المصلي ممنوع من رفع بصره إلى السماء

منذ 2008-09-04
السؤال:

كتب يذكر عن شخص يتقدم إلى المسجد، ويأخذ مكانه من الصف الأول إلا أنه لاحظ عليه أنه إذا كان في الصلاة يرفع بصره إلى أعلى -في أغلب الأحيان- لاسيما إذا كان قائما. ونبهه بعض الإخوان بأن لا يرفع رأسه؛ فلم يمتثل. فما حكم رفع الإنسان بصره إلى السماء، وهل ورد في ذلك نهي خاص؟ نرجو إيضاح الجواب وفقكم الله للصواب.

الإجابة:

لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة نهيا مؤكدا، وتوعد من فعله بأن يُخطف بصره إن لم ينته.

قال الإمام البخاري في (صحيحه) (1): حدثنا علي بن عبد الله، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا ابن أبي عَرُوبة، قال: حدثنا قتادة، أن أنس ابن مالك حدثهم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟!" فاشتد قوله في ذلك حتى قال: "لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهم".

وقال في (فتح الباري) في الكلام على هذا الحديث: قال ابن بَطّال: أجمعوا على كراهة رفع البصر في الصلاة، واختلفوا فيه خارج الصلاة في الدعاء: فكرهه شريح وطائفة، وأجازه الأكثرون.

قال عياض: رفع البصر إلى السماء في الصلاة فيه نوع إعراض عن القبلة، وخروج عن هيئة الصلاة.

وأخرجه -بغير تقييد أيضا- مسلم من حديث جابر بن سمرة (2).
والطبراني (3) من حديث أبي سعيد الخدري، وكعب بن مالك.

وأخرج ابن أبي شيبة (4) من رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين: كانوا يلتفتون في صلاتهم، حتى نزلت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (5)، فأقبلوا على صلاتهم، ونظروا أمامهم، وكانوا يستحبون أن لا يجاوز بصرُ أحدهم موضعَ سجوده.

ووصله الحاكم (6) بذكر أبي هريرة فيه، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال في آخره: فطأطأ رأسه.

وقوله: "أو لتخطفن أبصارهم"، ولمسلم من حديث جابر بن سمرة: "أو لا ترجع إليهم"، يعني: أبصارهم. فقيل: هو وعيد.

وعلى هذا ففعل المذكور حرام. وأفرط ابن حزم. فقال: يُبطل الصلاة. انتهى ملخصا من (فتح الباري).

بل عده ابن حجر في (الزواجر من اقتراف الكبائر) من كبائر الذنوب، فقال: أخرج البخاري وغيره: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟!" فاشتد قوله في ذلك حتى قال: "لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم".

وروى ابن ماجه، والطبراني بسند رواته رواة الصحيح، وابن حبان في (صحيحه) (7): "لا ترفعوا أبصاركم إلى السماء فتلتمع"، يعني: في الصلاة، أي: يُذهَب بها.

وروى مسلم (8): "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء عند الدعاء في الصلاة أو لتخطفن أبصارهم".

وروى مسلم وغيره (9): "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم".

وأخرج أبو داود (10): دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى فيه ناسا يصلون رافعي أيديهم إلى السماء، فقال: "لينتهين رجال يشخصون أبصارهم في الصلاة أو لا ترجع إليهم أبصارهم". انتهى.

وقال في (مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى): ويكره في الصلاة رفع بصره إلى السماء؛ لحديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟!"، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: "لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم" (رواه البخاري) (11). ولا يكره رفع بصره إلى السماء حال جُشاء، وظاهره: ولو في غير جماعة، خلافا له -أي: لصاحب (الإقناع)- حيث قيد كراهة الجشاء حيث كان في جماعة.

قال في (الإنصاف) (12): إذا تجشأ وهو في الصلاة، فينبغي أن يرفع وجهه إلى فوق؛ لئلا يؤذي من حوله بالرائحة. ونقل أبو طالب: إذا تجشأ وهو في الصلاة فليرفع رأسه إلى السماء حتى يذهب الريح، وإذا لم يرفع آذى من حوله من ريحه. انتهى.

فمقتضى تعليل (الإنصاف)، وصنيع غيره يؤيد ما قاله صاحب (الإقناع) انتهى. والله أعلم.

___________________________________________

1 - البخاري (750).
2 - مسلم (428) ولكن فيه قيد: "في الصلاة".
3 - الطبراني في (الكبير) (6/35) من حديث أبي سعيد، وفي إسناده ابن لهيعة، وفي (19/ 99) من حديث كعب بن مالك. وفي إسناده عبد العزيز بن عبيد الله ابن حمزة، ضعفه أحمد وأبو داود والنسائي وابن معين، وقال أبو زرعة: مضطرب الحديث، واهي الحديث. وقال أبو حاتم: وهو عندي عجيب، ضعيف، منكر الحديث.
4 - ابن أبي شيبة (2/ 420) ولكن من طريق هشيم عن ابن عون عن ابن سيرين.
5 - سورة المؤمنون: الآيتان (1، 2).
6 - (المستدرك) (2/ 393) وهو معلول بالإرسال.
7 - ابن ماجه (1043)، والطبراني (12/ 287)، وابن حبان (2281) وهو معلول من حديث سليمان بن بلال وطلحة بن يحيى، عن يونس بن يزيد، عن الزهري عن سالم، عن ابن عمر كما في (العلل) (357، 358)، وصحح أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان رواية ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
8 - وغيره مسلم (429)، والنسائي (3/39) من حديث أبي هريرة.
9 - مسلم (428)، وأبو داود (912)، وابن ماجه (1045) من حديث جابر بن سمرة.
10 - أبو داود (912) من حديث جابر بن سمرة.
11 - تقدم تخريجه.
12 - (2/ 9).

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

كان الشيخ عضوا في مجلس القضاء الأعلى ومن هيئة كبار العلماء في المملكة. توفي رحمه الله عام 1432هـ .