خطبتان لصلاة العيد لا خطبة واحدة
منذ 2008-09-28
السؤال: ما صحة القول بأن الإمام يخطب خطبة واحدة بعد صلاة العيد لا خطبتين؟
الإجابة: ذهب جمهور أهل العلم من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم إلى أن الإمام
يخطب في العيد خطبتين يجلس بينهما كصلاة الجمعة تماماً، قال الإمام
الشافعي: "... أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني عبد الرحمن بن محمد
بن عبد الله، عن إبراهيم بن عبد الله، عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة، قال: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما
بجلوس" (الأم 1/238).
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً قول أبي القاسم الخرقي: "فإذا سلم خطب بهم خطبتين يجلس بينهما"، وجملته أن خطبتي العيدين بعد الصلاة، لا نعلم فيه خلافاً بين المسلمين ... إذا ثبت هذا فإن صفة الخطبتين كصفة خطبتي الجمعة، ... وروى سعد مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبتي العيدين (رواه ابن ماجه)،... ويجلس بين الخطبتين؛ لما روى ابن ماجه بإسناده عن جابر رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى، فخطب قائماً، ثم قعد قعدة، ثم قام" (المغني 2/285-286).
وقال الإمام النووي: "فإذا فرغ الإمام من صلاة العيد صعد المنبر وأقبل على الناس بوجهه، وسلم، وهل يجلس قبل الخطبة؟ وجهان، الصحيح المنصوص يجلس كخطبة الجمعة ثم يخطب خطبتين أركانهما كأركانهما في الجمعة ويقوم فيهما ويجلس بينهما كالجمعة" (روضة الطالبين 1/580).
وقال الكاساني الحنفي: "وكيفية الخطبة في العيدين كهي في الجمعة، فيخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة خفيفة..." (بدائع الصنائع 1/619).
وقال الشيخ أحمد الدردير المالكي عند حديثه عن صلاة العيد: "ونُدِبَ خطبتان لها كالجمعة أي كخطبتها في الصفة..." (الشرح الكبير 1/400).
. وقد جرى العمل على هذا عند المسلمين منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم على أن يخطب الخطيب خطبتين في العيد، وهذا ما تناقله أهل العلم قديماً، ولا خلاف فيه بين السلف كما بيّن ذلك الشيخ ابن حزم الظاهري حيث قال: "فإذا سلم الإمام قام فخطب الناس خطبتين، يجلس بينهما، فإذا أتمهما افترق الناس... كل هذا لا خلاف فيه" (المحلى 3/293).
وقال الصنعاني بعد أن ذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم" (متفق عليه)، قال الصنعاني: "... وفيه دليل على مشروعية خطبة العيد، وأنها كخطب الجمع أمر ووعظ، وليس فيه أنها خطبتان كالجمعة وأنه يقعد بينهما، ولعله لم يثبت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم وإنما صنعه الناس قياساً على الجمعة" (سبل السلام 2/493).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "وقوله: (خطبتين) هذا ما مشى عليه الفقهاء رحمهم الله أن خطبة العيد اثنتان، لأنه ورد هذا في حديث أخرجه ابن ماجه بإسناد فيه نظر (أنه كان يخطب خطبتين)، ومن نظر في السنة المتفق عليها في الصحيحين وغيرهما تبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب إلا خطبة واحدة، لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجه إلى النساء ووعظهنّ، فإن جعلنا هذا أصلاً في مشروعية الخطبتين فمحتمل، مع أنه لا يصح، لأنه إنما نزل إلى النساء وخطبهنّ لعدم وصول الخطبة إليهنّ وهذا احتمال" (الشرح الممتع 5/191-192).
. إذا تقرر هذا فيجب أن يُعلم أنه لم يثبت في صحيح السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب خطبتين في صلاة العيد، وما ورد في ذلك فضعيف كما قرر ذلك أهل الحديث، فمن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فخطب قائماً ثم قعد قعدة ثم قام" (رواه ابن ماجة والبيهقي في السنن الكبرى)، وهو ضعيف كما بينه الحافظ ابن حجر العسقلاني في (التلخيص الحبير 2/86)، وضعّفه البوصيري في (الزوائد) أيضاً، وضعفه الشيخ الألباني أيضاً.
- وما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلّى العيد بغير أذان ولا إقامة، وكان يخطب خطبتين قائماً، فيفصل بينهما بجلسة" (رواه البزار)، وهو ضعيف كما بين ذلك العلامة الألباني في (تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص348).
- وعن عبيد الله بن عتبة بن مسعود أنّه قال: "السنة أن يخطب في العيدين بخطبتين يفصل بينهما بجلوس"، قال الإمام النووي: "ضعيف غير متصل، ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء، والمعتمد فيه القياس على الجمعة" (خلاصة الأحكام 2/838).
- وقال الشوكاني: "وعبيد اللَّه بن عبد الله تابعي كما عرفت فلا يكون قوله من السنة دليلاً على أنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما تقرر في الأصول" (نيل الأوطار 3/347).
وما قاله الشوكاني غير مسلَّم، فإن التابعي إذا قال من السنة كذا فهو يشير إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا قيدها بسنة غيره، بل إن الشوكاني نفسه بين هذه المسألة حيث قال: "وأما التابعي إذا قال من السنة كذا، فله حكم مراسيل التابعين، هذا أرجح ما يقال فيه، واحتمال كونه مذاهب الصحابة وما كان عليه العمل في عصرهم خلاف الظاهر، فإن إطلاق ذلك في مقام الاحتجاج وتبليغه إلى الناس يدل على أنه أراد سنة صاحب الشريعة. قال ابن عبد البر إذا أطلق الصحابي: "السنة" فالمراد به سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك إذا أطلقه غيره ما لم تضف إلى صاحبها كقولهم (سنة العمرين) ونحو ذلك" (إرشاد الفحول ص 61).
- وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز ما نصه: "العلماء ألحقوا العيد بالجمعة في الخطبتين فلا ينبغي العدول عن هذا".
- وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز أيضاً: "خطبة العيد خطبتان، وأثر عبيد الله مرسل فهو ضعيف؛ لكن يتأيد عند الجمهور بأنها مثل الجمعة فألحقوها بها، وتتابع العلماء على ذلك" (عن شبكة الإنترنت).
- وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين: هل للعيد خطبة أم خطبتان؟ فأجاب: "المشهور عند الفقهاء أن خطبة العيد اثنتان لحديث ضعيف ورد في هذا، لكن في الحديث المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب إلا خطبة واحدة، وأرجو أن الأمر في هذا واسع" (مجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين 16/248).
.. وخلاصة الأمر أن الذي يظهر لي أن في العيد خطبتان، وأن هذا من العمل المتوارث، وقد عمل به فقهاء الأمة على مر العصور والأيام فلا ينبغي تركه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً قول أبي القاسم الخرقي: "فإذا سلم خطب بهم خطبتين يجلس بينهما"، وجملته أن خطبتي العيدين بعد الصلاة، لا نعلم فيه خلافاً بين المسلمين ... إذا ثبت هذا فإن صفة الخطبتين كصفة خطبتي الجمعة، ... وروى سعد مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبتي العيدين (رواه ابن ماجه)،... ويجلس بين الخطبتين؛ لما روى ابن ماجه بإسناده عن جابر رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى، فخطب قائماً، ثم قعد قعدة، ثم قام" (المغني 2/285-286).
وقال الإمام النووي: "فإذا فرغ الإمام من صلاة العيد صعد المنبر وأقبل على الناس بوجهه، وسلم، وهل يجلس قبل الخطبة؟ وجهان، الصحيح المنصوص يجلس كخطبة الجمعة ثم يخطب خطبتين أركانهما كأركانهما في الجمعة ويقوم فيهما ويجلس بينهما كالجمعة" (روضة الطالبين 1/580).
وقال الكاساني الحنفي: "وكيفية الخطبة في العيدين كهي في الجمعة، فيخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة خفيفة..." (بدائع الصنائع 1/619).
وقال الشيخ أحمد الدردير المالكي عند حديثه عن صلاة العيد: "ونُدِبَ خطبتان لها كالجمعة أي كخطبتها في الصفة..." (الشرح الكبير 1/400).
. وقد جرى العمل على هذا عند المسلمين منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم على أن يخطب الخطيب خطبتين في العيد، وهذا ما تناقله أهل العلم قديماً، ولا خلاف فيه بين السلف كما بيّن ذلك الشيخ ابن حزم الظاهري حيث قال: "فإذا سلم الإمام قام فخطب الناس خطبتين، يجلس بينهما، فإذا أتمهما افترق الناس... كل هذا لا خلاف فيه" (المحلى 3/293).
وقال الصنعاني بعد أن ذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم" (متفق عليه)، قال الصنعاني: "... وفيه دليل على مشروعية خطبة العيد، وأنها كخطب الجمع أمر ووعظ، وليس فيه أنها خطبتان كالجمعة وأنه يقعد بينهما، ولعله لم يثبت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم وإنما صنعه الناس قياساً على الجمعة" (سبل السلام 2/493).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "وقوله: (خطبتين) هذا ما مشى عليه الفقهاء رحمهم الله أن خطبة العيد اثنتان، لأنه ورد هذا في حديث أخرجه ابن ماجه بإسناد فيه نظر (أنه كان يخطب خطبتين)، ومن نظر في السنة المتفق عليها في الصحيحين وغيرهما تبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب إلا خطبة واحدة، لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجه إلى النساء ووعظهنّ، فإن جعلنا هذا أصلاً في مشروعية الخطبتين فمحتمل، مع أنه لا يصح، لأنه إنما نزل إلى النساء وخطبهنّ لعدم وصول الخطبة إليهنّ وهذا احتمال" (الشرح الممتع 5/191-192).
. إذا تقرر هذا فيجب أن يُعلم أنه لم يثبت في صحيح السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب خطبتين في صلاة العيد، وما ورد في ذلك فضعيف كما قرر ذلك أهل الحديث، فمن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فخطب قائماً ثم قعد قعدة ثم قام" (رواه ابن ماجة والبيهقي في السنن الكبرى)، وهو ضعيف كما بينه الحافظ ابن حجر العسقلاني في (التلخيص الحبير 2/86)، وضعّفه البوصيري في (الزوائد) أيضاً، وضعفه الشيخ الألباني أيضاً.
- وما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلّى العيد بغير أذان ولا إقامة، وكان يخطب خطبتين قائماً، فيفصل بينهما بجلسة" (رواه البزار)، وهو ضعيف كما بين ذلك العلامة الألباني في (تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص348).
- وعن عبيد الله بن عتبة بن مسعود أنّه قال: "السنة أن يخطب في العيدين بخطبتين يفصل بينهما بجلوس"، قال الإمام النووي: "ضعيف غير متصل، ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء، والمعتمد فيه القياس على الجمعة" (خلاصة الأحكام 2/838).
- وقال الشوكاني: "وعبيد اللَّه بن عبد الله تابعي كما عرفت فلا يكون قوله من السنة دليلاً على أنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما تقرر في الأصول" (نيل الأوطار 3/347).
وما قاله الشوكاني غير مسلَّم، فإن التابعي إذا قال من السنة كذا فهو يشير إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا قيدها بسنة غيره، بل إن الشوكاني نفسه بين هذه المسألة حيث قال: "وأما التابعي إذا قال من السنة كذا، فله حكم مراسيل التابعين، هذا أرجح ما يقال فيه، واحتمال كونه مذاهب الصحابة وما كان عليه العمل في عصرهم خلاف الظاهر، فإن إطلاق ذلك في مقام الاحتجاج وتبليغه إلى الناس يدل على أنه أراد سنة صاحب الشريعة. قال ابن عبد البر إذا أطلق الصحابي: "السنة" فالمراد به سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك إذا أطلقه غيره ما لم تضف إلى صاحبها كقولهم (سنة العمرين) ونحو ذلك" (إرشاد الفحول ص 61).
- وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز ما نصه: "العلماء ألحقوا العيد بالجمعة في الخطبتين فلا ينبغي العدول عن هذا".
- وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز أيضاً: "خطبة العيد خطبتان، وأثر عبيد الله مرسل فهو ضعيف؛ لكن يتأيد عند الجمهور بأنها مثل الجمعة فألحقوها بها، وتتابع العلماء على ذلك" (عن شبكة الإنترنت).
- وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين: هل للعيد خطبة أم خطبتان؟ فأجاب: "المشهور عند الفقهاء أن خطبة العيد اثنتان لحديث ضعيف ورد في هذا، لكن في الحديث المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب إلا خطبة واحدة، وأرجو أن الأمر في هذا واسع" (مجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين 16/248).
.. وخلاصة الأمر أن الذي يظهر لي أن في العيد خطبتان، وأن هذا من العمل المتوارث، وقد عمل به فقهاء الأمة على مر العصور والأيام فلا ينبغي تركه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.
حسام الدين عفانه
دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.
- التصنيف: