باب الإجارة على الحج

منذ 2008-11-19
السؤال: باب الإجارة على الحج
الإجابة: [قال الشافعي] رحمه الله تعالى: للرجل أن يستأجر الرجل يحج عنه إذا كان لا يقدر على المركب لضعفه وكان ذا مقدرة بماله ولوارثه بعده، والإجارة على الحج جائزة جوازها على الأعمال سواه، بل الإجارة إن شاء الله تعالى على البر خير منها على ما لا بر فيه، ويأخذ من الإجارة ما أعطى، وإن كثر كما يأخذها على غيره لا فرق بين ذلك، ولو استأجر رجل رجلاً يحج عنه فقرن عنه كان دم القران على الأجير وكان زاد المحجوج عنه خيراً؛ لأنه قد جاء بحج وزاد معه عمرة.

ولو استأجر الرجل الرجل يحج عنه أو عن غيره فالإجارة جائزة، والحج عنه من حيث شرط أن يحرم عنه، ولا تجوز الإجارة على أن يقول تحج عنه من بلد كذا حتى يقول تحرم عنه من موضع كذا؛ لأنه يجوز الإحرام من كل موضع. فإذا لم يقل هذا فالإجارة مجهولة، وإذا وقت له موضعاً يحرم منه فأحرم قبله ثم مات فلا إجارة له في شيء من سفره، وتجعل الإجارة له من حين أحرم من الميقات الذي وقت له إلى أن يكمل الحج، فإن أهل من وراء الميقات لم تحسب الإجارة إلا من الميقات، وإن مر بالميقات غير محرم فمات قبل أن يحرم فلا إجارة له؛ لأنه لم يعمل في الحج، وإن مات بعدما أحرم من وراء الميقات حسبت له الإجارة من يوم أحرم من وراء الميقات ولم تحسب له من الميقات إذا لم يحرم منه؛ لأنه ترك العمل فيه، وإن خرج للحج فترك الإحرام والتلبية وعمل عمل الحج أو لم يعمله إذا قال لم أحرم بالحج أو قال اعتمرت ولم أحج أو قال استؤجرت على الحج فاعتمرت فلا شيء له، وكذلك لو حج فأفسده؛ لأنه تارك للإجارة مبطل لحق نفسه، ولو استأجره ليحج عنه على أن يحرم من موضع فأحرم منه ثم مات في الطريق فله من الإجارة بقدر ما مضى من سفره أو استأجره على أن يهل من وراء الميقات ففعل فقد قضى بعض ما استأجره عليه، وإذا استأجره، فإنما عليه أن يحرم من الميقات، وإحرامه قبل الميقات تطوع، ولو استأجره على أن يحج عنه من اليمن فاعتمر عن نفسه ثم خرج إلى الميقات الذي استؤجر عليه فأهل بحج عن الذي استأجره، فلا يجزيه إذا أهل بالعمرة عن نفسه إلا أن يخرج إلى ميقات المستأجر الذي شرط أن يهل منه فيهل عنه بالحج منه، فإن لم يفعل وأهل بالحج من دون الميقات فكان عليه أن يهل فبلغ الميقات فأهل منه بالحج عنه أجزأ عنه وإلا أهراق دماً، وذلك من ماله دون مال المستأجر، ويرد من الإجارة بقدر ما يصيب ما بين الميقات الموضع الذي أحرم منه؛ لأنه شيء من عمله نقصه، ولا يحسب الدم على المستأجر؛ لأنه بعمله كان ويجزئه الحج على كل حال شرط عليه أن يهل من دون الميقات أو من وراء الميقات أو منه وكل شيء أحدثه الأجير في الحج لم يأمره به المستأجر مما يجب عليه فيه الفدية فالفدية عليه في ماله دون مال المستأجر، ولو أهل بالحج بعد العمرة عن نفسه من ميقات المستأجر عن المستأجر ثم مات قبل أن يقضي الحج، كان له من الإجارة بقدر ما عمل من الحج وقد قيل لا أجر له إلا أن يكمل الحج، ومن قال هذا القول قاله في الحاج عن الرجل لا يستوجب من الإجارة شيئا إلا بكمال الحج وهذا قول يتوجه، والقياس القول الأول؛ لأن لكل حظاً من الإجارة.

ولو استأجره للحج فأحصر بعدو ففاته الحج ثم دخل فطاف وسعى وحلق أن له من الإجارة بقدر ما بين أن أهل من الميقات إلى بلوغه الموضع الذي حبس فيه في سفره؛ لأن ذلك ما بلغ من سفره في حجه الذي له الإجارة حتى صار غير حاج، وإنما أخذ الإجارة على الحج وصار يخرج من الإحرام بعمل ليس من عمل الحج.

ولو استأجر رجل رجلاً على أن يحج عنه فاعتمر عن نفسه ثم أراد الحج عن المستأجر خرج إلى ميقات المحجوج عنه فأهل عنه منه لا يجزيه غير ذلك، فإن لم يفعل أهراق دماً.

ولو استأجر رجل رجلاً يحج عن رجل فاعتمر عن نفسه ثم خرج إلى ميقات المحجوج عنه الذي شرط أن يهل عنه منه إن كان الميقات الذي وقت له بعينه فأهلّ بالحج عنه أجزأت عن المحجوج عنه، فإن ترك ميقاته وأحرم من مكة أجزأه الحج، وكان عليه دم لترك ميقاته من ماله ورجع عليه مما استؤجر به بقدر ما ترك مما بين الميقات ومكة.

ولو استأجره على أن يتمتع عنه فأفرد أجزأت الحجة عنه ورجع بقدر حصة العمرة من الإجارة؛ لأنه استأجره على عملين فعمل أحدهما، ولو استأجره على أن يفرد فقرن عنه كان زاده عمرة وعلى المستأجر دم القران وهو كرجل استؤجر أن يعمل عملاً فعمله، وزاد آخر معه فلا شيء له في زيادة العمرة؛ لأنه متطوع بها، ولو استأجره على أن يقرن عنه فأفرد الحج أجزأ عنه الحج وبعث غيره يعتمر عنه إن كانت العمرة الواجبة ورجع عليه بقدر حصة العمرة من الإجارة؛ لأنه استأجره على عملين فعمل أحدهما.

ولو استأجره على أن يحج عنه فأهلّ بعمرة عن نفسه وحجة عن المستأجر رد جميع الإجارة من قبل أن سفرهما وعملهما واحد، وأنه لا يخرج من العمرة إلى الحج ولا يأتي بعمل الحج دون العمرة؛ لأنه لا يكون له أن ينوي جامعاً بين عملين أحدهما عن نفسه والآخر عن غيره ولا يجوز أن يكونا معاً عن المستأجر؛ لأنه نوى أحدهما عن نفسه فصارا معاً عن نفسه؛ لأن عمل نفسه أولى به من عمل غيره إذا لم يتميز عمل نفسه من عمل غيره.

ولو استأجر رجل رجلاً يحج عن ميت فأهلّ بحج عن ميت ثم نواه عن نفسه كان الحج عن الذي نوى الحج عنه وكان القول في الأجرة واحداً من قولين: أحدهما أنه مبطل لها لترك حقه فيها، والآخر أنها له؛ لأن الحج عن غيره.

ولو استأجر رجلان رجلاً يحج عن أبويهما، فأهلّ بالحج عنهما معاً كان مبطلا لإجارته، وكان الحج عن نفسه، لا عن واحد منهما، ولو نوى الحج عن نفسه وعنهما أو عن أحدهما كان عن نفسه وبطلت إجارته. وإذا مات الرجل وقد وجبت عليه حجة الإسلام ولم يحج قط فتطوع متطوع قد حج حجة الإسلام بأن يحج عنه فحج عنه أجزأ عنه ثم لم يكن لوصيه أن يخرج من ماله شيئاً ليحج عنه غيره ولا أن يعطي هذا شيئاً لحجه عنه؛ لأنه حج عنه متطوعاً، وإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخثعمية أن تحج عن أبيها ورجلاً أن يحج عن أمه ورجلاً أن يحج عن أبيه لنذر نذره أبوه دل هذا دلالة بينة أنه يجوز أن تحرم المرأة عن الرجل، ولو لم يكن فيه هذا كان أن يحرم الرجل عن الرجل والرجل عن المرأة أولى، من قبل أن الرجل أكمل إحراماً من المرأة وإحرامه كإحرام الرجل فأي رجل حج عن امرأة أو رجل أو امرأة حجت عن امرأة أو عن رجل أجزأ ذلك المحجوج عنه، إذا كان الحاج قد حج حجة الإسلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأم - كتاب الحج.

محمد بن إدريس الشافعي

الإمام العلامة، صاحب المذهب المشهور