عفو الآباء عن هفوات الأبناء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تَقَدَّم شابٌّ للزواج بي، ورفضه أبي دون أن يحدِّثَه أو يتعرف عليه؛ وذلك لطريقة تعرُّفي عليه.
أنا فتاة عمري 27 سنة، ملتزمة وعاقلة، وأعمل مُعيدة بكلية الصيدلة، وذلك الشاب عمره 27 سنة، ويدرس الدكتوراه بالخارج، وهو أيضًا على قدْرٍ منَ الالتزام والعقل والنُّضج.
كنتُ أدخل على منتدى يُناقش قضايا عامَّة على الإنترنت، وأُبدي برأيي في بعض هذه المواضيع، وقرأ آرائي، وأُعجب بها، وكان أحيانًا يُعَلِّق على ما أكتُبه، وحاوَلَ إضافَتي، والتحدُّث معي مرات عديدة على الشات، وكنتُ أرفض دائمًا؛ وذلك لأنَّني لا أتكلَّم نهائيًّا مع مَنْ لا أعرفه، ذكرًا كان أو أنثى.
وبعد حوالي ستة أشهر أراد أن يَتَقَدَّم للزواج بي، فسأل عنِّي إحدى صديقاتي، وهو يعرفها ويُحَدِّثها كثيرًا على المنتدى، وأخبرتْنِي صديقتي بذلك، وعندها - فقط - قبلْتُ أن أُحدثه لمدة أسبوع عن طريق الكتابة على الشات، بكلِّ احترامٍ وأدَبٍ، فأنا أؤدِّي الفرائض، وأرعى حُقُوق الله في تصرُّفاتي، ولكنَّني أخطأْتُ في أنَّني أخفيْتُ ذلك عن أهلي.
وبعد مُرُور أُسبوع وجدْنا أننا مبْدئيًّا نشترك في المبادئ والأهداف، ونتكافأ من حيثُ العقلُ والعلمُ والأُسرة والالتزام مبدئيًّا؛ فقال: إنَّه أخْبر أهله، ووافَق أن أُخبر أهلي بالموضوع.
أبي رفَض دون أنْ يراه أو يُحدِّثه؛ لأنَّني راسلته لِمُدة أسبوع بدون علْمِه، وبسبب طريقة تعارُفنا، فهل تعتقد - يا فضيلة الشيخ - أنَّ ذنْبِي - وهو مُحادثته لمدة أسبوع لِمَعْرفة الأساسيَّات عن شخْصيته - أسْتَحِقُّ أنْ أُعاقبَ عليه بِحِرْماني مِنْ فُرصة تعارُفي عليه، وتعارفه عليَّ؛ لنرى إن كان لي نصيبٌ في الزواج؟
إن كنتَ تُوافقني الرأي بأنَّ ذنْبِي ليس بالجرم الذي يجعل أبي يحرمني من إعطاء نفسي، وإعطاء ذلك الشاب فُرصة، لنرى ما كتَبَ الله لنا علمًا، ولأنني نادرًا ما يتقدَّم لي أحدٌ على هذا القدْر مِن التكافُؤ والتوافُق، فهل لك أن تقنعَ أبي بإعطائه فُرصة التقدُّم لي؟
آسفة للإطالة عليكم، وجزاكم الله الأجْر والثواب، ولا تنسونا مِن دُعائك.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فقد أخطأتِ بلا شك بفتحك هذا الباب مِن الفتنة على نفسك، فمن الظاهر أن مخاطرَ المحادَثة بين الجنسَيْن عبر الإنترنت غير خافية عليكِ، ولا على والدكِ، ولعل هذا سِر غضبِه الشديد ورفضه لهذا الشاب، لا سيما والشات ليس موضعًا للتفاهُم مِنْ أجْل الزواج، وهذا يعرفه كل أحدٍ، حيث لا يكف كلٌّ من الرجل والمرأة عن التكلُّف كل منهما للآخر، فضلاً عن الكذِب والخِداع، فكيف يظن أنه يصلُحُ لِمُقدمات ما سَمَّاه الله تعالى بالميثاق الغليظ؛ حيث قال: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } [النساء: 21].
أما التفاهُم والتناغُم والتجانس، فلا يتأتَّى هكذا، وإنما يَتَطَلَّب جهدًا وعِشْرة، ويستغرق وقتًا لاختلاف العادات وطُرُق التربية والثقافات.
وقد سبق حُكْم التحدُّث بين الجنسَيْن في فتاوى عديدة؛ منها: "الزواج عن طريق الإنترنت"، و"المحادَثة عبر الشات لغرض الزواج"، و"حكم الدردشة مع الجنْس الآخر"، و"حدود علاقة الرجال بالنساء في المنتديات والانترنت"، و"الحديث على الإنترنت مع الجنس الآخر".
هذا؛ وما ننصح به والد تلك الفتاة أن يغفرَ لابنته تلك الزلَّة، فما دامتْ هي مُقرَّة بخَطَئِها، وأنها تأولتْ فأخطأت؛ فكلُّ بني آدم خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوَّابُون، ولا يليق بالمسلم الحق أن يأخذَ مواقف صلبة لا يتزحزح عنها؛ فإنَّ الله قد جبل الأبوَيْن على حُبِّ المصلحة لأبنائهم، والغالب على اختيارهما الصواب، ولذلك فإنَّا ندعوكَ لإعادة التفكير في المسألة مِن جديدٍ، وأن تعطيَ ذلك الشاب فُرصة، ولا تجعل الانطباع الأوَّلي حاكمًا عليه، فيُخشى أن تقعَ بهذا في الظُّلْم، فقابله، ولتسألْ عنه جيدًا، واختَبِر أخلاقه؛ لتتعرفَ على ما فيها من إيجابيات أو سلبيات، فربما تبيَّن لك أنه الأصْلح، ولا يخْفى عليكَ أن تلك هي مُهمة الولي أن ينظرَ فيما يصلح لابنته، وأَوْجَبَ الله تعالى على الأولياء احترام رأي المرأة، وتعاوُنهم معها في اختيار الزوج المناسب، فالوليُّ بتجاربه الحياتيَّة وعقْلانيَّته يستطيع النظر في مصْلحة المرأة، والنظر في حُقُوقها المادية، ويوجه عاطفتها الوجْهة الصالحة في حُسن الاختيار، لا أن يستأثرَ بالرفض والرضا بدلاً عنها.
ولا شك أنَّ إهمالَ مراعاة ما ذكَرْنا له تأثير مدمِّر على الأبناء؛ بل قد يمتد لحياتها الزَّوجيَّة،، والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع الآلوكة على شبكة الانترنت.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: