لماذا تسبون الكفار؟!
أرجو من الشيخ الدعاء للحكومة أن يسدد الله خطواتها، فهي أمل الحفاظ على الدين والشريعة من تلكم الأحزاب المعارضة التي تنادي بالعلمانية، أليست حكومتنا تنادي بالشريعة وواجب علينا الحفاظ عليها أم لا؟ وأرجو من الشيخ أن لا يدعو بالاسم على الكفار مثل سب: "جون قرنق"، فهل نحن مطالبون بسب الكفار اسماً؟! نعم نحن نتبرأ من الكفار ونوالي المسلمين فأنا واحد منهم! وأسال عن سب البابا، هل يجوز؟ فهل نعلم بم تكون نهايته، لعل الله أن يهديه في آخر عمره؟ وكذلك السب لأوباما وبوش فنحن لا نعلم كيف ستكون خواتمهم! وإن كان الظاهر هو الكفر، أرجو تصحيح أفكاري إن كانت خاطئة. إنا لنراك من المحسنين الأقوياء في الحق، وإني لأحبك في الله وفي قول الحقيقة بدون خوف؛ مع بعض الخلاف البسيط عسى أن أكون من الخاطئين، وألف شكر ممزوج برياحين الحب في الله.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فأحبك الله الذي أحببتني فيه، وشكر الله لك حسن ظنك بي، وأسأل الله تعالى أن يرزقني وإياك الإخلاص في القول والعمل، وأن يسددنا ويثقل موازيننا، ويجنبنا الزلل، وجواباً على ما سألت أخي أقول: إننا معشر المسلمين مأمورون بأن ندعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نترفق بالناس ما استطعنا، فهكذا كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد علمنا أن الله تعالى يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف، وأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، وهذا هو المعهود من سيرته العملية صلوات الله وسلامه عليه.
ولا تعارض بين الرفق وبين الدعاء على الكفار والمجرمين ممن تتابع شرهم، وبدا على الإسلام ضررهم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام دعا على صناديد قريش لما طرح أحدهم على رأسه سلا جزور وهو ساجد عند الكعبة، وضحك الآخرون، فقال: "" شك شعبة!! قال عبد الله: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر وألقوا في القليب! وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: "قَنَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْراً يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَيَقُولُ عُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ"، وهكذا دعا على عامر بن الطفيل ودعا على كفار مكة فقال: "".
وأما الخواتيم فعلمها عند ربي فقد يعيش امرؤ كافراً ثم يختم له بالحسنى كما حصل لأصيرم بني عبد الأشهل؛ فقد كَانَ أبو هريرة رضي الله عنه يَقُولُ: حَدِّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَمْ يُصَلِّ قَطُّ؟ فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النَّاسُ سَأَلُوهُ: مَنْ هُوَ؟ فَيَقُولُ: أُصَيْرِمُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ، قَالَ: كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ بَدَا لَهُ الْإِسْلَامُ فَأَسْلَمَ، فَأَخَذَ سَيْفَهُ فَغَدَا حَتَّى أَتَى الْقَوْمَ فَدَخَلَ فِي عُرْضِ النَّاسِ، فَقَاتَلَ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا رِجَالُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتْلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إِذَا هُمْ بِهِ، فَقَالُوا: وَاللهِ إِنَّ هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ، وَمَا جَاءَ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنَّهُ لَمُنْكِرٌ لِهَذَا الْحَدِيثَ، فَسَأَلُوهُ مَا جَاءَ بِهِ؟ قَالُوا: مَا جَاءَ بِكَ يَا عَمْرُو، أَحَدَباً عَلَى قَوْمِكَ، أَوْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، آمَنْتُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ أَخَذْتُ سَيْفِي فَغَدَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ فَقَاتَلْتُ حَتَّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي، قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ، فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "" (رواه أحمد في المسند)، وقد يكون ظاهر الإنسان مسلماً ويختم له بالسوء والعياذ بالله كما حصل لقزمان يوم أحد؛ فقد روى البخاري في صحيحه من حديث سهل بن سعد بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا؛ فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه؛ فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحدٌ كما أجزأ فلان!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ""، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه!! قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه؛ قال: فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت؛ فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه؛ ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه! فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله!! قال: "" قال الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك؛ فقلت: أنا لكم به؛ فخرجت في طلبه؛ ثم جرح جرحاً شديداً فاستعجل الموت؛ فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه؛ ثم تحامل عليه فقتل نفسه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "".
فالمسلم لا يدعو على أحد بأن يختم الله له بالسوء، أو يميته على الكفر، بل يتمنى الهداية لجميع الخلق، وفي الوقت نفسه قد يدعو على آذى الإسلام وأهله وسعى في الأرض بالفساد؛ ولا تعارض بين هذا وذاك، وكلٌ سنةٌ، والله الموفق والمستعان.
عبد الحي يوسف
رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم
- التصنيف:
- المصدر: