قضاء الصلاة الفائتة إذا دخل وقت الأخرى
فِعْل الصلاة في وقتها فَرْضٌ من أوكد فرائض الصلاة، وقد جاء النهيُ الشرعيُّ عن تأخير الصلاة عن وقتها وبالأخصِّ صلاةُ العصر
إذا فاتَتْنِي صلاةُ العصر وأدركَتْنِي صلاة المغرب أو صلاة العشاء، فهل أُصَلِّي العصر أولاً، أو أصلي المغرب ثم أصلي العصر؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فإن قضاء الفوائت يجب أن يكون على الفَوْرِ، وأن تكون مُرَتَّبَةً؛ كما فَرَضَها الله عز وجل:
- قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}.
- وقد جاء في الصحيحينِ وغيرِهما أن المشركين شَغَلُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يومَ الخَنْدَقِ عنِ الصلوات، فصَلاَّها صلى الله عليه وسلم على الترتيب؛ فعن جابرِ بنِ عبد الله أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخَنْدَقِ بَعْدَما غَرَبَتِ الشمسُ، فجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قال: يا رسول الله، ما كِدْتُ أُصلِّى العصر حتى كادتِ الشمسُ تَغْرُبُ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "واللهِ ما صَلَّيْتُهَا"، فقُمْنَا إلى بُطْحَانَ، فتَوَضَّأَ للصلاة، وتوضَّأْنا لها، فصَلَّى العصرَ بعدَما غَرَبَتِ الشمسُ، ثم صلَّى بعدَها المغربَ.
- ولم يَثبُتْ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه صلَّى على غير الترتيب المعروف؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري: "صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي".
وعليه: فإنْ فاتَكَ فَرْضٌ منَ الفرائض؛ كالعصر مثلا، ودَخَلَ وقتُ الفرْضِ الثاني، فإنْ كان الوقت مازال متسعًا، فالواجب عليكَ أن تصلِّيَ العصر أولاً، ثم المغرب؛ لأنَّ الترتيب بين الفائتة أو الفوائت اليسيرة مع الصلاة الحاضرة واجب؛ كما ذكرنا، ما لم يُؤَدِّ إلى تأخير الحاضرة عن وقتها.
قال ابن رجب الحنبليُّ في "فتح الباري": "مَن كان عليه صلاةٌ فائتةٌ، وقد ضاق وقت الصلاة الحاضرة عن فِعْل الصلاتينِ، فأكثرُ العلماء على أنه يبدأ بالحاضرة فيما بقي من وقتها، ثم يقضي الفائتة بعدها؛ لِئَلا تصير الصلاتان فائتتَيْنِ، وهو قول الحَسَنِ وابن المُسَيّبِ وربيعة والثَّورِيِّ والأَوْزَاعِيِّ وأبي حنيفةَ، وأحمد في ظاهر مَذْهبه، وإسحاقَ وطائفةٍ من أصحاب مالك، وهؤلاء أوجبوا الترتيب، ثم أَسْقَطوه خشيةَ فوات الحاضرة، وكذلك قال الشافعيُّ؛ فإنه لا يوجِب الترتيب، إنما يَستحِبُّه؛ فأسقط هاهنا استحبابه وجوازه، وقال: يَلزَمه أن يبدأ بالحاضرة، ويأثم بتَرْكِهِ.
وقالت طائفة: بل يَبدأ بالفائتة، ولا يَسقط الترتيب بذلك، وهو قول عطاء والنَّخَعِيِّ والزُّهْرِيِّ ومالك واللَّيْثِ والحسن بن حَيٍّ، وهو رواية عن أحمدَ، اختارها الخَلاَّلُ وصاحبه أبو بكر".
أما لو أدرك مَن فاتَتْهُ صلاة العصر جماعةَ المغرب: فإنه يصلي معهمُ المغرب أولًا، ثم يصلي العصر بعدَهُ؛ فقد سُئِلَ شيخُ الإسلام عن رجل فاتَتْهُ صلاة العصر، فجاء إلى المسجد، فوجد المغرب قد أقيمت، فهل يصلي الفائتة قبل المغرب أو لا؟
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، بل يصلي المغرب مع الإمام ثم يصلي العصر باتفاق الأئمة ولكن هل يعيد المغرب؟ فيه قولان. أحدهما: يعيد وهو قول ابن عمر ومالك وأبي حنيفة، وأحمد في المشهور عنه. والثاني: لا يعيد المغرب وهو قول ابن عباس وقول الشافعي والقول الآخر في مذهب أحمد. والثاني أصح فإن الله لم يوجب على العبد أن يصلي الصلاة مرتين إذا اتقى الله ما استطاع والله أعلم".
واعلم أن مَن أَخَّرَ الصلاة عن وقتها من غير نَوْم ولا نِسْيان - فقد أتى كبيرة من أعظم الكبائر؛ وذلك لأن فِعْل الصلاة في وقتها فَرْضٌ من أوكد فرائض الصلاة، وقد جاء النهيُ الشرعيُّ عن تأخير الصلاة عن وقتها وبالأخصِّ صلاةُ العصر:
- ففي الصحيحَيْنِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن فَاتَتْهُ صلاة العصر، فكأنما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ".
- وفيهما أيضاً قال صلى الله عليه وسلم: "مَن فاتَتْهُ صلاة العصر فقد حَبِطَ عملُهُ".
قال شيخ الإسلام: "تَفْوِيتُ العصر أَعْظَمُ مِن تفويت غيرِها؛ فإنَّها الصلاة الوُسْطَى المخصوصةُ بالأمر بالمحافظة عليها، وهي التي فُرِضَتْ على مَن كان قَبْلَنا فضَيَّعُوها".
فمَن كان مستيقِظاً ذاكِراً للصلاة حَرُمَ عليه تأخيرُها بحالٍ، واختُلِفَ في كُفْرِهِ؛ قال شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّةَ: "فلم يُجَوِّزُوا تأخير الصلاة حال القتال بل أَوْجَبوا عليه الصلاة في الوقت، وهذا مذهب مالك والشافعيِّ وأحمدَ في المشهور عنه، وعن أحمدَ روايةٌ أخرى أنه يُخَيَّرُ حالَ القتال بين الصلاة وبين التأخير، ومذهب أبي حنيفةَ: يَشتَغِل بالقتال، ويصلي بعد الوقت".
وأما تأخير الصلاة لغير الجهاد؛ كصناعةٍ أو زراعةٍ أو صيدٍ أو عَمَلٍ منَ الأعمال ونحو ذلك: فلا يُجَوِّزُهُ أحدٌ منَ العُلماء وإنما يُعْذَرُ بالتأخير النائمُ والناسي؛ فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لجنابةٍ ولا حَدَثٍ ولا نجاسة ولا غيرِ ذلك؛ بل يصلي في الوقت بِحَسَبِ حالِهِ؛ فإن كان مُحْدِثاً وقد فَقَدَ الماءَ أو خاف الضرَرَ باستعماله تَيَمَّمَ وصلَّى، وكذلك الجُنُبُ يَتَيَمَّمُ ويُصلي إذا فَقَدَ الماءَ أو خاف الضرر باستعماله لمرض أو لبَرْد، وكذلك العُريان؛ يصلي في الوقت عُرياناً، ولا يُؤَخِّرُ الصلاة لِيُصَلِّيَ بعد الوقت في ثيابه، وكذلك إذا كان عليه نجاسة لا يَقْدِرُ أن يُزيلَها فيُصَلِّي في الوقت بِحَسَبِ حالِهِ وهكذا المريضُ يُصلِّي على حَسَبِ حاله في الوقت،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: