حكم بعض الهدايا التي تقدم في مناسبات معينة

منذ 2008-09-19
السؤال: ما هو حكم ما يسمى بالكشوة والفسخة (الحنة والصباحية) إذا كانت عادة؟ ومن أهم نتائجها حصول المودة والمحبة والتعاون؟
الإجابة: بالنسبة لهذه العادات التي تعطى في بعض المناسبات منها ما هو عادة حميدة، مثل ما كان مجتمعنا يقدمه لطلاب العلم في أوقات المناسبات مثل مناسبات الزواج والولائم والعقائق، فإن طلاب العلم كان يهدى إليهم في هذه المناسبات، وهذه الهدية سببها أن طلاب العلم الذين يقومون بفرض الكفاية يستحقون راتباً من بيت مال المسلمين، ولم يكن في بلادنا هذه بيت مال منضبط، فيجب لهم ذلك في أموال الناس، واتفق الناس على أن يجعلوها في المناسبات السارة، ولا حرج في ذلك.

وقد أورد المواق هذه المسألة في شرحه لمختصر خليل في كتاب الوديعة، ونظمها أحد علمائنا بقوله:
من واجب الإسلام جمع مال *** تقضى به حقوق بيت المال
إن لم يكن كحاملي علوم *** فرض الكفاية من الموسوم
بحسن إدراك مع السريرة *** والطيب في سجية والسيرة
ومن خلا من هذه الأوصاف *** منعه لفقد الاتصاف
بل طلب العلم بتلك المرتبه *** خال من المصلحة المجتلبه
بل هو من تكليف ما لم يطق *** وعبث في فعله والمنطق
وكل ذين حجروه حجرا *** فكيف ياخذ عليه أجراً
ذكره المواق في الإيداع *** فانظر تجده يوم يدع الداعي

وكذلك ما يسمى بالكشوة وهي الهدية لمن نزل على الإنسان ليجاوره، فإن الجوار حقوقه كثيرة جداً لا يمكن أن تحصى، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل يحضني على الجار حتى ظننت أنه سيورثه"، والجار إذا كان مسلماً أو قريباً فله حقان، وإذا كان كافراً فله حق واحد حق الجوار، أما إذا كان مسلماً أو قريباً فله حقان حق الجوار وحق القرابة والإسلام، ومن هنا فإذا نزل على الإنسان جار وأراد أن يجاوره فالهدية له بمناسبة نزوله هدية مشرفة وعادة حسنة لا تخالف الشرع، بل هي من حقوق الجوار المعتبرة، لأن التواد والتحابب بينهم مطلوب شرعاً، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: "لا تحقرن جارة لجارتها أن تهدي إليها ولو فرسن شاة".

أما ما يسمى بالفسخة ونحوها وهو ما تهديه المرأة لأصهارها بعد الزواج فإنه في الأصل راجع إلى المهاداة التي تقتضي المحبة وحصول الألفة، ولكنه مع الأسف خرج عن طوره فأصبح الناس يغالون فيه، وأصبح الفقراء يتكلفون فيه، وما كان من هذه الأمور مدعاة للتكلف ونحو ذلك فهو محرم، لقول الله تعالى في خطابه لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وما أنا من المتكلفين}، فالتكلف أن يتكلف الإنسان في الإنفاق ما لا يطيق هذا منهي عنه شرعاً ومخالف لمقتضى هذه الألفة وهذه المحبة، لأن الإنسان إذا تكلف فوق طاقته ليهدي إلى الناس ليتحبب إليهم سيكون في قلبه مبغضاً لهم لأنهم كلفوه ما لا يطيق، فخرجت هذه العادة عن طورها.

فينبغي أن تكون هدية متواضعة رمزية، وأن لا تكون متعدية للطاقة، وأذكر أحد العلماء تزوجت ابنته فأرسل إلى أصهارها كتاب (شرح القسطلاني على صحيح البخاري) و(شرح النووي على صحيح مسلم) في طبعة واحد وقال هذه الفسخة، فهذه الهدية مناسبة رمزية فيها الخير كله، الصحيحان مع شرحهما ولا يمكن أن يتقالوها، ولا أن يزعموها ناقصة ولا قاصرة وهي غير مكلفة، فهذا النوع من المهاداة إذا كان بغير كلفة فهو جيد جداً، حتى لو لم تهد إليهم إلا سواكاً كما كان بعض الأنصار يفعلون، فقد كانت زوجة أحد الأنصار فقيرة وزوجها فقيراً، فلم تجد ما تهديه لأصهارها فأهدت إليهم سواكاً من أراك، فهذا من المهاداة المطلوبة شرعاً، وقد أخرج مالك في الموطأ والحاكم في المستدرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء"، وهذا عام يشمل الإهداء إلى الأصهار وغيرهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.

محمد الحسن الددو الشنقيطي

أحد الوجوه البارزة للتيار الإسلامي وأحد أبرز العلماء الشبان في موريتانيا و مدير المركز العلمي في نواكشوط.