بطلانُ قرارِ منعِ الطالبات المحجبات من دخول مدرسة راهبات الوردية شرعاً وقانوناً

منذ 2016-02-02
السؤال:

ما قولكم في منع الطالبات المحجبات من دخول مدرسة راهبات الوردية بحجة أن للمدرسة نظامها الخاص بها؟ 

 

الإجابة:

أولاً: ينبغي أن يُعلم أن لبس الجلباب بشروطه الشرعية فريضةٌ على المرأة المسلمة المكلفة شرعاً، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [سورة الأحزاب الآية 59]، فهذه الآية الكريمة أوجبت اللباسَ الشرعي على جميع النساء المسلمات. وقال تعالى: {قل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [سورة النور الآيتان 30-31].

وثبت في الحديث عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: «أمرنا أن نُخرج الحُيَّض يوم العيدين وذوات الخدور، فيشهدون جماعة المسـلمين ودعوتهم ويعتزل الحُيَّض عن مصلاهن. قالت امرأةٌ يا رسول الله: إحدانا ليس لها جلباب؟ قال صلى الله عليه وسلم: لتلبسها أختها من جلبابها» (رواه البخاري ومسلم).

وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: «أنها كانت عند أختها عائشة رضي الله عنها وعليها ثيابٌ واسعةُ الأكمام، فلما نظر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم قام فخرج. فقالت عائشة رضي الله عنها تنحي، فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً كرهه، فتنحت فدخل رسول الله فسألته عائشة رضي الله عنها لم قام؟قال: أو لم تري هيئتها إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا -أي وجهها وكفيها» (رواه الطبراني والبيهقي وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في جلباب المرأة المسلمة ص 59).

ثانياً: لا شك لدي أن المدارس الأجنبية وكذا الجامعات الأجنبية في ديار المسلمين، ما هي إلا وسيلةٌ قديمةٌ من وسائل الاستعمار، استخدمت في الغزو الفكري لعقول أبناء المسلمين، ولتغيير القيم والمفاهيم الإسلامية عندهم، ويصير بعض من يتخرج من هذه المدارس ذَنَبَاً من أذناب أصحابها، لا يرى إلا بعيونهم ولا يفكر إلا بعقولهم، ويصير سهماً مغروزاً في جسد الأمة المسلمة الممزق. ومن يقرأ التاريخ الحديث يرى صدق كلامي، فالمستعمرون الأوروبيون استخدموا التعليم لتثبيت أقدامهم في ديار المسلمين،

تقول د. سهير السكري إخصائية اللغويات في جامعة جورج تاون: "آمن المستعمرون الإنجليز والفرنسيون بأن المعركة مع المسلمين يجب أن تبدأ من الفصل الدراسي-من المدرسة- بتدمير التعليم الديني، كما تكون بنشر المدارس الأجنبية المنافسة في كل البلاد العربية، ومحاربة اللغة العربية، وبالإنفاق ببذخٍ على تعليم اللغات الأجنبية وربطها بالتقدم والتكنولوجيا، والعلوم العصرية، وفُرَص الثراء والمرتبات الأكبر" ويقول المستشرق شانلي في كتابه (غزو العالم الإسلامي): "إن أردتم أن تغزوا الإسلام وتُخضعوا شوكته، وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة، فعليكم أن توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة المسلمة، بإماتةِ روح الاعتزاز بماضيهم المعنوي وكتابهم القرآن" الاتجاهات الفكرية المعاصرة ص12.

ثالثاً: يدافع بعض المسلمين الذين يرسلون أبنائهم إلى المدارس الأجنبية بأن مستوى التعليم فيها أفضل، وأنها تُدرس اللغات الأجنبية، وهذا الكلام قد يكون صواباً في حالاتٍ عديدة، ولكنه في ذات الوقت يشير إلى تقصيرٍ في مستوى مدارسنا، يجب تلافيه ورفع مستواها، وهنالك مدراس حققت نتائج طيبة في هذا المجال.

ويبقى سؤالان لا بد من توجيههما لهؤلاء الذين يرسلون أبنائهم إلى المدارس الأجنبية،

الأول: هل صارت اللغة الأجنبية أهم من العقيدة الإسلامية؟ هل اللغة الأجنبية أعز عندكم من التزام بناتكم باللباس الشرعي؟!

هل اللغة الأجنبية مقدمةٌ عندكم على كل القيم والمبادئ الإسلامية؟ هل اللغة الأجنبية أشرف عندكم من لغة القرآن الكريم، لغة الضاد؟ والسؤال الثاني: منذ عشرات السنين وأبناء المسلمين يدرسون اللغات الأجنبية في العالم العربي، فما هي النتيجة؟

هل لحق العالم العربي بركب التقدم العلمي والتكنولوجي؟هل دراسة اللغات الأجنبية أدت لحدوث نهضة علمية وتنموية وصناعية في ديار العرب والمسلمين. والإجابة واضحةٌ بلا شك، مع أن هنالك بعض المكاسب الفردية لدارسي اللغات الأجنبية قد تحققت ولكنها لم تنعكس على واقع الأمة.

رابعاً: إن منع الحجاب في المدارس الأجنبية ومنها مدرسة راهبات الوردية، ليس جديداً بل هو متكررٌ منذ سنوات، ولا شك في تقصير الجهات الرسمية التي تسمح باستمرار هذا الأمر، فالأصل هو التزام هذه المدارس بقوانين وأنظمة البلد الذي استضافها، أما أن يُفرض منعُ الحجاب على بنات المسلمين في عقر دارهم، فهذا أمرٌ مستهجنٌ، وفيه تعدٍ واضح على دين الإسلام، وخاصةً أن أكثرية الطالبات مسلمات!والادعاء بأن للمدرسة نظامها الداخلي، ومن لم يعجبها ذلك فلا تأت لهذه المدرسة، فكلامٌ باطلٌ ومرفوضٌ شرعاً وقانوناً وعرفاً. وأين الحرية الشخصية التي ينادي بها المستغربون؟ وأين حرية ممارسة الشعائر الدينية؟

خامساً: منع الحجاب في المدارس الأجنبية التي تعمل في بلادنا فيه مخالفةٌ واضحةٌ للقوانين والأعراف المرعية، حيث إنه يعتبر من الجرائم التي تمس الدِّين.

وقد نص قانون العقوبات المطبق في بلادنا على الجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكر الصفاء بين عناصر الأمة، حيث ورد في المادة (150): "كل كتابةٍ وكل خطابٍ أو عملٍ يُقصد منه أو ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليه بالحبس مدة ستة أشهر الى ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسين ديناراً" وورد في المادة (278) النص على "معاقبة من يقوم بعملٍ يؤدي الى إهانة الشعور الديني لأشخاص آخرين، أو إلى إهانة معتقدهم الديني. ونص كذلك على ومعاقبة من يتفوه في مكان عام وعلى مسمع من شخص آخر بكلمة أو بصوت من شأنه أن يؤدي الى إهانة الشعور أو المعتقد الديني لذلك الشخص الآخر" كما أن هذا الأمر مخالف للقانون الأساسي الفلسطيني الذي نص على الإسلام هو الدين الرسمي في فلسطين ولسائر الديانات السماوية احترامها وقدسيتها وأن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع. وأن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام، وأن الحرية الشخصية حقٌ طبيعي وهي مكفولةٌ لا تمس. ولا شك أن منع الطالبات من لبس الحجاب ومنعهن من دخول المدرسة مخالف لذلك.

سادساً: من المعلوم والمشاهد أن المدارس الأجنبية تغرس في نفوس وعقول الطلبة أفكاراً ومعتقداتٍ وتصرفاتٍ مخالفةٍ لدين رب العالمين، وهذه الأمور تؤدي إلى إفساد عقيدة ودين وسلوك الطلبة، وبناءً على ذلك يحرم شرعاً تدريس أبناء المسلمين في هذه المدارس، وهذا أمر متفقٌ عليه بين علماء المسلمين المعاصرين، وصدرت به فتاوى عديدة لعلماء الأمة، منها ما ورد في جواب لجنة فتوى الشبكة الإسلامية عن سؤال حول حكم الدراسة في مدارس نصرانية: "الأولاد نعمة من نعم الله تعالى وأمانة في عنق العبد يجب عليه أن يشكرها ويحفظها من كل مكروه مادي ومعنوي. وأول ما يجب أن تُحْفَظ به هو حفظ دينهم. ولا شك أن من وضع أطفاله في المدارس الأجنبية أنه فرط في أمانته، فهذه المدارس لها أهدافها القريبة والبعيدة، ولها مناهجها ووسائلها التي تريد أن تحقق بها هذه الأهداف. ولا يغرنك تدريس بعض المواد الشرعية فيها، أو إذاعة القرآن الكريم أو الترتيب والانضباط، فكل ذلك من باب دس السم في العسل، والتمويه على المغفلين ليبعثوا بأبنائهم إليها. ولهذا نقول للسائل الكريم: إنه لا يجوز للمسلم أن يُدخلَ أبناءه في المدارس الأجنبية، نصرانية كانت أو غيرها. وأنه يجب على المسلمين أن يؤسسوا مدارس تقوم بتعليم أبنائهم ما يحتاجون إليه من علوم دينهم ودنياهم، وهذا فرض كفاية يجب القيام به فإذا أهمل أثم جميع من يستطيع القيام به ولم يفعله". 

سابعاً: يجب أن يعلم آباءُ الطالبات أن بناتهم وأولادهم أمانةً في أعناقهم، وأنهم محاسبون على التفريط في هذه الأمانة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [سورة التحريم الآية 6]. فعلى الآباء والأمهات أن يدركوا عِظَمَ مسؤوليتهم تجاه أولادهم، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الرجلُ راعٍ في أهلـه ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأةُ راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها» (رواه البخاري ومسلم).

وخلاصة الأمر أن لبس الجلباب بشروطه الشرعية فريضةٌ على المرأة المسلمة المكلفة شرعاً، وأن المدارس الأجنبية وكذا الجامعات الأجنبية في ديار المسلمين، ما هي إلا وسيلة قديمة من وسائل الاستعمار، استخدمت في الغزو الفكري لعقول أبناء المسلمين، ولتغيير القيم والمفاهيم الإسلامية عندهم، ويصير بعض من يتخرج من هذه المدارس ذَنَبَاً من أذناب أصحابها لا يرى إلا بعيونهم ولا يفكر إلا بعقولهم، ويصير سهما مغروزاً في جسد الأمة المسلمة الممزق، وأن ما يدافع به بعض المسلمين الذين يرسلون أبنائهم إلى المدارس الأجنبية بأن مستوى التعليم فيها أفضل، وأنها تدرس اللغات الأجنبية، فإن هذا الكلام ينطبق عليه قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [سورة البقرة الآية 219]. وأن الأصل هو التزام هذه المدارس بقوانين وأنظمة البلد الذي استضافها، أما أن يُفرض منعُ الحجاب على بنات المسلمين في عقر دارهم، فهذا أمرٌ مستهجنٌ، وفيه تعدٍ واضحٍ على دين الإسلام، وخاصةً أن أكثرية الطالبات مسلمات!والادعاء بأن للمدرسة نظامها الداخلي، ومن لم يعجبها ذلك فلا تأتي لهذه المدرسة، فكلامٌ باطلٌ ومرفوضٌ شرعاً وقانوناً وعرفاً وأن منع الحجاب في المدارس الأجنبية التي تعمل في بلادنا فيه مخالفة واضحة للقوانين والأعراف المرعية، حيث إنه يعتبر من الجرائم التي تمس الدِّين وقد نص قانون العقوبات المطبق في بلادنا على الجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكر الصفاء بين عناصر الأمة. وأن المدارس الأجنبية تغرس في نفوس وعقول الطلبة أفكاراً ومعتقداتٍ وتصرفاتٍ مخالفةٍ لدين رب العالمين، وهذه الأمور تؤدي إلى إفساد عقيدة ودين وسلوك الطلبة، وبناءً على ذلك يحرم شرعاً تدريس أبناء المسلمين في هذه المدارس، وهذا أمر متفق عليه بين علماء المسلمين المعاصرين، وأن أولادنا وبناتنا أمانة في أعناقنا، وأننا محاسبون على التفريط في هذه الأمانة، والواجب الشرعي يقتضي أن نحفظ دينهم وأفكارهم كما نحفظ أجسامهم.

والله الهادي إلى سواء السبيل. 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.