إحرام المرأة في وجهها

منذ 2008-08-09
السؤال: امرأة تسأل عن إحرام المرأة، وكشفها وجهها أمام الرجال الأجانب، وهل يلزمها إذا سدلت شيئا على وجهها أن تجافيه بشيء أم لا؟
الإجابة: ذكر العلماء أن المرأة إحرامها في وجهها؛ فيحرم عليها تغطيته ببرقع، أو نقاب، أو غيره؛ لحديث ابن عمر مرفوعا: "لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين" (رواه البخاري) (1)، وقال ابن عمر (2): إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه.

فإن غطت وجهها لغير حاجة فدت، كما لو غطى الرجل رأسه؛ والحاجة: كمرور رجال قريبا منها، فتسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها؛ لفعل عائشة (رواه أحمد وأبو داود وغيرهما) (3).

وشَرَطَ القاضي أبو يعلى (4) في الساتر أن لا يصيب بَشَرَتَها، فإن أصابها ثم ارتفع بسرعة فلا شيء عليها، وإلا فدت؛ لاستدامة ستر وجهها. وردّه الموفق بأن هذا الشرط لم يرد عن الإمام أحمد، ولا هو في الخبر، بل الظاهر خلافه، فإنه لا يكاد يسلم المسدول من إصابة البَشَرة فلو كان شرطا لبُيّن. وعن عائشة قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا سدلتْ إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه (رواه أبو داود) (5).

قال الإمام أحمد (6): إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق، وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل.

▪ وهنا أمران يجبان على المرأة؛ وهما تغطية رأسها، وكشف وجهها، فلا يمكنها تغطية جميع رأسها إلا بتغطية جزء من وجهها، ولا يمكنها كشف جميع وجهها إلا بكشف شيء من رأسها، فستر الرأس كله أولى؛ لكونه عورة في الجملة، ولا يختص ستره بالإحرام. وكشف الوجه بخلافه.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (7): ولو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه جاز بالاتفاق. وإن كان يمسه، فالصحيح أنه يجوز أيضا، ولا تكلف المرأة أن تجافي سُترتها عن الوجه، لا بعودٍ، ولا بيدٍ، ولا غير ذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم سَوَّى بين يديها ووجهها، وكلاهما كبدن الرجل، لا كرأسه، وأزواجه صلى الله عليه وسلم كن يسدلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة، ولم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إحرام المرأة في وجهها. وإنما هذا قول بعض السلف، لكن النبي صلى الله عليه وسلم نهاها أن تنتقب... إلى آخر كلامه رحمه الله.

وقال ابن القيم في (الإعلام): ولم يمنعها صلى الله عليه وسلم من تغطية وجهها، ولا أمرها بكشفه، وإنما نهاها أن تنتقب، أو تلبس القفازين في الإحرام. ونساؤه صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة بهذه المسألة، وقد كن يسدلن على وجوههن إذا حاذاهن الركبان، فإذا جاوزوهن كشفن وجوههن... إلى أن قال: فكيف يَحْرُم ستر الوجه في حق المرأة مع أمر الله لها أن تدني عليها من جلبابها لئلا تعرف ويفتتن الناس بصورتها... إلى آخر كلامه رحمه الله.

فإذا كانت المرأة مأمورة بستر وجهها وسدل شيء عليه عند مرور الرجال الأجانب حتى في حال الإحرام التي شُرع لها كشفُه تعبد الله تعالى؛ وذلك لاتقاء الفتنة بها، فإن النساء فتنة لكل مفتون -فَلَأَنْ تومر بستره في غير حال الإحرام من باب أولى وأحرى. ففي هذا دليل على وجوب سترِ المرأةِ وجهَها في غير حال الإحرام وتحريم كشفه أمام الرجال الأجانب. والأدلة على ذلك كثيرة معروفة، والله الموفق.

___________________________________________

1 - البخاري (1838).
2 - انظر (المحلى) (7/ 91، 92)، وابن أبي شيبة في الجزء المفقود من (المصنف) (308)، والشافعي في (الأم) (7/ 241)، والبيهقي (5/ 54).
3 - أحمد (6/30)، وأبو داود (1833)، وابن ماجه (2935)، وابن خزيمة (2690).
4 - (المغني) (5/ 155).
5 - (1833).
6 - (المغني) (5/ 155).
7 - (الفتاوى) (26/ 112).

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

كان الشيخ عضوا في مجلس القضاء الأعلى ومن هيئة كبار العلماء في المملكة. توفي رحمه الله عام 1432هـ .