فتيا الهيئة الشرعية في انتخاب رئيس للجمهورية
هل يجوز انتخاب رئيس للجمهورية لا يتبنى تطبيق الشريعة، وهل يجب انتخاب رئيس بعينه من الموجودين حاليًا، وما حكم الانفراد بآراء شخصية في نوازل الشأن العام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن من أعظم مظاهر ذلك الدين ومزاياه مناسبته لطبيعة الإنسان، وتكليفه بما في مقدوره وما تلاءم مع فطرته، ولما كان الإنسان اجتماعيًّا بطبعه، لا ينفك عن علاقات مع من حوله؛ جاءت الشريعة ملائمة لذلك وموافقة له، وكان على رأس ذلك أمر الولايات العامة؛ إذ هي ضرورة في تكوين المجتمع والقيام بوظائفه وتحصيل مصالحه، وقد تبين ذلك واضحًا من فعل الصحابة رضي الله عنهم عند موت النبي عليه السلام، فإنهم سارعوا إلى سقيفة بني ساعدة -والنبي عليه السلام لم يدفن بعد- لعقد الولاية العامة وبيعة إمام للمسلمين.
فالولاية العامة واجبة للقيام بشرع الله والتحاكم إليه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "يجب أن يُعلم أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا الدنيا إلا بها ... فالواجب اتخاذ الإمارة دينًا وقربة يتقرب بها إلى الله"، وعلى هذا فإن التوسل إلى عقد تلك الولاية واجب على المكلفين؛ إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، إلا ما كان وسيلة محرمة.
ونظام الانتخابات الرئاسية وسيلة معاصرة لعقد تلك الولاية، ولذا ينبغي على المسلمين أن يتوسلوا بها إلى تطبيق الشرع وتعبيد الناس لله، ولا يكون هذا إلا بترشيح أهل الدين ما أمكنهم، ولا يجوز والحال هكذا أن يعطوا أصواتهم لمن لا ينوي تطبيق الشريعة، بل وجب أن ينتخبوا من يحمل همَّ ذلك ويسعى إليه؛ فإن الله تعالى يقول: {} [المائدة:2]، ومن أعظم البر تحكيم الشريعة، كما أن من أعظم الإثم العدوان عليها وتنحيتها؛ يقول الله تعالى: {} [المائدة: 50]، وقال سبحانه: {} [يوسف: 40].
فإذا تعدَّدَ المترشِّحون الساعون لتحكيم الشريعة، وجب على المسلمين النظر في أصلحهم ما استطاعوا، وتبقى مسألة اجتهادية، بحسب نظر كل مجتهد فيهم، وإنما يقوم النظر على قاعدة السياسة الشرعية من ترجيح المصالح ودفع المفاسد بانتخاب معيَّن من المترشحين، يقول ابن تيمية رحمه الله: "اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل؛ ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "اللهم أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة"، فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها، فإذا تعيَّن رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة؛ قُدِّم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضررًا فيها... ومع أنه يجوز تولية غير الأهل للضرورة إذا كان أصلح الموجود، فيجب مع ذلك السعي في إصلاح الأحوال حتى يكمل في الناس ما لا بد لهم منه من أمور الولايات والإمارات" اهـ.
وعلى هذا فإن لحوق الإثم بترشيح معين واقع إذا كان لا يتبنى تحكيم الشريعة، مع وجود من يتبنَّى ذلك، وأيضا بترشيح من لا يظنه أهلاً أو أصلح مع وجود الأهل والأصلح إلا لعارض شرعي معتبر كنزوله على شورى جماعة أو هيئة أو غير ذلك من الأسباب المعتبرة في السياسة الشرعية، وذلك بحسب اعتقاد كل مجتهد ونظره، فلا يُثرَّب على مخالف فضلا عن تأثيمه.
وليحذر عامة المكلفين من الاستقلال بالنظر في مثل هذا الشأن فضلًا عن الاستبداد بالرأي فيه، فإن الولايات شأن عام لا ينظر فيه إلا أهل الحل والعقد، كما قال الله تعالى: {} [النساء:83]، فعامة المكلَّفين تبع لكبرائهم وعلمائهم في مثل هذا، فإن اتفقوا وجب عليهم اتباعهم، وإن اختلفوا تخيَّروا من ترشيحهم بحسب الإمكان، في غير تثريب ولا اتهام.
واللهَ نسأل أن يولي علينا من يصلح، وأن يلهمنا رشدنا ويأخذ بنا إلى ما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا، والحمد لله رب العالمين.
لجنة الفتيا بالهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح.
رئيس لجنة الفتيا:
الأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس
رئيس الهيئة الشرعية
نائب رئيس اللجنة:
الشيخ مصطفى محمد مصطفى
عضو مجلس الأمناء
مقرر اللجنة:
الدكتور محمد يسري إبراهيم
الأمين العام
الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح
هيئة علمية إسلامية وسطية مستقلة، تتكون من مجموعة من العلماء والحكماء والخبراء
- التصنيف: