حكم النظر في كتب أهل الضلال

منذ 2012-07-02
السؤال:

هل يَجوز قراءةُ التَّوراة والإنجيل للتَّسلية والاتِّعاظ أو لِمُجادلة أصحابهم؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّه لا يَجوز لِلمُسْلِم أن يَقْرَأَ في التَّوراة والإنْجِيل لِلتَّسليةِ والاتِّعاظ؛ لِما فيه من الخطر على عقيدة المسلم، فهذه الكُتُب قد حُرِّفَتْ وغُيِّرتْ، ودخَلَها من التَّبديلُ والتَّحريف ما لا يعلمه إلا الله، وقَدْ أَغْنَانا اللَّهُ عنْها بِكِتابِنا العظيم القُرآن الكريم.

وقَدْ روى أحْمدُ والبزَّار -واللَّفْظُ له- من حديث جابرٍ قال: نَسَخَ عُمَر كتابًا منَ التَّوراة بالعربيَّة، فجاء به إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فجعَلَ يقْرَأُ ووَجْهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلَّم يتغيَّر، فقال له رجلٌ من الأنصار: ويْحكَ يا ابْنَ الخطَّاب ألا تَرَى وَجْهَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ""، قال الحافِظُ ابْنُ حجر في "الفتح": "وفي سنده جابرٌ الجُعْفِيُّ؛ وهو ضعيف" وذكر طُرُق الحديث ثُمَّ قال: "وهذه جَميع طُرُق هذا الحديث، وهي وإن لم يكن فيها ما يُحْتَجُّ به، لكنَّ مَجموعَها يقتَضِي أنَّ لها أصلاً"".

وقال شيخُ الإسلام ابْنُ تيمية: "وعُمر انتفع بِهذا؛ حتَّى إنَّه لمَّا فُتِحَتِ الإسكندريَّة وُجِدَ فيها كتبٌ كثيرةٌ من كُتُبِ الرُّوم، فكتبوا فيها إلى عُمر فأمَر بِها أن تُحرق، وقال: حسبُنا كتابُ الله".

والمُسلمُ العامِّي إذا قرأ التَّوراة أو الإنجيلَ لم يُؤْمَن عليه أن يُصَدِّق بِما هو باطلٌ، أو أن يُكَذِّب بِما هو حقٌّ.

ولهذا صرَّح جماعةٌ من أهل العلم بتَحْريم النَّظر في كتب أهل الكتاب؛ قال البُهُوتي في "كشاف القناع": "ولا يَجوز النَّظر في كتب أهل الكتاب نصًّا لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم غضِب حين رأى مع عُمَر صحيفةً من التوراة، وقال: "" الحديث، ولا النَّظر في كُتُب أهل البدع، ولا النَّظر في الكُتُب المشتمِلَة على الحقِّ والباطل، ولا روايتها، لِما في ذلك من ضررِ إفْساد العقائد" انتهى.

ونقل ابن عابدين في "حاشيته" عن عبدالغني النابلسي قولَه: "نُهينا عن النَّظر في شيءٍ من التوراة والإنجيل، سواءٌ نقَلَها إلينا الكُفَّار أو مَن أسْلَمَ منهم".

قال الإمام ابنُ مُفلح في "الآداب الشرعيَّة":
"فَصْلٌ في قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ والزَّبُورِ ونَحْوِ ذَلِكَ كما يَفْعَلُهُ بَعْضُ القُصَّاصِ:
سُئِلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رضي اللَّهُ عنه عن هَذهِ المسْأَلَةِ في رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيمَ فغَضِبَ فقَالَ: هَذِهِ مَسْأَلَةُ مُسْلِمٍ؟ وَغَضِبَ، وظاهِرُهُ الإنكَارُ، وذكَرَهُ القَاضِي ثمَّ احْتَجَّ بأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا رَأَى في يَدِ عُمَرَ قِطْعَةً من التَّوْرَاةِ غضِبَ، وقَالَ: "" الحديثَ، وهُوَ مَشْهُورٌ؛ رَوَاهُ أَحْمَدُ وغَيْرُهُ -وهُوَ من رِوَايَة مُجَالِدٍ وجَابِرٍ الجُعْفِيِّ وهُمَا ضَعِيفَانِ- ولأَنَّهَا كُتُبٌ مُبَدَّلَةٌ مُغَيَّرَةٌ فلَمْ تَجُزْ قِرَاءَتُهَا والعَمَلُ عَلَيْهَا".اهـ.

والحاصل أنَّه لا يَجوزُ للمُسْلِم العامِّيِّ القراءةُ في التَّوراة والإنْجِيل، بَلْ مَتَى وُجِدَ عنده شيءٌ من هذه الكتب، فالواجبُ عليْهِ دفْنُها أو إحراقُها حتَّى لا يَضِلَّ بِها أحد.

أمَّا العلماء العالمون بالشَّريعة الإسلاميَّة المتضلِّعون من الكتاب والسُّنَّة، فَقَدْ يَحتاجون إلى الاطِّلاع على التَّوراة أو الإنْجيل لِقَصْدٍ شرْعِيٍّ، كالرَّدِّ على أعداءِ الله، ودفْعِ شبهاتِهم، وبيان ما في كُتُبِهم من تناقُضاتٍ واضحات.

قال في "مطالب أولى النهى" (1 /607): (ويتَّجه جوازُ نظرٍ) في كتُبِ أهل البدع لِمَن كان متضلِّعًا من الكتاب والسُّنَّة مع شدَّة تثبُّت، وصلابة دين، وجودةٍ، وفِطْنةٍ، وقوَّة ذكاء، واقْتِدار على استِخْراج الأدِلَّة (للرَّدِّ علَيْهِم) وكَشْفِ أسرارِهم، وهَتْكِ أسْتارِهِم، لئلاَّ يَغْتَرَّ أهْلُ الجَهالة بتَمْويهاتِهم الفاسدة، فتختلّ عقائدُهم الجامدة، وقد فَعَلَهُ أئمَّة من فقهاء المسلمين وأَلْزَمُوا أهلها بِما لم يُفْصِحوا عنه جوابًا، وكذلك نظروا في التَّوراة واستَخْرَجُوا منها ذِكْرَ نبيِّنا في محلات، وهو متَّجه" انتهى.

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" ما نصُّه: "الكُتُبُ السماويَّة السَّابقة وقعَ فيها كثيرٌ من التَّحريف والزِّيادة والنَّقص كما ذَكَرَ اللَّهُ ذلك، فلا يَجوز لمسلِمٍ أن يُقْدِمَ على قراءَتِها والاطِّلاع عليْهَا إلاَّ إذا كان من الرَّاسِخِينَ في العِلْمِ، ويُرِيدُ بيانَ ما وَرَدَ فيها من التَّحريفات والتَّضارُب بينَها" "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/ 311)،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام