حكم الهجرة إلى بلاد الكفار
منذ 2009-07-10
السؤال: أرجو توضيح الحكم في الهجرة وبالأخص إلى أمريكا، وجزاكم الله خيراً.
الإجابة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما
بعد:
فإن الهجرة التي وقعت في تاريخ المسلمين على ضربين:
- أولهما الهجرة من دار الخوف إلى دار الأمن متمثلة في الانتقال من مكة إلى الحبشة.
- ثانيهما الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام متمثلة في الانتقال من مكة إلى المدينة، وهذا النوع الثاني هو الذي أوجبه الله على عباده بقوله: {إن الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً}.
والهجرة تنقسم إلى نوعين: هجرة هَرَب، وهجرة طَلَب.
- أما هجرة الهرب فمثالها الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام كما فعل المسلمون الأولون، والهجرة من الأرض التي تكثر فيها البدع. قال الإمام مالك: "لا يحلُّ لمسلم أن يقيم بأرض يُسبُّ فيها السلف"، والهجرة من الأرض التي يغلب على أهلها أكل الحرام، وكذلك الهجرة من الأرض التي لا يأمن الإنسان فيها على نفسه أو عرضه أو ماله.
- وهجرة الطلب مثالها الهجرة لتحصيل العلم النافع، وقلَّ أن تجد عالماً أو فقيهاً إلاّ وفعلها، والهجرة لزيارة البقاع المقدسة: " " الحديث، والهجرة لزيارة الإخوان في الله، والهجرة لطلب الرزق، إلى غير ذلك من الأمثلة.
.. أما الهجرة إلى أمريكا، فلبيان حكمها أوضِّح أموراً أرجو أن تكون بيِّنةً:
- أولها: أمريكا دار كفر حيث إنّ أغلب قُطّانها كُفّار والغَلَبَة لهم والحكم بأيديهم، والقانون النافذ هناك هو قانون الجاهلية، والمسلمون ليسوا سوى أقِلّة مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس.
- ثانيها: الأمريكان بدت منهم العداوة والبغضاء تجاه المسلمين -خاصة بعد أحداث سبتمبر- وقد أخبر الثقات الصادقون أن الأحوال تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، والمسلم -هناك- معرّض للاعتقال والإهانة لأدنى شبهة.
- ثالثها: الإقامة بدار الكفر -عموماً- لها مفاسد عظيمة، قد تخفى على من لا همَّ لهم إلاّ الدنيا ورغد العيش، ولو كان على سبيل تضييع الدين ومسخ الهوية وطمس الفطرة، ومن هذه المفاسد:
1 - حصول البراءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: " "، والقائل: " ".
2 - إلف المنكرات واعتيادها بحيث لا يتمعّر وجه المسلم إذا رأى من يضاجع فتاة، أو يتناول خمراً، أو يمارس شذوذاً، بل ربما -بمرور الوقت- يراها من قبيل الحريات الشخصية.
3 - في تلك البلاد لا يسمع المسلم أذاناً ولا يجد من يُذكّره بالله -إلا قليلاً-، ولربما عجز عن إيقاع الصلوات المفروضة في جماعة، ولا يسلم -غالباً- من أكل الربا والتعامل به، وقد يضطر إلى مجاملة بعض القوم في بعض أعيادهم الدينية ونُظُمهم الكفرية لئلا يُرمى بالتشدُّد.
4 - الأشنع من هذا كله أن تمتدّ الإقامة -هناك- فيُرزق بالذرية، وينشأ الأولاد على تلك الحال في مدارس القوم ويفتحون أعينهم على هاتيك المنكرات، ولا يستطيع الأب حينها إلا أن يعض أصبع الندم حيث لا ينفع الندم.
وقد حدثني بعض شيوخنا الصالحين أن ابن أخيه -ويعمل طبيباً في تلك البلاد- قد تنصّر ولده وفارق دين الإسلام إلى دين الصليب، وأبوه حائر لا يدري ما يصنع.
وحدثني بعض إخواننا المغاربة في إيطاليا أن ولديه طلبا إلى أمِّهما السماح لهما بالمشاركة في الاحتفال بأعياد الميلاد النصرانية، فلما أبت الأم وحدث نقاش فيما بينهم عمدت الأم إلى إيقاع العقاب بهما، ولما سمع الجار النصراني ارتفاع الأصوات سارع إلى إبلاغ الشرطة التي جاءت فنزعت الولدين من الأم وعمدت إلى إلحاق أحدهما بدار رعاية اجتماعية والآخر بدير الرهبان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
.. وعليه أقول: لا يجوز للمسلم أن يهاجر إلى بلاد الكفر -أوربا وأمريكا وغيرها- بنِيّة الاستقرار الدائم والبقاء الأبدي، لعموم النصوص الناهية عن إقامة المسلم بين المشركين.
ولا يجوز للمسلم السفر إلى تلك البلاد إلا لضرورة أو حاجة مُلِحّة، على أنه متى ما زالت ضرورته أو قُضيت حاجته رجع إلى الأصل وهو حرمة البقاء بتلك البلاد.
.. ومن أمثلة الضرورة:
1 - من ضاقت عليه الأرض -في بلاده- ولم يستطع أن يمارس شعائر دينه، بل حُورب وحُوصر -لأجل لحيته وصلاته وسمته والتزامه- فلجأ إلى تلك البلاد طلباً للأمن في دينه.
2 - من فرّ من سلطان ظلوم غشوم قَصَدَه بالسوء في نفسه -مثل الذي يحدث في بلاد تصدر فيها أحكام الإعدام على الملتزمين بالجملة- فلجأ إلى تلك البلاد استبقاءً لحياته.
3 - من أصابه داءٌ عُضال يتهدده في حياته ولا علاج له إلا في تلك البلاد.
ومن أمثلة الحاجيات:
1 - من هاجر إلى تلك البلاد طلباً لعلم نافع لا يوجد في بلاد المسلمين، على أن يكون -في نفسه- ملتزماً بأحكام الدين، قادراً على دحض شبهات المبطلين.
2 - من هاجر للدعوة إلى الله والتبشير بدين الله.
3 - من هاجر لإيصال رسالة أو قضاء مهمة في زمن محدود كالدبلوماسيين والتجار وأشباههم مع اعتبار الشرط المذكور في الفقرة الأولى.
هذا وإني لأرجو من إخواني المسلمين ألا يؤثروا الحياة الدنيا على الآخرة وألا يحبوا العاجلة وينسوا الباقية، ولْيعلموا أن الدين يبقى وتذهب الأنفس والأموال، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن شبكةالمشكاة الإسلامية.
فإن الهجرة التي وقعت في تاريخ المسلمين على ضربين:
- أولهما الهجرة من دار الخوف إلى دار الأمن متمثلة في الانتقال من مكة إلى الحبشة.
- ثانيهما الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام متمثلة في الانتقال من مكة إلى المدينة، وهذا النوع الثاني هو الذي أوجبه الله على عباده بقوله: {إن الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً}.
والهجرة تنقسم إلى نوعين: هجرة هَرَب، وهجرة طَلَب.
- أما هجرة الهرب فمثالها الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام كما فعل المسلمون الأولون، والهجرة من الأرض التي تكثر فيها البدع. قال الإمام مالك: "لا يحلُّ لمسلم أن يقيم بأرض يُسبُّ فيها السلف"، والهجرة من الأرض التي يغلب على أهلها أكل الحرام، وكذلك الهجرة من الأرض التي لا يأمن الإنسان فيها على نفسه أو عرضه أو ماله.
- وهجرة الطلب مثالها الهجرة لتحصيل العلم النافع، وقلَّ أن تجد عالماً أو فقيهاً إلاّ وفعلها، والهجرة لزيارة البقاع المقدسة: " " الحديث، والهجرة لزيارة الإخوان في الله، والهجرة لطلب الرزق، إلى غير ذلك من الأمثلة.
.. أما الهجرة إلى أمريكا، فلبيان حكمها أوضِّح أموراً أرجو أن تكون بيِّنةً:
- أولها: أمريكا دار كفر حيث إنّ أغلب قُطّانها كُفّار والغَلَبَة لهم والحكم بأيديهم، والقانون النافذ هناك هو قانون الجاهلية، والمسلمون ليسوا سوى أقِلّة مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس.
- ثانيها: الأمريكان بدت منهم العداوة والبغضاء تجاه المسلمين -خاصة بعد أحداث سبتمبر- وقد أخبر الثقات الصادقون أن الأحوال تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، والمسلم -هناك- معرّض للاعتقال والإهانة لأدنى شبهة.
- ثالثها: الإقامة بدار الكفر -عموماً- لها مفاسد عظيمة، قد تخفى على من لا همَّ لهم إلاّ الدنيا ورغد العيش، ولو كان على سبيل تضييع الدين ومسخ الهوية وطمس الفطرة، ومن هذه المفاسد:
1 - حصول البراءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: " "، والقائل: " ".
2 - إلف المنكرات واعتيادها بحيث لا يتمعّر وجه المسلم إذا رأى من يضاجع فتاة، أو يتناول خمراً، أو يمارس شذوذاً، بل ربما -بمرور الوقت- يراها من قبيل الحريات الشخصية.
3 - في تلك البلاد لا يسمع المسلم أذاناً ولا يجد من يُذكّره بالله -إلا قليلاً-، ولربما عجز عن إيقاع الصلوات المفروضة في جماعة، ولا يسلم -غالباً- من أكل الربا والتعامل به، وقد يضطر إلى مجاملة بعض القوم في بعض أعيادهم الدينية ونُظُمهم الكفرية لئلا يُرمى بالتشدُّد.
4 - الأشنع من هذا كله أن تمتدّ الإقامة -هناك- فيُرزق بالذرية، وينشأ الأولاد على تلك الحال في مدارس القوم ويفتحون أعينهم على هاتيك المنكرات، ولا يستطيع الأب حينها إلا أن يعض أصبع الندم حيث لا ينفع الندم.
وقد حدثني بعض شيوخنا الصالحين أن ابن أخيه -ويعمل طبيباً في تلك البلاد- قد تنصّر ولده وفارق دين الإسلام إلى دين الصليب، وأبوه حائر لا يدري ما يصنع.
وحدثني بعض إخواننا المغاربة في إيطاليا أن ولديه طلبا إلى أمِّهما السماح لهما بالمشاركة في الاحتفال بأعياد الميلاد النصرانية، فلما أبت الأم وحدث نقاش فيما بينهم عمدت الأم إلى إيقاع العقاب بهما، ولما سمع الجار النصراني ارتفاع الأصوات سارع إلى إبلاغ الشرطة التي جاءت فنزعت الولدين من الأم وعمدت إلى إلحاق أحدهما بدار رعاية اجتماعية والآخر بدير الرهبان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
.. وعليه أقول: لا يجوز للمسلم أن يهاجر إلى بلاد الكفر -أوربا وأمريكا وغيرها- بنِيّة الاستقرار الدائم والبقاء الأبدي، لعموم النصوص الناهية عن إقامة المسلم بين المشركين.
ولا يجوز للمسلم السفر إلى تلك البلاد إلا لضرورة أو حاجة مُلِحّة، على أنه متى ما زالت ضرورته أو قُضيت حاجته رجع إلى الأصل وهو حرمة البقاء بتلك البلاد.
.. ومن أمثلة الضرورة:
1 - من ضاقت عليه الأرض -في بلاده- ولم يستطع أن يمارس شعائر دينه، بل حُورب وحُوصر -لأجل لحيته وصلاته وسمته والتزامه- فلجأ إلى تلك البلاد طلباً للأمن في دينه.
2 - من فرّ من سلطان ظلوم غشوم قَصَدَه بالسوء في نفسه -مثل الذي يحدث في بلاد تصدر فيها أحكام الإعدام على الملتزمين بالجملة- فلجأ إلى تلك البلاد استبقاءً لحياته.
3 - من أصابه داءٌ عُضال يتهدده في حياته ولا علاج له إلا في تلك البلاد.
ومن أمثلة الحاجيات:
1 - من هاجر إلى تلك البلاد طلباً لعلم نافع لا يوجد في بلاد المسلمين، على أن يكون -في نفسه- ملتزماً بأحكام الدين، قادراً على دحض شبهات المبطلين.
2 - من هاجر للدعوة إلى الله والتبشير بدين الله.
3 - من هاجر لإيصال رسالة أو قضاء مهمة في زمن محدود كالدبلوماسيين والتجار وأشباههم مع اعتبار الشرط المذكور في الفقرة الأولى.
هذا وإني لأرجو من إخواني المسلمين ألا يؤثروا الحياة الدنيا على الآخرة وألا يحبوا العاجلة وينسوا الباقية، ولْيعلموا أن الدين يبقى وتذهب الأنفس والأموال، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن شبكةالمشكاة الإسلامية.
عبد الحي يوسف
رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم
- التصنيف: