فصل في قسمه تعالى بالصافات والذاريات والمرسلات
منذ 2007-11-06
السؤال: فصل في قسمه تعالى بالصافات والذاريات والمرسلات
الإجابة: فصــل:
وهو سبحانه وتعالى لما أقسم بـ [الصافات] و[الذاريات] و [المرسلات] ذكر المقسم عليه.
فقال تعالى: إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} [الصافات:4]، وقال تعالى: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } [الذاريات:5- 6]، وقال تعالى:{ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} [المرسلات:7]. ولم يذكره في النازعات؛ فإن الصافات هي الملائكة،وهو لم يقسم على وجودها، كما لم يقسم على وجود نفسه؛ إذ كانت الأمم معترفة بالصافات، وكانت معرفته ظاهرة عندهم لا يحتاج إلى إقسام، بخلاف التوحيد، فإنه كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106].
وكذلك الملائكة يقر بها عامة الأمم، كما ذكر اللّه عن قوم نوح، وعاد، وثمود، وفرعون، مع شركهم وتكذيبهم بالرسل، أنهم كانوا يعرفون الملائكة.
قال قوم نوح:{ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً } [المؤمنون:24]، وقال:{ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً} [فصلت: 13- 14]، وقال فرعون: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } [الزخرف:52- 53].
وكذلك مشركو العرب، قال تعالى:{ وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} [الأنعام:8]، وقال تعالى:{ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} [الفرقان:7]، وقال تعالى عن الأمم مطلقاً: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكاً رَّسُولا } [الإسراء:94- 95].
فكانت هذه الأمم المكذبة للرسل المشركة بالرب مقرة باللّه وبملائكته، فكيف بمن سواهم؟ فعلم أن الإقرار بالرب وملائكته معروف عند عامة الأمم؛ فلهذا لم يقسم عليه وإنما أقسم على التوحيد؛ لأن أكثرهم مشركون.
وكذلك [الذاريات] و[الحاملات] و[الجاريات]، هي أمور مشهودة للناس، و[المقسمات أمراً] هم الملائكة، فلم يكن فيما أقسم به ما أقسم عليه، فذكر المقسم عليه، فقال تعالى: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } [الذاريات:5- 6].
و [المرسلات] سواء كانت هي الملائكة النازلة بالوحي والمقسم عليه الجزاء في الآخرة، أو الرياح، أو هذا وهذا، فهي معلومة أيضاً.
وأما{ النازعات غرقا } فهي الملائكة القابضة للأرواح،وهذا يتضمن الجزاء،وهو من أعظم المقسم عليه، قال تعالى:{ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [السجدة:11]، وقال تعالى:{ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ } [الأنعام: 61- 62]....[سقط بالأصل] هو، ولا يعين على عبادته إلا هو، وهذا يقين يعطي الاستعانة والتوكل، وهو يقين بالقدر الذي لم يقع؛ فإن الاستعانة والتوكل إنما يتعلق بالمستقبل.
فأما ما وقع فإنما فيه الصبر والتسليم والرضى، كما في حديث عمار بن ياسر رضي اللّه عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقول يوجب الإعانة؛ ولهذا سنها النبي صلى الله عليه وسلم، إذا قال المؤذن .
وقال المؤمن لصاحبه: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ } [الكهف:39]، ولهذا يؤمر بهذا من يخاف العين على شىء.
فقوله: ما شاء اللّه، تقديره: ما شاء اللّه كان، فلا يأمن، بل يؤمن بالقدر، ويقول: لا قوة إلا باللّه.
وفي حديث أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه المتفق عليه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ، و[الكنز] مال مجتمع لا يحتاج إلى جمع؛ وذلك أنها تتضمن التوكل والافتقار إلى الله تعالى.
ومعلوم أنه لا يكون شىء إلا بمشيئة اللّه وقدرته، وأن الخلق ليس منهم شيء إلا ما أحدثه اللّه فيهم، فإذا انقطع طلب القلب للمعونة منهم وطلبها من اللّه فقد طلبها من خالقها الذي لا يأتي بها إلا هو، قال تعالى:{ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِه } [فاطر:2]، وقال تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } [يونس:107]، وقال تعالى:{ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } [الأنعام:71]، وقال تعالى:{ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } [الزمر:38].
وقال صاحب يس:{ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [يس:23- 24]؛ ولهذا يأمر اللّه بالتوكل عليه وحده في غير موضع. وفي الأثر: من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على اللّه، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد اللّه أوثق منه بما في يده.
قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } [الفرقان:58].
واللّه تعالى أمر بعبادته والتوكل عليه، قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [هود:123] وقال تعالى:{ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: 30]، وقال موسى:{ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } [يونس: 84].
وقال شعيب: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [هود:88]، وقال المؤمنون:{ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [الممتحنة:4]،وَقال تعالى:{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} [المزمل:8- 9] وَقال تعالى:{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً } [الطلاق:2- 3].
فافترق الناس هنا أربعة أصناف:
صنف لا يعبدونه ولا يتوكلون عليه، وهم شرار الخلق.
وصنف يقصدون عبادته بفعل ما أمر، وترك ما حظر،لكن لم يحققوا التوكل والاستعانة، فيعجزون عن كثير مما يطلبونه، ويجزعون في كثير من المصائب.
ثم من هؤلاء من يكذب بالقدر، ويجعل نفسه هو المبدع لأفعاله، فهؤلاء في الحقيقة لا يستعينونه ولا يطلبون منه صلاح قلوبهم، ولا تقويمها ولا هدايتها، وهؤلاء مخذولون كما هم عند الأمة كذلك، وقوم يؤمنون بالقدر قولاً واعتقاداً، لكن لم تتصف به قلوبهم علماً وعملاً، كما اتصفت بقصد الطهارة والصلاة، فهم أيضاً ضعفاء عاجزون.
وصنف نظر إلى جانب القدرة والمشيئة،وأن اللّه تعالى هو المعطي والمانع، والخافض والرافع، فغلب عليهم التوجه إليه من هذه الجهة والاستعانة به، والافتقار إليه لطلب ما يريدونه، فهؤلاء يحصل لأحدهم نوع سلطان وقدرة ظاهرة أو باطنة وقهر لعدوه؛ بل قتل له ونيل لأغراضه، لكن لا عاقبة لهم؛ فإن العاقبة للتقوى، بل آخرتهم آخرة ردية.
وليس الكلام في الكفار والظلمة المعرضين عن اللّه،فإن هؤلاء دخلوا في القسم الأول الذين لا عبادة لهم ولا استعانة،ولكن الكلام في قوم عندهم توجه إلى اللّه وتأله، ونوع من الخشية والذكر والزهد، لكن يغلب عليهم التوجه بإرادة أحدهم و ذوقه ووجده، وما يستحليه ويستحبه، لا بالأمر الشرعي وهم أصناف: منهم المعرض عن التزام العبادات الشرعية، مع ما يحصل له من الشياطين من كشف له أو تأثير، وهؤلاء كثير منهم يموت على غير الإسلام.
ومنهم من يقوم بالعبادات الشرعية الظاهرة كالصلاة، والصيام، والحج، وترك المحرمات، لكن في أعمال القلوب لا يلتزم الأمر الشرعي؛ بل يسعى لما يحبه ويريده، واللّه تعالى قال:{ كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ } [الإسراء:20]،وهو سبحانه يعطي السلطان والمال للبر والفاجر، فقد يعطي أحد هؤلاء تصرفاً؛ إما بقهر عدوه وإما بنصر وليه، كما تعطى الملوك، وقد يعطى نوعاً من المكاشفة؛ إما بإخبار بعض الجن له، وقد يعرف أنه من الجن، وقد لا يعرف، وإما بغير ذلك.
وقد يقول الواحد من هؤلاء: أنا آخذ من اللّه وغيري يأخذ من محمد صلى الله عليه وسلم، فيرى بحاله في ذاك وتفرده أن ما أوتيه من التصرف والمكاشفة، يحصل له بغير طريق محمد صلى الله عليه وسلم وهو صادق في ذلك، لكن هذه في الحقيقة وبال عليه؛ فإن من تصرف بغير أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذ ما لم يبحه له الرسول فولى وعـزل، وأعطى ومنـع بغير أمـر الرسول، وقتل وضرب بغير أمره، وأكرم وأهان بغير أمره، وجاءه خطاب في باطنه بالأمر والنهي، فاعتقد أن الّله أمره ونهاه من غير واسطة الرسول، كانت حالته هذه كلها من الشيطان، وكان الشيطان هو الذي يأمره وينهاه، فيأمره فيتصرف، وهو يظن أنه يتصرف بأمر اللّه؛ ولعمري هو يتصرف بأمر اللّه الكوني القدري بواسطة أمر الشيطان، كما قال تعالى في السحرة: {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ } [البقرة:102] كما أن المؤمن يتصرف بأمر اللّه الكوني القدري، لكن بواسطة أمر الرسول المبلغ له عن اللّه عز وجل.
فالحلال عنده ما أحله اللّه ورسوله، والحرام ما حرمه اللّه ورسوله، والدين ما شرعه اللّه ورسوله؛ بخلاف ذاك فإنه لا يأخذ عن الرسول الأمر والنهي الباطن، ولا ما يفعله ويأمر به، وهذا الضرب كثير في المشايخ أرباب القلوب والأحوال الذين ضعف علمهم بالكتاب والسنة ومتابعة الرسول، وغلب عليهم ما يجده أحدهم في قلبه، وما يؤمر به في باطنه، سواء وافق الرسول أو خالفه.
ثم تفاوتوا في ذلك بحسب قربهم من الرسول وبعدهم منه، فكثير منهم بعد عنه حتى صار يرى أنه يعاون الكفار على قتال المسلمين، ويرى أن اللّه سبحانه أمره بذلك، ويعتقد أن أهل الصُّفَّة فعلوا ذلك.
ومنهم من يرى أن الرسول لم يرسل إليه وإلى أشكاله، وإنما أرسل إلى العوام.
ومنهم من يعتقد أن الرسول كان خاضعاً لأهل الصفة، وكانوا مستغنين عنه، إلى أمثال هذه الأصناف التي كثرت في هذه الأزمنة.
وهؤلاء كلهم يدعون علم الحقيقة، ويقولون: الحقيقة لون والشريعة لون آخر، ويجمعهم شيئان: أن لهم تصرفاً وكشفاً خارجاً عما للعامة، وأنهم معرضون عن وزن ذلك بالكتاب والسنة، وتحكيم الرسول في ذلك، فهم بمنزلة الملوك الذين لهم ملك يسوسونه بغير أمر اللّه ورسوله؛ لكن الملوك لا يقول أحدهم: إن اللّه أمرني بذلك، ولا إني ولي اللّه، ولا إن لي مادة من اللّه خارجة عن الرسول، ولا إن الرسل لم تبعث إلى مثلي، وإنما الملوك يقصدون أغراضهم ولا يجعلونها دِيناً.
وهؤلاء يجعلون أغراضهم التي هي من أعظم الظلم والفساد بل والكفر، يجعلون ذلك دينا يدين به أولياء اللّه عندهم؛ لأن هذه الأمور إنما تحصل لهم بنوع من الزهادة والعبادة؛ ولكن ليس هو الزهد والعبادة التي بعث اللّه بها رسوله، بل يشبهه حال أهل الكتاب والمشركين من عباد الهند والنصارى وأمثالهم.
ولهذا تظهر مشابهتهم لعباد المشركين وأهل الكتاب، حتى إن من رأى عباد الهنود ثم رأى مُولِهي بيت الرفاعي أنكر وجود هؤلاء في ديار الإسلام.
وقال: هؤلاء مثل عباد المشركين من الهند سواء، وأرفع من هؤلاء من يشبه عباد النصارى ورهبانهم في أمور كثيرة خارجة عن شريعة الإسلام، فلما كان فيهم دين مبتدع من جنس دين المشركين، وأهل الكتاب ظنوا ما يظنه أولئك من أن هذا دين صحيح، وأنه دين يقرب إلى اللّه، وأن أهله أولياء اللّه، فإن جميع طوائف العلماء والعباد من جميع أهل الملل يظنون [آخر ما وجد من الأصل].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثالث عشر.
وهو سبحانه وتعالى لما أقسم بـ [الصافات] و[الذاريات] و [المرسلات] ذكر المقسم عليه.
فقال تعالى: إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} [الصافات:4]، وقال تعالى: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } [الذاريات:5- 6]، وقال تعالى:{ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} [المرسلات:7]. ولم يذكره في النازعات؛ فإن الصافات هي الملائكة،وهو لم يقسم على وجودها، كما لم يقسم على وجود نفسه؛ إذ كانت الأمم معترفة بالصافات، وكانت معرفته ظاهرة عندهم لا يحتاج إلى إقسام، بخلاف التوحيد، فإنه كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106].
وكذلك الملائكة يقر بها عامة الأمم، كما ذكر اللّه عن قوم نوح، وعاد، وثمود، وفرعون، مع شركهم وتكذيبهم بالرسل، أنهم كانوا يعرفون الملائكة.
قال قوم نوح:{ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً } [المؤمنون:24]، وقال:{ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً} [فصلت: 13- 14]، وقال فرعون: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } [الزخرف:52- 53].
وكذلك مشركو العرب، قال تعالى:{ وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} [الأنعام:8]، وقال تعالى:{ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} [الفرقان:7]، وقال تعالى عن الأمم مطلقاً: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكاً رَّسُولا } [الإسراء:94- 95].
فكانت هذه الأمم المكذبة للرسل المشركة بالرب مقرة باللّه وبملائكته، فكيف بمن سواهم؟ فعلم أن الإقرار بالرب وملائكته معروف عند عامة الأمم؛ فلهذا لم يقسم عليه وإنما أقسم على التوحيد؛ لأن أكثرهم مشركون.
وكذلك [الذاريات] و[الحاملات] و[الجاريات]، هي أمور مشهودة للناس، و[المقسمات أمراً] هم الملائكة، فلم يكن فيما أقسم به ما أقسم عليه، فذكر المقسم عليه، فقال تعالى: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } [الذاريات:5- 6].
و [المرسلات] سواء كانت هي الملائكة النازلة بالوحي والمقسم عليه الجزاء في الآخرة، أو الرياح، أو هذا وهذا، فهي معلومة أيضاً.
وأما{ النازعات غرقا } فهي الملائكة القابضة للأرواح،وهذا يتضمن الجزاء،وهو من أعظم المقسم عليه، قال تعالى:{ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [السجدة:11]، وقال تعالى:{ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ } [الأنعام: 61- 62]....[سقط بالأصل] هو، ولا يعين على عبادته إلا هو، وهذا يقين يعطي الاستعانة والتوكل، وهو يقين بالقدر الذي لم يقع؛ فإن الاستعانة والتوكل إنما يتعلق بالمستقبل.
فأما ما وقع فإنما فيه الصبر والتسليم والرضى، كما في حديث عمار بن ياسر رضي اللّه عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقول يوجب الإعانة؛ ولهذا سنها النبي صلى الله عليه وسلم، إذا قال المؤذن .
وقال المؤمن لصاحبه: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ } [الكهف:39]، ولهذا يؤمر بهذا من يخاف العين على شىء.
فقوله: ما شاء اللّه، تقديره: ما شاء اللّه كان، فلا يأمن، بل يؤمن بالقدر، ويقول: لا قوة إلا باللّه.
وفي حديث أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه المتفق عليه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ، و[الكنز] مال مجتمع لا يحتاج إلى جمع؛ وذلك أنها تتضمن التوكل والافتقار إلى الله تعالى.
ومعلوم أنه لا يكون شىء إلا بمشيئة اللّه وقدرته، وأن الخلق ليس منهم شيء إلا ما أحدثه اللّه فيهم، فإذا انقطع طلب القلب للمعونة منهم وطلبها من اللّه فقد طلبها من خالقها الذي لا يأتي بها إلا هو، قال تعالى:{ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِه } [فاطر:2]، وقال تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } [يونس:107]، وقال تعالى:{ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } [الأنعام:71]، وقال تعالى:{ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } [الزمر:38].
وقال صاحب يس:{ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [يس:23- 24]؛ ولهذا يأمر اللّه بالتوكل عليه وحده في غير موضع. وفي الأثر: من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على اللّه، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد اللّه أوثق منه بما في يده.
قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } [الفرقان:58].
واللّه تعالى أمر بعبادته والتوكل عليه، قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [هود:123] وقال تعالى:{ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: 30]، وقال موسى:{ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } [يونس: 84].
وقال شعيب: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [هود:88]، وقال المؤمنون:{ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [الممتحنة:4]،وَقال تعالى:{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} [المزمل:8- 9] وَقال تعالى:{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً } [الطلاق:2- 3].
فافترق الناس هنا أربعة أصناف:
صنف لا يعبدونه ولا يتوكلون عليه، وهم شرار الخلق.
وصنف يقصدون عبادته بفعل ما أمر، وترك ما حظر،لكن لم يحققوا التوكل والاستعانة، فيعجزون عن كثير مما يطلبونه، ويجزعون في كثير من المصائب.
ثم من هؤلاء من يكذب بالقدر، ويجعل نفسه هو المبدع لأفعاله، فهؤلاء في الحقيقة لا يستعينونه ولا يطلبون منه صلاح قلوبهم، ولا تقويمها ولا هدايتها، وهؤلاء مخذولون كما هم عند الأمة كذلك، وقوم يؤمنون بالقدر قولاً واعتقاداً، لكن لم تتصف به قلوبهم علماً وعملاً، كما اتصفت بقصد الطهارة والصلاة، فهم أيضاً ضعفاء عاجزون.
وصنف نظر إلى جانب القدرة والمشيئة،وأن اللّه تعالى هو المعطي والمانع، والخافض والرافع، فغلب عليهم التوجه إليه من هذه الجهة والاستعانة به، والافتقار إليه لطلب ما يريدونه، فهؤلاء يحصل لأحدهم نوع سلطان وقدرة ظاهرة أو باطنة وقهر لعدوه؛ بل قتل له ونيل لأغراضه، لكن لا عاقبة لهم؛ فإن العاقبة للتقوى، بل آخرتهم آخرة ردية.
وليس الكلام في الكفار والظلمة المعرضين عن اللّه،فإن هؤلاء دخلوا في القسم الأول الذين لا عبادة لهم ولا استعانة،ولكن الكلام في قوم عندهم توجه إلى اللّه وتأله، ونوع من الخشية والذكر والزهد، لكن يغلب عليهم التوجه بإرادة أحدهم و ذوقه ووجده، وما يستحليه ويستحبه، لا بالأمر الشرعي وهم أصناف: منهم المعرض عن التزام العبادات الشرعية، مع ما يحصل له من الشياطين من كشف له أو تأثير، وهؤلاء كثير منهم يموت على غير الإسلام.
ومنهم من يقوم بالعبادات الشرعية الظاهرة كالصلاة، والصيام، والحج، وترك المحرمات، لكن في أعمال القلوب لا يلتزم الأمر الشرعي؛ بل يسعى لما يحبه ويريده، واللّه تعالى قال:{ كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ } [الإسراء:20]،وهو سبحانه يعطي السلطان والمال للبر والفاجر، فقد يعطي أحد هؤلاء تصرفاً؛ إما بقهر عدوه وإما بنصر وليه، كما تعطى الملوك، وقد يعطى نوعاً من المكاشفة؛ إما بإخبار بعض الجن له، وقد يعرف أنه من الجن، وقد لا يعرف، وإما بغير ذلك.
وقد يقول الواحد من هؤلاء: أنا آخذ من اللّه وغيري يأخذ من محمد صلى الله عليه وسلم، فيرى بحاله في ذاك وتفرده أن ما أوتيه من التصرف والمكاشفة، يحصل له بغير طريق محمد صلى الله عليه وسلم وهو صادق في ذلك، لكن هذه في الحقيقة وبال عليه؛ فإن من تصرف بغير أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذ ما لم يبحه له الرسول فولى وعـزل، وأعطى ومنـع بغير أمـر الرسول، وقتل وضرب بغير أمره، وأكرم وأهان بغير أمره، وجاءه خطاب في باطنه بالأمر والنهي، فاعتقد أن الّله أمره ونهاه من غير واسطة الرسول، كانت حالته هذه كلها من الشيطان، وكان الشيطان هو الذي يأمره وينهاه، فيأمره فيتصرف، وهو يظن أنه يتصرف بأمر اللّه؛ ولعمري هو يتصرف بأمر اللّه الكوني القدري بواسطة أمر الشيطان، كما قال تعالى في السحرة: {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ } [البقرة:102] كما أن المؤمن يتصرف بأمر اللّه الكوني القدري، لكن بواسطة أمر الرسول المبلغ له عن اللّه عز وجل.
فالحلال عنده ما أحله اللّه ورسوله، والحرام ما حرمه اللّه ورسوله، والدين ما شرعه اللّه ورسوله؛ بخلاف ذاك فإنه لا يأخذ عن الرسول الأمر والنهي الباطن، ولا ما يفعله ويأمر به، وهذا الضرب كثير في المشايخ أرباب القلوب والأحوال الذين ضعف علمهم بالكتاب والسنة ومتابعة الرسول، وغلب عليهم ما يجده أحدهم في قلبه، وما يؤمر به في باطنه، سواء وافق الرسول أو خالفه.
ثم تفاوتوا في ذلك بحسب قربهم من الرسول وبعدهم منه، فكثير منهم بعد عنه حتى صار يرى أنه يعاون الكفار على قتال المسلمين، ويرى أن اللّه سبحانه أمره بذلك، ويعتقد أن أهل الصُّفَّة فعلوا ذلك.
ومنهم من يرى أن الرسول لم يرسل إليه وإلى أشكاله، وإنما أرسل إلى العوام.
ومنهم من يعتقد أن الرسول كان خاضعاً لأهل الصفة، وكانوا مستغنين عنه، إلى أمثال هذه الأصناف التي كثرت في هذه الأزمنة.
وهؤلاء كلهم يدعون علم الحقيقة، ويقولون: الحقيقة لون والشريعة لون آخر، ويجمعهم شيئان: أن لهم تصرفاً وكشفاً خارجاً عما للعامة، وأنهم معرضون عن وزن ذلك بالكتاب والسنة، وتحكيم الرسول في ذلك، فهم بمنزلة الملوك الذين لهم ملك يسوسونه بغير أمر اللّه ورسوله؛ لكن الملوك لا يقول أحدهم: إن اللّه أمرني بذلك، ولا إني ولي اللّه، ولا إن لي مادة من اللّه خارجة عن الرسول، ولا إن الرسل لم تبعث إلى مثلي، وإنما الملوك يقصدون أغراضهم ولا يجعلونها دِيناً.
وهؤلاء يجعلون أغراضهم التي هي من أعظم الظلم والفساد بل والكفر، يجعلون ذلك دينا يدين به أولياء اللّه عندهم؛ لأن هذه الأمور إنما تحصل لهم بنوع من الزهادة والعبادة؛ ولكن ليس هو الزهد والعبادة التي بعث اللّه بها رسوله، بل يشبهه حال أهل الكتاب والمشركين من عباد الهند والنصارى وأمثالهم.
ولهذا تظهر مشابهتهم لعباد المشركين وأهل الكتاب، حتى إن من رأى عباد الهنود ثم رأى مُولِهي بيت الرفاعي أنكر وجود هؤلاء في ديار الإسلام.
وقال: هؤلاء مثل عباد المشركين من الهند سواء، وأرفع من هؤلاء من يشبه عباد النصارى ورهبانهم في أمور كثيرة خارجة عن شريعة الإسلام، فلما كان فيهم دين مبتدع من جنس دين المشركين، وأهل الكتاب ظنوا ما يظنه أولئك من أن هذا دين صحيح، وأنه دين يقرب إلى اللّه، وأن أهله أولياء اللّه، فإن جميع طوائف العلماء والعباد من جميع أهل الملل يظنون [آخر ما وجد من الأصل].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثالث عشر.
- التصنيف: