حالتي ميئوس منها!
أنا طالب تخرجت قبل أسبوع من المدرسة بعمر 16 سنة، في هذه السنوات قضيت معظم وقتي في ما حرم الله! وأنا على علم بذلك، أرى في نفسي منافقاً زنديقاً، ولكني أيضا أعلم أن الله غفور رحيم، أرجو السرية التامة فما أفصح عنه والله ليس للمجاهرة؛ إنما أريد منكم الدليل لطريق الحق.
أنا أعتقد كامل الاعتقاد أني ذو خلق ولكن أرى من نفسي منافقاً لأني: حسن الأخلاق, كيف؟ أخلاقي أمام الناس جميلة؛ ولكني ماكر ومخادع، لي صوت حسن ولله الحمد والمنة في قراءة القرآن، وأجيد أحكام التجويد ولهذا أكبر في عيون الناس، ولكني لست سوى سافل حقير متفيهق لا أصلي، ولكن قبل يوم رجعت إلى الصلاة وأنا على علم بفضلها وعلى علم بعقاب تاركها، ولكن جف حبر قلمي؛ ولا أعلم ما أقول سوى الله يهديني.
بدايتي عندما كنت في الصف السادس، كنت أنا وابن عمي نلاعب بعضنا؛ أقصد ننام مع بعض، ولكن لم يوقع الحرام، ولكن تعدينا حدود الأدب، ثم انقطعت عنه ولم أعد لمثل هذه الأفعال أبداً معه، بدأت العادة السرية الصف السابع، وإلى يومي هذا وأنا أمارسها، لا أعلم من حكمها سوى أنها حرام، ولأني لا أرتعد كان همي الجلي والوحيد هو أن أمارس وأزني بأي كائن كان ذكراً أو أنثى أو حتى حيوانات أجلكم الله، حتى أعماني هواي فأصبحت أتحرش في صغار السن، كم أكره نفسي ولكني وعدت نفسي ألا أعود لمثل هذا أبداً، هل تعلم يا شيخي الفاضل أني تحرشت في اثنين من أخواتي وهن صغار لا يفقهون! ألا أستحق العقاب! ألا أستحق النار خالداً مخلداً! أعلم أن الله يغفر كل الذنوب؛ وأحاول بداية عهد جديد؛ ولست أعلم إلى ذلك سبيلاً!
أنقذني من هواي يا شيخ، ووالله إني لمحتار لماذا يحبني الناس؛ ووالله إني لأبغض الخلق إلى الله، ولا أعلم لم كل هذا الحب لي وأنا لا أستاهل ذلك! فهل هو ابتلاء أم أن الله يحبني؟ مع أني أعلم أن أني لا أستحق كل هذا الحب من قبلهم.
أعلم أن حالتي ميئوس منها؛ ولكن أرجو منك يا شيخي أن تسأل الله لي الهداية والتوفيق في الآخرة ثم في الدنيا، أريد طريقة أتخلص من كل هذا، وهل حقيقة أن اللي فات مات؟ أم أنها ستؤثر علي ولن أستطيع نيل رضا رب العباد؟ لا تسأل عن والديَّ فهما مطلقان، ولكن هذا لا يعني أن الوالدة مقصِّرة؛ فهي تبذل قصارى جهدها، وهي ولله الحمد حافظة للقرآن.
أعيش في تخبط فكري، وبإذن الله مخططي أن أصبح إماماً لعل في ذلك رفعة في الآخرة.
آسف على الإطالة، وأعلم أني لست أهلا لأن تردوا على أناس مثلي؛ فنحن أقرب إلى أن نكون بهائم من أن نكون بشر، وإذا يا شيخ ما تبا تدعيلي بالخير، إدعي إني أموت وأفتك من نفسي اللي أثقلت كاهلي.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد قال الله تعالى في سورة الزمر: {}، وقال سبحانه في سورة الفرقان: {}، وقال سبحانه في سورة طه: {}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ""، وقال عليه الصلاة والسلام: ""، هذه نصوص لا تخفى عليك أيها الأخ السائل، ولي على سؤالك ملاحظات:
- أولاها: أن من الخير الذي أنت فيه أن تشعر بعظم الجرم الذي ترتكبه والذنب الذي تقترفه، وألا تغتر بثناء الناس عليك؛ فإن الله تعالى برحمته قد أظهر منك الجميل وستر القبيح، ولو اطلعوا على بعض ما تفعل ما سلَّم عليك أحد، ولا صلى خلفك أحد، لكن الله تعالى حيي ستير يستر على عبده ذنبه ولا يفضحه؛ ولذا ندعو في كل صباح ومساء بقولنا: "فأدم علينا نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة"، واعلم يا مُوَفَّق أن الناس إن أعجبوا بك فإنما يعجبون بجميل ستر الله عليك، والمغرور حقاً من خدعه ثناء الناس عن حقيقة نفسه؛ ولذلك قال بعض الصالحين: "لو نادى منادٍ: (لِيَقُمْ شَرُّكُمْ) ما سبقني إلى الباب أحد"!! ولما رأى بعض الصالحين ناساً يمشون من ورائه قال لهم: ارجعوا فلو علمتم ما أغلق عليه بابي ما تبعني منكم أحد! فخير لي ولك أن يستمر هذا الشعور معنا بأننا مذنبون مقصِّرون خطاؤون، ومن ظن بنفسه الصلاح فقد وهم.
- ثانيها: قد وقعت في ذنوب عظيمة أفحشها وأقبحها وأغلظها ترك الصلاة؛ فالله الله يا عبد الله أن تلج باباً عظيماً من أبواب الضلال يجعلك إلى الكفر أقرب، وتذكر قول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: ""، ولا تستجب لإغراء الشيطان لك بتركها -مهما اقترفت من ذنب- بل واظب عليها واطلب العلاج فيها؛ فإنها خير موضوع وعند الله مزيد كما قال عليه الصلاة والسلام.
- ثالثها: طلاق والديك ليس نهاية الدنيا؛ فكم من إنسان افترق والداه لكنه صار من خيرة الناس أدباً وعلماً وحلماً وفضلاً، وكم من إنسان نشأ بين أبويه فلم ينفعه ذلك شيئاً بل خرج سيء الأخلاق شرس الطباع قليل الأدب عديم النفع، وأنت تقر بأن الوالدة حفظها الله من أهل القرآن، ساعية في تنشأتك على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات!! فما أدري ماذا تريد بعد ذلك؟ ولماذا تذكر طلاق والديك وكأنه السبب فيما أنت فيه من ذنوب وموبقات!! تذكر هداك الله أن ناساً خرجوا إلى الدنيا أيتاماً فقدوا آباءهم وأمهاتهم في ظروف يعلمها الله، ونشأ آخرون في بيوت تظللها التعاسة والشقاء بين أب لا يرجو لله وقارا، وأم أجدر ألا تعلم حدود ما أنزل الله، بل إن ناساً خرجوا إلى الدنيا لا يعرفون لهم آباء ولا أمهات ولا أسراً، بل هم لقطاء مجهولو الهوية، لم يجدوا أباً مربياً ولا أماً حانية ولا مجتمعاً حاضناً. فلا تتعلق بتلك الحجة الواهية، وتذكر نعم الله عليك فهي لا تعد ولا تحصى.
- رابعها: العادة السرية محرمة، والتحرش بالصغار لا يليق بالرجال الكُمَّل: {}، وقد ختم لناس بالسوء لأنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها؛ اعلم علمني الله وإياك بأن الله تعالى يرى مكانك ويسمع كلامك ويعلم سرك وعلانيتك ولا يخفى عليك شيء من أمرك؛ فالله شاهدك وناظرك وسامعك؛ فاستح من الله تعالى أن يراك على مثل تلك الحال البائسة، وتب إلى الله قبل أن ينزل بك غضبه ومقته.
- خامسها: احرص بارك الله فيك على تقوية إيمانك بحضور مجالس الذكر وحلق العلم وشهود مواطن الخير، واصطحاب الصالحين الطيبين الذين تذكرك بالله رؤيتُهم، واشغل نفسك بالصالحات ومعالي الأمور التي يحبها الله تعالى، وأدمن القراءة في سيرة من أحبوا الله وأحبوه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فإن النفس إن لم تشغلها بطاعة الله شغلتك بمعصيته.
- سادسها: أرى في كلامك مسحة من تشاؤم لا يليق بالمؤمن كقولك: "أستحق النار خالداً مخلداً"، "أنا أبغض الخلق إلى الله"، "ادع لي بالموت" فهذا كلام ما ينبغي لك قوله؛ بل كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، والخلود في النار مثوى الكفار الفجار، وأنت مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره: {}، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ""، فاستعن بالله ولا تعجز، ولا يغلبن عليك شيطانك، فالله غفور رحيم تواب كريم حيي ستير.
- سابعها: أنت أهل لأن يُرد عليك ويهتم الناس بك، وأنت أخي في الله، وبعضنا أولياء بعض، وأنا أدعو لك وأنت تدعو لي، وما أدري لعلك خير عند الله مني؛ ختم الله لي ولك بالحسنى، وأخذ بنواصينا إلى البر والتقوى، وغفر لنا في الآخرة والأولى، والله الهادي إلى سواء السبيل.
عبد الحي يوسف
رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم
- التصنيف:
- المصدر: