زكاة الأعشاب الطبية
أقوم بزراعة الأعشاب الطبية؛ فهل عليها زكاة زروع؟ فإن كان عليها: فهل أخرجها أعشاباً، أم أخرج قيمتها؟ وما مقدار تلك الزكاة؟
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فقد اختلف العلماء في زكاة الزروع؛ فذهب الحنفية -وهو رواية عن الإمام أحمد- إلى أنها تجب في القليل والكثير، مما أخرجته الأرض؛ من الحبوب، والثمار، والفواكه، والخضروات، والبقول والزهور، واستثنوا ثلاثة أشياء فقط، وهى: الحطب، والقصب، والحشيش، واسْتُدلَّ على ذلك بعمومات الكتاب والسنة؛ كقوله تعالى: {} [الأنعام:141]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "" (رواه البخاري وغيره عن عمر).
وذهب الشافعية والمالكية إلى أن زكاة الزروع لا تجب إلا فيما يُكال ويُقْتَات؛ كالبُرِّ، والأرز، والتمر، والزبيب، وأنها لا تجب في أقل من خمسة أوْسُق، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "" (متفق عليه من حديث أبي سعيد)، وعنه عند أحمد ومسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "" وهذه الأدلة أخصّ من أدلة الحنفية، وحملُ العام على الخاص واجبٌ، عند جميع العلماء.
وذهب الحنابلة -في المشهور من المذهب- إلى أنها تجب في كل حبٍّ وثمرٍ، يُكال ويُدَّخر، ولو لم يكن قُوتاً، وفي كل مثل حب الرشاد، والصنوبر، والفستق، والكمون، والكراويه، والخردل، والعنَّاب، والكسبرة، وما أشبهها؛ واحتجوا بنفس أدلة القول الثاني.
وذهب أحمد في رواية -وهو اختيار أبي عبيد في كتابه "الأموال"- إلى أنها لا تجب إلا في أربعة أشياء؛ وهي: الحِنْطة، والشعير، والزبيب، والتمر؛ واحتجوا بحديث أبي موسى الأشعري ومعاذ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهما: "" (رواه البيهقي والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي)، وهو حديثٌ مختلفٌ في تصحيحه، ولو صحَّ لكان نصّاً في المسألة.
والراجح –والعلم عند الله– مذهب الحنابلة: أنها تجب في كل حبٍّ وثمرٍ يُكال ويُدَّخر، ولو لم يكن قوتاً.
أما مقدار النصاب: فهو خمسة أَوْسُقٍ، والوَسْقُ: ستون صاعاً، والصاع يعدل 3كجم تقريبًا، فالثلاثمئة صاعٍ تعدل (900) كجم تقريباً.
أما القدر الواجب إخراجه: فهو العُشْرُ؛ إذا كان الزرع يُسقى بالمطر، أو يشرب بجذوره، أو نصف العُشْر؛ إذا كان يُسقى بالساقية أو الماكينة وغيرهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "" (رواه البخاري).
أما كيفية إخراجها: فالأصل في الزكاة أن تخرج من جنس المال المزكَّى، ولا يجوز العدول للقيمة إلا لمسوِّغٍ معتَبر؛ ككون إخراج القيمة أنفع للفقير؛ وذلك لأن الزكاة عبادةٌ وقربةٌ، وما كان كذلك اتبع فيه ما جاء عن الشرع.
هذا؛ وقد اختلف الفقهاء في جواز إخراج القيمة في الزكاة، والذي يظهر -والعلم عند الله- أن دفع قيمة الزكاة جائز، بشرط أن تكون القيمة أحظّ للفقير من العَيْن الواجبة في الزكاة -كما في مثل هذه المسألة- فإن انتفاع الفقير بالمال أعظم من انتفاعه بالأعشاب، وهو ما رجَّحه ابن تيمية رحمه الله قال في "مجموع الفتاوى": "وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة، أو العدل؛ فلا بأس به، مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، فهنا إخراج عُشْر الدراهم يجزئه، ولا يكلَّف أن يشتري ثمراً أو حِنْطة؛ إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نصَّ أحمد على جواز ذلك، ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل، وليس عنده مَنْ يبيعه شاةً، فإخراج القيمة هنا كافٍ، ولا يكلَّف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاةً".
ويؤيده قول معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: "ائتوني بعرض ثياب خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ -فى الصدقة- مكان الشعير والذرة أَهْوَنُ عليكم، وخيرٌ لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة"؛ علَّقه البخاري.
وعليه؛ فالواجب إخراج الزكاة من الأعشاب الطبية إن بلغت النصاب (900) كجم، وكانت مما يُكال ويُدَّخر - كالحبة السوداء، وحب الرشاد، والزعتر– فتُخرج قيمة العُشْر (10%) إن كانت تُسقى بالأمطار، أو قيمة نصف العشر (5%) أن كانت تُسقى بالماكينة،, والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: