه يُقْتَل، وهذا ربما يُظَن أنه مخالف لموجب الآية وليس كذلك، فقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "ليس التهلكة ذلك، بل ترك النفقة في طاعة الله تعالى، أي: من لم يفعل ذلك، فقد أهلك نفسه"، وقال البراء بن عازب: "التهلكة هو أن يذنب الذنب، ثم يقول: لا يتاب عليَّ"، وقال النووي في "شرح مسلم": "وقد اتفقوا على جواز التغرير بالنفس في الجهاد"،
وقال القرطبي في "تفسيره": "قال محمد بن الحسن الشيباني: لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين، وهو وحده، لم يكن بذلك بأس؛ إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو؛ فإن لم يكن كذلك، فهو مكروه؛ لأنه عرَّض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين".
أما القول بأن العمليات الاستشهادية انتحار، فغير صحيح؛ فالفارق بينهما ظاهر، ويكفي أن المنتحر يقتل نفسه جزعاً وقنوتاً من رحمة الله، واعتراضاً على قضاء الله وقدره، أو مستعجلاً للموت؛ ظناً منه الخلاصَ بنفسه أو متخلصاً من آلامه وجراحه، بخلاف العمليات الاستشهادية التي يفعلها صاحبها صابراً محتسباً موقناً بقدر الله، حسن الظن به - سبحانه - باذلاً نفسه رخيصة في سبيل الله؛ راجياً النصرةَ لأمته والنكايةَ لأعداء الله وكسر شوكتهم،
وقد أجاب العلامة الألباني على من وصم العمليات الاستشهادية بالانتحار؛ فقال: "لا يعد هذا انتحاراً؛ لأن الانتحار هو أن يقتل المسلم نفسه خلاصاً من هذه الحياة التعيسة
أما هذه الصورة التي أنت تسأل عنها، فهذا ليس انتحاراً؛ بل هذا جهاد في سبيل الله، إلا أن هناك ملاحظة يجب الانتباه لها، وهي أن هذا العمل لا ينبغي أن يكون فردياً أو شخصياً، إنما يكون هذا بأمر قائد الجيش ... فإذا كان قائد الجيش يستغني عن هذا الفدائي، ويرى أن في خسارته ربحا كبيرا من جهة أخرى، وهو إفناء عدد كبير من المشركين والكفار، فالرأي رأيه ويجب طاعته، حتى لولم يرض هذا الإنسان فعليه طاعته.
والانتحار من أكبر المحرمات في الإسلام، من يفعله فهو غضبان على ربه، ولم يرض بقضاء الله، أما هذا فليس انتحاراً، كما كان يفعله الصحابة، يهجم على جماعة كردوس - جماعة من الخيول - من الكفار بسيفه ، ويعمل فيهم بالسيف حتى يأتيه الموت صابراً؛ لأنه يعلم أن مآله الجنة؛ فشتان ما بين من يقتل نفسه بهذه الطريقة الجهادية، وبين من يتخلص من حياته بالانتحار.
هذا؛ وأجاز مجمع الفقه الإسلامي - في الدورة الرابعة عشرة المنعقدة بدولة قطر - تلك العمليات، واعتبر صاحبها شهيداً في سبيل الله، وممن أجازها أيضا الشيخ نصر فريد واصل - مفتي جمهورية مصر العربية السابق.
والظاهر - والعلم عند الله - أن تلك العمليات جائزة؛ إن غلب على الظن أنها تحدث النكاية في الكافرين، أو تقوي شوكة المسلمين، أو تخفف عنهم وطأة الأعداء، ولاسيما إذا لم يكن هناك سبيل غيرها.
ويجب أن نعلم أن تعريض الإنسان نفسه للقتل لا يُعدُّ انتحاراً في بعض الأحيان؛ لما ذكره أهل العلم من أنه لو كان ثَمَّة جماعةٌ في سفينة معرضون للغرق، ولو طرحوا واحداً منهم لنجوا؛حتى لا يغرقوا بجملتهم؛ فتطوع رجل منهم بطرح نفسه في الماء؛ إنقاذاً للباقين -: لم يكن بذلك منتحراً بل هو مأجور - إن شاء الله - لرفعه الحرج عن الباقين،، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من فتاوى زوار موقع طريق الإسلام.
فقد اختلف أهل العلم المعاصرون في حكم العمليات الاستشهادية؛ فحرمها البعض واعتبرها انتحاراً وقتلاً للنفس؛ واستدلوا بقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، وذهب آخرون إلى أنه عمل مشروع، ومن الجهاد في سبيل الله، وصاحبه شهيد في أعلى درجات الشهادة؛ واحتجوا بأدلة كثيرة منها:
- أن التغرير بالنفس في الجهاد جائز باتفاق أهل العلم، وأنه من الوسائل الجهادية الفعّالة ضد أعداء الدين وأنها تُحدِث النِكايَة بأعداء الإسلام؛ فيدخل صاحبه في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَاد} [البقرة:207].
- ومنها قصة الغلام الواردة في تفسير سورة أصحاب الأخدود؛ حيث دلهم على طريقة قتله، ولم يكن ذلك انتحاراً وإنما بذلٌ للنفس في سبيل الله، قال الغلام للملك الكافر: "خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني؛ فإنك إذا فعلت ذلك، قتلتني"؛ (رواه مسلم)؛ ووجه الدلالة من القصة أن هذا الغلام المجاهد غرر بنفسه، وتسبب في ذهابها من أجل مصلحة المسلمين؛ لأنهم لم يستطيعوا قتله إلا بتلك الطريقة التي دلهم عليها، واغْتُفِر ذلك في باب الجهاد، ومثله المجاهد في العمليات الاستشهادية؛ حيث تسبب في ذهاب نفسه لمصلحة الجهاد؛ قال شيخ الإسلام - تعقيباً على تلك القصة -: "وهذا حصل فيه نفع كبير للإسلام".
- ونقل الحافظ ابن حجر في "الفتح" وابن النحاس في "مشارع الأشواق" عن المهلب قال: " وليس من أهلك نفسه في طاعة الله ظالما ولا معتديا؛ وقد أجمعوا على جواز تقحم المهالك في الجهاد ".
- وقال أبو حامد الغزالي في "الإحياء": "فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]؟ قلنا: لا خلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل، وإن علم أنه يُقْتَل، وهذا ربما يُظَن أنه مخالف لموجب الآية وليس كذلك، فقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "ليس التهلكة ذلك، بل ترك النفقة في طاعة الله تعالى، أي: من لم يفعل ذلك، فقد أهلك نفسه"، وقال البراء بن عازب: "التهلكة هو أن يذنب الذنب، ثم يقول: لا يتاب عليَّ"، وقال النووي في "شرح مسلم": "وقد اتفقوا على جواز التغرير بالنفس في الجهاد"،
وقال القرطبي في "تفسيره": "قال محمد بن الحسن الشيباني: لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين، وهو وحده، لم يكن بذلك بأس؛ إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو؛ فإن لم يكن كذلك، فهو مكروه؛ لأنه عرَّض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين".
أما القول بأن العمليات الاستشهادية انتحار، فغير صحيح؛ فالفارق بينهما ظاهر، ويكفي أن المنتحر يقتل نفسه جزعاً وقنوتاً من رحمة الله، واعتراضاً على قضاء الله وقدره، أو مستعجلاً للموت؛ ظناً منه الخلاصَ بنفسه أو متخلصاً من آلامه وجراحه، بخلاف العمليات الاستشهادية التي يفعلها صاحبها صابراً محتسباً موقناً بقدر الله، حسن الظن به - سبحانه - باذلاً نفسه رخيصة في سبيل الله؛ راجياً النصرةَ لأمته والنكايةَ لأعداء الله وكسر شوكتهم،
وقد أجاب العلامة الألباني على من وصم العمليات الاستشهادية بالانتحار؛ فقال: "لا يعد هذا انتحاراً؛ لأن الانتحار هو أن يقتل المسلم نفسه خلاصاً من هذه الحياة التعيسة
أما هذه الصورة التي أنت تسأل عنها، فهذا ليس انتحاراً؛ بل هذا جهاد في سبيل الله، إلا أن هناك ملاحظة يجب الانتباه لها، وهي أن هذا العمل لا ينبغي أن يكون فردياً أو شخصياً، إنما يكون هذا بأمر قائد الجيش ... فإذا كان قائد الجيش يستغني عن هذا الفدائي، ويرى أن في خسارته ربحا كبيرا من جهة أخرى، وهو إفناء عدد كبير من المشركين والكفار، فالرأي رأيه ويجب طاعته، حتى لولم يرض هذا الإنسان فعليه طاعته.
والانتحار من أكبر المحرمات في الإسلام، من يفعله فهو غضبان على ربه، ولم يرض بقضاء الله، أما هذا فليس انتحاراً، كما كان يفعله الصحابة، يهجم على جماعة كردوس - جماعة من الخيول - من الكفار بسيفه ، ويعمل فيهم بالسيف حتى يأتيه الموت صابراً؛ لأنه يعلم أن مآله الجنة؛ فشتان ما بين من يقتل نفسه بهذه الطريقة الجهادية، وبين من يتخلص من حياته بالانتحار.
هذا؛ وأجاز مجمع الفقه الإسلامي - في الدورة الرابعة عشرة المنعقدة بدولة قطر - تلك العمليات، واعتبر صاحبها شهيداً في سبيل الله، وممن أجازها أيضا الشيخ نصر فريد واصل - مفتي جمهورية مصر العربية السابق.
والظاهر - والعلم عند الله - أن تلك العمليات جائزة؛ إن غلب على الظن أنها تحدث النكاية في الكافرين، أو تقوي شوكة المسلمين، أو تخفف عنهم وطأة الأعداء، ولاسيما إذا لم يكن هناك سبيل غيرها.
ويجب أن نعلم أن تعريض الإنسان نفسه للقتل لا يُعدُّ انتحاراً في بعض الأحيان؛ لما ذكره أهل العلم من أنه لو كان ثَمَّة جماعةٌ في سفينة معرضون للغرق، ولو طرحوا واحداً منهم لنجوا؛حتى لا يغرقوا بجملتهم؛ فتطوع رجل منهم بطرح نفسه في الماء؛ إنقاذاً للباقين -: لم يكن بذلك منتحراً بل هو مأجور - إن شاء الله - لرفعه الحرج عن الباقين،، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من فتاوى زوار موقع طريق الإسلام.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف: