حكم ذبح الصيد في حرم مكة والمدينة

منذ 2008-08-13
السؤال: هل يحل ذبح الأرانب والحمام ونحوهما من الصيد في حرم مكة المكرمة، أو حرم المدينة المنورة أم لا؟ وإذا كان لا يحل، فهل في ذلك جزاء، وما هذا الجزاء؟ أفتونا مأجورين.
الإجابة: لا يجوز ذبح الصيد من الحمام والأرانب وغيرهما داخل الحرمين الشريفين.

أما الحرم المكي؛ فلما أخرجه البخاري ومسلم (1) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله، يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار؛ فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته؛ إلا من عرفها، ولا يختلى خلاه"، فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر؛ فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال: "إلا الإذخر".

فهذا الحديث يدل بطريق فحوى الخطاب على أن قتل الصيد في الحرم المكي محرم؛ لأنه إذا حرم تنفيره بأن يزعج عن مكانه فقتله أولى. قال مالك في (الموطأ) (2): سمعت أنه يحكم على من قتل الصيد في الحرم وهو حلال بمثل ما يحكم به على المحرم الذي يقتل في الحرم وهو محرم، ومما استَدل به لهذا قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} الآية (3). ووجه الدليل من الآية أن: {حُرُم} جمع حرام؛ وهو يقع على من دخل الحرم، وعلى من أحرم بنسك، فوجب أن يحمل عليهما معا، فيترتب عليه الجزاء المذكور في قوله تعالى: {مَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} (4).

وجزاء الحمامة شاة؛ لما روى الشافعي في (الأم) (5) عن عمر وعثمان وابن عباس وابن عمر وعاصم بن عمر وعطاء وابن المسيب، من الآثار المصرحة بأن من أصاب من حمام بمكة فعليه شاة. وذكر الشافعي أنه يرى هذا اتباعا لتلك الآثار.

وأما الأرنب فيفدى بعناق؛ فعن عمر بن الخطاب، أنه قضى في الأرنب بعناق، وعن ابن عباس، أنه قال: في الأرنب شاة. وعن مجاهد قال: في الأرنب شاة (6).

وأما حكم الصيد في المدينة، فلا يجوز. والأحاديث كثيرة في ذلك؛ منها ما روى مسلم في (صحيحه) (7)، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة -ما بين لابتيها- لا يقطع عِضاها، ولا يصاد صيدها"، ولهذا اتفق مالك والشافعي وأحمد على تحريم صيد حرم المدينة وعلى تأثيم من ارتكب ذلك.

وأما الجزاء: فقال ابن قدامة في (المغني): روايتان -أي عن الإمام أحمد- إحداهما: لا جزاء فيه. وهو قول أكثر أهل العلم؟ وهو قول مالك، والشافعي في الجديد؛ لأنه موضع يجوز دخوله بغير إحرام، فلم يجب فيه جزاء، كصيد وادي وَجّ. والثاني: يجب فيه الجزاء؟ رُوي ذلك عن ابن أبي ذئب. وهو قول الشافعي في القديم وابن المنذر؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني أحرم المدينة مثل ما حرم إبراهيم مكة"، ونهى أن يعضد شجرها، أو يؤخذ طيرها، فوجب في هذا الحرم الجزاء، كما وجب في ذلك؛ إذ لم يظهر بينهما فرق. وجزاؤه إباحة سَلَب قاتل الصيد لمن أخذه، وإن لم يسلبه أحد فلا شيء عليه سوى الاستغفار والتوبة، وليس عليه جزاء، والله أعلم.

___________________________________________

1 - البخاري (1587، 1833، 1834، 2090، 3189)، ومسلم (1353).
2 - (الموطأ) (1/356).
3 - المائدة: الآية (95).
4 - المائدة: الآية (95).
5 - (الأم) (2/195).
6 - (الأم) (2/193).
7 - مسلم (1362).

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

كان الشيخ عضوا في مجلس القضاء الأعلى ومن هيئة كبار العلماء في المملكة. توفي رحمه الله عام 1432هـ .