هل الإنسان خليفة الله في الأرض؟
هل الإنسان خليفة الله في الأرض؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فإن كان المقصود بقول: "إن الإنسان خليفة الله في أرضه" أن الله تعالى استخلفه فيها، أو قيام قَرْن منهم مقام قرن قبلَهم وخلافة بعضهم بعضًا، فلا مانع شرعًا من ذلك؛ فإن الله عز وجل وَصَفَ بعضَ أنبيائه بأنه خليفة في الأرض، وأَمَرَه بالحُكْم بين الناس، فقال تعالى: {} [ص: 26]؛ قال ابن كثير عند قوله تعالى: {} [البقرة: 30]: "أي: قَوْمًا يَخْلُف بعضهم بعضًا، قرنًا بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، كما قال تعالى: {} [الأنعام: 165] وقال: {} [النمل: 62]. وقال: {} [الزخرف: 60]. وقال: {} [مريم: 59]".
وقد فَصَّل ابن القيم رحمه الله المسألة تفصيلاً جيدًا؛ فذَكَرَ حُجج الفريقين، ثم رَجَّح ما اخترناه، فقال في كتابه الماتع "مِفتاح دار السعادة": "... واحتج القائلون بجواز أن يقال: فلان خليفة الله في أرضه بقوله تعالى للملائكة: {} [البقرة: 30]، وبقوله تعالى: {} [فاطر: 39]، وهذا خطاب لنوع الإنسان، وبقوله تعالى: {} [النمل: 62]، وبقول موسى لقومه: {} [الأعراف: 129]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: "". واحتجوا بقول الراعي يخاطب أبا بكر رضي الله عنه:
َخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إِنَّا مَعْشَرٌ *** حُنَفَاءُ نَسْجُدُ بُكْرَةً وَأَصِيلاَ
عُرْبٌ نَرَى للهِ فِي أَمْوَالِنَا *** حَقَّ الزَّكَاةِ مُنَزَّلاً تَنْزِيلاَ
وَمَنَعَتْ طَائفة هذا الإطلاق، وقالت لا يقال لأحد إنه خليفة الله؛ فإن الخليفة إنما يكون عمن يغيب، ويَخْلُفُه غَيْرُه، والله تعالى شاهدٌ غيرُ غائب، قريبٌ غير بعيد، راءٍ وسامع؛ فمحال أن يَخْلُفَهُ غيرُهُ؛ بل هو سبحانه الذي يَخْلُف عبده المؤمن، فيكون خليفته؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الدجال: "" (والحديث في الصحيح).
وفي صحيح مسلم أيضًا من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا سَافَرَ: "" الحديثَ.
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "". فالله تعالى هو خليفة العبد؛ لأن العبد يموت فيحتاج إلى مَن يَخْلُفُه في أهله.
قالوا: ولهذا أنكر الصديق رضى الله عنه على مَن قال له: يا خليفة الله، قال: لستُ بخليفة الله، ولكني خليفة رسول الله، وحسبي ذلك.
قالوا: وأما قوله تعالى: {} [البقرة: 30] فلا خلاف أن المراد به آدم وذريته، وجمهور أهل التفسير من السلف والخلف على أنه جعله خليفة عمَّن كان قَبْلَه في الأرض؛ قيل عنِ الجنِّ الذين كانوا سُكَّانَها، وقيل عن الملائكة الذين سكنوها بعد الجنِّ، وقصتهم مذكورة في التفاسير.
وأما قوله تعالى: {} [فاطر: 39] فليس المراد به خلائف عن الله، وإنما المراد به أنه جعلكم متعاقِبِينَ؛ يَخْلُف بعضُكم بعضًا، فكلَّما هَلَكَ قَرْنٌ خَلَفَه قَرْنٌ إلى آخر الدهر.
وأما قول موسى لقومه: {} [الأعراف: 129] فليس ذلك استخلافًا عنه؛ وإنما هو استخلاف عن فرعون وقومه، أهلكهم وجعل قوم موسى خلفاء من بعدهم، وكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "". أي من الأمم التي تَهْلِك، وتكونون أنتم خلفاء مِن بعدهم.
قالوا: وأما قول الراعي فقولُ شاعر، قال قصيدة في غَيْبَةِ الصِّدِّيق، لا يُدْرَى أَبَلَغَتْ أبا بكر أو لا؟ ولو بلغته فلا يُعلَم أنه أقرَّه على هذه اللفظة أم لا؟
إلى أن قال ابن القيم: "فإن أُرِيد بالإضافة إلى الله أنه خليفة عنه، فالصوابُ قولُ الطائفة المانعة منها، وإن أريد بالإضافة أن الله استخلفه عن غيره ممن كان قبله، فهذا لا يمتنع فيه الإضافة، وحقيقتها خليفة الله الذي جعله الله خَلَفًا عن غيره ، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: